ليبيا بعد كارثة « دانيال » .. تضامن شعبي يتجاوز الانقسامات السياسية
طرابلس (أ ف ب) – أثارت الفيضانات القاتلة في ليبيا موجة من التضامن بين السكان تجاوزت الانقسامات السياسية والقبلية بين الشرق والغرب، والتي تقوض البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
وقال مهند بنور (31 عاماً) ويقطن في تاجوراء “منذ حدوث هذه الفاجعة الاليمة انطلقت حملة تاجوراء، التي لم تحمل أي اسم، ولم تكن بدعم من أي مؤسسة عامة، بل نادت الناس بعضها لجبر ما أصاب اخوانهم في المنطقة الشرقية”.
وتتدفق التبرعات منذ الاثنين، وأكد بنور أنها بلغت السبت نحو 70 ألف دينار (الدينار يساوي 0,19 يورو)، بينها 20 ألف دينار تم حصدها خلال يوم الجمعة وحده.
وأضاف “الحملة لم تتوقف، ويجلب الناس ما لديهم من مواد غدائية ومواد تنظيف وبُسط وفرش ومواد طبية ومستلزمات للنساء والأطفال وكذلك ملابس وتبرعات عينية”.
وضربت العاصفة دانيال ليل الأحد الإثنين شرق ليبيا مصحوبة بأمطار غزيرة فتسبّبت بانهيار سدّين في أعلى درنة، ما أدى إلى فيضان النهر الذي يعبر المدينة بصورة خاطفة فتدفقت مياه بحجم تسونامي جارفة معها كل ما في طريقها من أبنية وجسور وطرق، وموقعةً آلاف القتلى.
وبلغ عدد القتلى 3252 شخصاً، بحسب حصيلة موقتة أعلنها وزير الصحة في حكومة شرق ليبيا عثمان عبد الجليل مساء السبت.
وغادر ناجون ومعظمهم بلا مأوى الأحد مناطق الكارثة ولكنهم بحاجة إلى المساعدة.
وتسبّبت الكارثة بنزوح أكثر من 38 ألف شخص من شرق ليبيا المتضرر من الفيضانات، بينهم 30 ألف من درنة، وفق ما أوردت المنظمة الدولية للهجرة.
وأكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن جريفيث هذا الأسبوع على موقع “اكس” (تويتر سابقاً) أن “من الضروري تزويد السكان بالمنتجات الحيوية ومنع حدوث أزمة ثانوية صحية”.
وما يزيد من صعوبة أعمال الإغاثة الفوضى السياسية وحالة الانقسام المخيمة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
وتتنافس على السلطة في البلد حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرًا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حمّاد وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من المشير خليفة حفتر.
وفي مواجهة الكارثة تجاوز الليبيون انقساماتهم وتحركوا من كل الأطراف للمساعدة: في كل مدينة، في المساجد وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، يتم تنظيم حملات لجمع تبرعات ومساعدات شتّى، ووصل مئات المتطوعين وعمال الإنقاذ والأطباء والممرضات إلى المنطقة المنكوبة.
ويشدّد العديد من المتطوعين على أهمية أن يستمر التعبير عن التضامن عقب الخروج من الصدمة التي سبّبتها الكارثة.
نهاية الإفلات من العقاب؟
في حي الأندلس الراقي في العاصمة توقفت شاحنتان كبيرتان لتحميل مساعدات في ساحة أحد المساجد، وقد بلغتا سعتهما القصوى تقريباً عندما وصل بدر المخلوف أحد سكان الحي جالباً عبوات من المياه.
وقال الرجل الخمسيني “بعد هذه الفاجعة، لا يجب ان ننسى اخواننا في المناطق المتضررة لأن معاناتهم ستستمر لشهور وربما لسنوات (…) خصوصاً اننا في ليبيا في وضع من الانقسام والتشظي والنزاع على السلطة”.
وأضاف “نعي بأن إعادة الاعمار ستتطلب مجهوداً ووقتاً أطول من أي مكان آخر حيث الحالة طبيعية”.
وأشار إلى أنّ “حكومات ليبيا المتعاقبة اعتادت على التقاعس ومرور السنين بدون انجاز أي شيء، واعتادت أيضا ألا يحاسبها أحد. للأسف هذا حالنا”.
وانشغل نوري بالعيد المخلوف (53 عاماً) وهو موظف في وزارة الثقافة بتنسيق التبرعات قبل انطلاق موكبها الأحد من وسط العاصمة طرابلس.
وقال “نشكر اخواننا في جميع مناطق ليبيا على المساعدات التي تقدّم لأخواننا في المنطقة الشرقية. إنه عمل تطوعي، وتتصل بنا عائلات كثيرة من انحاء ليبيا، وكل من يستطيع ان يقدم مساعدات يقوم بإحضارها ومنها ملابس وأغدية ومياه”.
وبينما تنشط حملات التضامن الشعبية، يتراشق الخصوم السياسيون في الشرق والغرب اتهامات بالتسبب بالكارثة الوطنية.
وتعهد النائب العام الليبي الصديق الصور الذي زار درنة الجمعة بأن تتم “محاكمة من تثبت عليه التهم”، وبأنه “لن يكون هناك افلات من العقاب”.
في هذه الأثناء، تنشط ميدانياً منظمات المجتمع المدني التي عادة ما تواجه مضايقات من السلطات.
وقالت مديرة جمعية “محامون من أجل العدالة في ليبيا” إلهام سعودي، إن على مدى العقد الماضي “قامت النخب السياسية من كل الأطراف بإغلاق منظمات المجتمع المدني بشكل منهجي ومتعمد واضطهدت أعضاءها”.
وأكدت المحامية الليبية التي جعلت من مكافحة الإفلات من العقاب مهمتها الرئيسية أن المجتمع المدني “يشكل تهديداً” للنخبة السياسية “لأنه يحاول سد ثغراتها”.
وأعلنت أن “المجتمع المدني سيعمل على تقديم المسؤولين عن المأساة إلى العدالة”.
وشدّدت على أنه “من المهم أن تمثل هذه اللحظة نهاية ثقافة الإفلات من العقاب في ليبيا”.
إقرأ المزيد