عبد المنعم ابو ادريس يكتب.. انعكاسات معركة غرب التيغراي على السودان
مع اقتراب القتال في إقليم تيغراي الاثيوبي من المنطقة المتاخمة للحدود مع السودان بمحازاة ولايتي القضارف وكسلا ، تثور أسئلة مثل كيف سيكون الوضع عند فرار طالبي لجوء الى السودان ، مما يخلق ازمة إنسانية بإضافة قادمين جدد الى الذين تم استيعابهم في معسكري ” ام راكوبه ” و ” الطنيدبة ” بولاية القضارف شرق السودان ، والذين تقدر أعدادهم حسب إحصاءات الأمم المتحدة بانهم سبعين الفا , يضاف اليهم الذين تسربوا الى المدن والقرى ومن انتشروا في المشاريع الزراعية وهؤلاء ليس هناك إحصائية بهم ، وسنحاول عبر هذا المقال رصد تاثيراتهم على اثنين من المجتمعات الحدودية زارها كاتب المقال في سبتمبر / أيلول / 2022 ، ام أن الوضع سيتعدى ذلك الى تاثيرات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية ؟
أهمية حدود السودان لأطراف الصراع :
الجزء المحازي للحدود السودان هو منطقة مختلف على تبعيته وهي الإقليم المعروف اثيوبيا باسم ” ولغاييت – الحمرا ” .
فالأمهرا يدعون بأن هذه المنطقة تاريخيا جزء من إقليمهم وتم اخذها وإعطاءها الى إقليم تيغراي عقب وصول حكومة تحالف جبهة تحرير شعوب اثيوبيا مايو / أيار 1991 واعتماد النظام الفيدرالي وفق لدستور 1994 وتقسيم البلاد وقتها الى تسعة أقاليم .
بينما يحاجج التغيراي بانها جزء من ارضهم وان سيطرة الامهرا ابان حكم الامبراطور هايلاسلاسي ( 1935 الى 1974 ) ، ومن بعده الديكتاتور منقستو هايلي ماريام (1974 الى 1991 ) هو من اخذ تلك البقعة وجعلها تتبع لإقليم الامهرا .
الأهمية الاقتصادية :
تشتهر هذه المنطقة بأرضها المسطحة الصالحة للزراعة والتي يخترقها نهر تكيزي والذي يصير اسمه داخل السودان ستيت , في ظل مرتفعات تغطي ارض الإقليمين حيث يوصف إقليم الامهرا بانه اكثر مناطق دولة اثيوبيا التي تغطيها المرتفعات .
اما إقليم تيغراي في مجمله عبارة عن هضبة لا تتوفر فيه مساحات مسطحة تصلح للزراعة .
وتنتشر في المنطقة مزارع السمسم والبساتين حيث تشير وزارة التجارة الإثيوبية بأن كمية السمسم الذي تم تصديره من المزارع حول الحمرا في عام 2018 – 2019 بلغت نسبته حوالي 7% من اجمالي صادر البلاد بمبلغ 100 مليون دولار ,ويزرع فيها نوعية السمسم الأبيض الذي لا ينتج كثيرا في بقية أجزاء اثيوبيا .
وامر آخر ان السيطرة على هذا الإقليم سيجعل الجانب السوداني يطل مباشرة على ” الفشقه ” الكبرى التي يكافح المزراعون الاثيبيون لاستزراعها معتمدين على قيامهم بذلك طوال خمسة وعشرين عاما حتى استعادها الجيش السوداني في نوفمبر / تشرين الثاني / كانون الأول / ديسمبر 2020 , وهي أراضي زراعية تقدر مساحتها بحوالي 600 الف فدان معدل هطول الامطار فيها حوالي 600 ملم سنويا ، مما يفتح الباب امام الذي يضع يده على غرب تيغراي للدخول في تفاوض مع السودان للاستفادة من الأرض المطلة على حدوده .
