الدكتور مجدي الشيمي يكتب : لماذا إزدواجية المعايير الدولية في المحكمة الجنائية الدولية ؟
يعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة أحد أهم إنجازات الأمم المتحدة ، والتي بدأت عملها في يوليو 2002 وذلك لملاحقة مجرمي الحرب في أنحاء العالم مما يحقق بعضا من الراحة النفسية للضحايا الناجين, وتكون أحكامها بمثابة رد الاعتبار للمجتمعات التي تم استهدافها.
والأهم من كل ذلك أنها تردع مجرمي الحرب في المستقبل, وتجعل كل مسئول علي قمة السلطة في أي دولة, يفكر أكثر من مرة قبل أن يقدم علي عمل فيه انتهاك لحقوق الإنسان و يكون علي قناعة تامة بأنه لن يفلت دون عقاب.
تتعامل المحكمة الجنائية الدولية مع الجرائم الدولية الوحشية التي تثير قلق المجتمع الدولي مثل : الإبادة الجماعية, التطهير العرقي, الديني, الرق, التعذيب, الاضطهاد, وانتهاك اتفاقية جنيف الخاصة بالأسري والمدنيين, وتعمل المحكمة الدولية من خلال آلية دائمة لتعقب و محاكمة مرتكبي هذه الجرائم, والذين غالبا لا يزالون علي قمة السلطة .
لعلّ التزام مبدأ المساواة في تطبيق القانون، وتجنّب الكيفية في تفسيره، من أهمّ المقاييس الضامنة لمحاكمة عادلة، فازدواجية المعايير في تطبيق القانون ربّما كانت من أهمّ الأسباب التي قضت على ثقة العالم العربي بالعدالة الدولية.
الواقع أنّ عدم وجود آلية قضائية نصّ عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وتمثّل مرجعية للطعن بقانونية قرارات مجلس الأمن، قد شجّع المجلس، وخصوصاً في إطار الامتياز الذي تتمتّع به الدول الخمس الدائمة العضوية، أي حقّ النقض، على الكيل بمكيالين في قراراته وخاصة المتعلّق منها بالشرق الأوسط .
لا بل إنّ غياب هذه الآلية قد مكّن مجلس الأمن، في بعض الحالات، من تجاوز القانون الدولي وبعض نصوص الميثاق المنشئ لمجلس الأمن، دفع ذلك بعض الحقوقيين وأساتذة العلوم السياسية الى الرأي أن مجلس الأمن لا يخضع في قراراته لأيّة ضوابط قانونية، اللهمّ سوى ما تمليه مشيئة الدول الصانعة لقراراته ، وأيضاُ عدم إصدار قرار تشكيل محكمة دولية للنظر في أي انتهاكات في أي مكان من العالم إلا بقرار لمجلس الأمن, مما يعطي الدول دائمة العضوية في المجلس الفرصة لمنع محاكمة مجرميها من خلال استخدام حق الفيتو, مثل الولايات المتحدة التي تمنع تشكيل المحكمة في جرائم جنودها في العراق وأفغانستان وجرائم إسرائيل في حق الفلسطينيين.
مما يثير قضية ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين بسبب ضعف الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة ومنها محكمة العدل الدولية, التي يتحكم في عملها الدول الكبري لتحقيق مصالحها باسم العدالة الدولية, فعلي الرغم من وجود الكثير من الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي والسوري والافغاني من قبل قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات الموالية له فإن المحكمة الدولية رفضت الدعاوي المقدمة لمقاضاة الرئيس الأمريكي جورج بوش لغزوه العراق وتدميره, وفي الوقت نفسه تنظر المحكمة الجنائية بعض الجرائم التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط لأهداف سياسية والنيل من بعض الدول, مثل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري .
وتتمثل قمة الازدواجية: بعد 24 ساعة من تبرئة محكمة العدل الدولية جمهورية صربيا من المسئولية عن جريمة ذبح أكثر من 8 آلاف مسلم بوسني في مدينة سربرنيتشا البوسنية – والتي حدثت في يوليو 1995، والاكتفاء بالقول إن جمهورية الصرب ” فشلت” في منع حرب الإبادة ضد المسلمين الصرب في سربرنيتشا – أدانت المحكمة الجنائية الدولية في اليوم التالي مباشرة حكومة السودان واتهمتها بالمسئولية عما سمي “جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب” في دارفور، وطلبت تسليم متهمين سودانيين – أحدهما وزير – لمحاكمتهما.
* الدكتور مجدي الشيمي : باحث متخصص في الشأن الأفريقي ومؤسس مبادرة حدوته إفريقية
إقرأ المزيد