الأهمية الاستراتيجية :
تمثل حدود هذه المنطقة مع السودان أهمية استراتيجية كبير للتيغراي في ظل مجريات الصراع باعتبار انها منطقة حدود دولية يمكن البناء عليها في ظل مشاركة ارتريا الى جانب الحكومة المركزية مما يجعل حدود الإقليم معها لا يعول عليها ، كما ان الإقليم بقية حدودها مع إقليمي امهرا وعفار , وفي حال نجح التيار الراديكالي داخل التيغراي في ان تسيطر اطروحته الداعية لتقرير مصير الإقليم , ستصبح هذه الحدود هي المساحة التي سيطل منها على العالم .
بل قبل حسم الصراع يمكن للتغيراي في حال سيطروا على حدود الإقليم فتح منفذ لايصال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة ووكالاتها , إضافة الى إمكانية استخدام علاقاتهم التاريخية مع السودان حتى اثناء الصراع بان يفتح لهم باب لامداد واخلاء جرحاهم .
الوضع على الأرض :
تشير الانباء الواردة من هناك بان التيغراي سيطروا على على منطقة ” عدي اركا ” الواقعة شمال غندور بحوالي 180 كيلو متر وذلك يوم 19 / سبتمبر / أيلول 2022 وهي منطقة مرتفعة ، موقعها الجغرافي وطبيعتها تمكن من القوة المسيطرة عليها من قطع الامداد عن منطقة “الحمرا – لغاييت ” ، والتي الان تحت قبضة الجيش المركزي و حلفاءه من قوات إقليم الامهرا الخاصة و ميليشيا ” الفانو ” الأمهرية و بإسناد من القوات الارترية التي تحشد قوات كبيرة في بلدة ” ام حجر ” الارترية على بعد امتار قليلة من الحمرا الاثيوبية ..
وفي حال نجح التغيراي في قطع الامداد عن هذه القوات يمكنهم عندها مهاجمتها من داخل إقليمهم ، ووقتها ستصبح الأرض السودانية جزء من مساحة الانسحابات او الالتفافات مما يجعلها جزء من ارض المعركة , ووقتها سيتحكم تصرف السودان مع اطراف النزاع وتبعاته في جره الى آتونه او ان يحافظ على حياده المعلن رسميا .
تغيير ديموغرافي :
من الاثار التي بدأت ظاهرة للعيان في بعض القرى الحدودية ورصدها الكاتب في منطقتي ” زهانا” الواقعة على بعد حوالي 20 كيلو متر من الحدود الإثيوبية حيث تضاعف سكان القرية عدة مرات مقارنة بقبل عام واحد حيث كان سكانها حوالي 700 نسمة حيث وصل التعداد وفق لتقديرات الأهالي في 13 سبتمبر / أيلول 2022 حوالي خمسة الف نسمه كما انتشرت أصوات الموسيقى الإثيوبية ومقاهي تقدم الاطعمة الإثيوبية التقليدية والقهوة على طريقتهم وغلب على المارين في الشارع الأزياء الإثيوبية التقليدية البيضاء للنساء .
كما زادت اعداد الاثيوبيين المنتمين لإثنية التيغراي في بلدة ” ود الحليو ” التي تبعد حوالي 50 كيلو متر عن اثيوبيا بانتشار المقاهي والمطاعم واستقرار اسر تنتمي الى التيغراي بكثافة في البلدة وصار الرجال يعملون في المزارع حول المنطقة والتي يزرع فيها السمسم والذرة بينما ازدادات اعداد المطاعم والمقاهي التي تديرها اثيوبيا وتقدم الاكل التقليدي للإثيوبيين .
وصارت السلطات السودانية اكثر تشددا في نقاط التفتيش على الطريق الرابط بين ” ود الحليو ” وبقية مناطق السودان حيث يجري تفتيش العربات والركاب تفتيشا شخصيا والتأكد من هوياتهم اكثر من مرة .
• عبد المنعم ابوادريس
كاتب سوداني خبير في قضايا منطقة القرن الإفريقي .