الكاتبة الصحفية التونسية آسيا العتروس تكتب : صحفيو غزة هدف للاحتلال … إزالة الشهود لا يخفي الجريمة
لا خلاف أن المعركة الاعلامية هي جزء من معركة الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام , و هي معركة أدرك كيان الاحتلال خطورتها و تأثيرها على صورته و مصداقيه جيشه بين حلفاءه لا سيما بين الشعوب الرافضة للبربرية و التوحش الذي يمارسه , و من هذا المنطلق فقد حرص رئيس وزراء هذا الكيان الذي يقود العالم إلى كارثة غير مسبوقة على أن يبطش بالاعلام و الاعلاميين في غزة و يمنع دخول الصحافة الأجنبية إلى القطاع حتى لا تفضح و لا تكذب ما يروج له من ادعاءات باطلة بشأن استهداف المنشات المدنية من مساكن و مشافي و جامعات و سيارات الإسعاف .
و قد فات نتنياهو المسكون بجنون العظمة و الاعتقاد بأن الألم سيسايره إلى ما لا نهاية في توجهاته أن قواعد الحرب الاعلامية تغيرت و أن الصورة و المعلومة لم يعد بالإمكان مصادرتها أو طمسها أو منع وصولها إلى كل العالم في لحظات و أنه رغم القطع المتكرر للكهرباء و الانترنت على القطاع فقد كانت الصورة أقوى من كل الترسانات و الحواجز.
لا شيء يمكن اعتباره بالمفاجئ في تقرير نقابة الصحفيين الفلسطينيين بشأن الانتهاكات الفظيعة التي تستهدفهم منذ بداية الحرب , و قد جاء التقرير ليؤكد الحقائق على الأرض و الاستهداف الممنهج للصحفيين في إطار استراتيجية الإحتلال لضرب لا كل ما يمكن أن يفضح جرائمه المفضوحة التي يمارسها على العلن دون أدنى تردد أوخجل بل في إطار استراتيجية لضرب العقل والوعي الفلسطيني ممثلا في اطاراته التربوية والثقافية والعلمية والطبية وغيرها وصولا إلى إعلامييه فرسان القلم وأبطال الصورة العابرة للقارات الذين ما انفكوا يعرون وهذا الكيان أمام أنظار العالم الذي ظل طويلا جامدا لا تحركه الانتهاكات و الفظاعات قبل أن يدرك اليوم أن حجم التوحش غير المسبوق الذي يمارس على قطاع غزة و الذي امتد إلى لبنان لن يتوقف عند حد في ظل استمرار الصمت المريب و استمرار الاستخفاف و القفز على كل القوانين لدولية ..
بلغة الارقام يؤكد تقرير نقابة الصحافيين الفلسطينيين كما عديد التقارير التي أعدتها منظمات حقوقية إنسانية أن 1639 جريمة وانتهاكاً بحق الصحافة في فلسطين منذ بدء حرب الإبادة, و أنه حتى كتابة هذه الاسطر فان 174صحافياً وعاملاً في قطاع الإعلام بينهم 21 صحفية استشهدوا , و أن 357 صحفياً جُرحوا بالصواريخ والرصاص وباعتداءات الاحتلال ومستوطنيه ، كما أنه تم اعتقال 125 صحفياً بينهم 16 من الصحفيات فيما يبقى إثنان قيد “الإخفاء القسري”، كل ذلك طبعا دون أن ننسى أن 73 مؤسسة إعلامية دمرها الاحتلال في غزة و15 أغلقها في الضفة.
نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر وصف الحرب الإسرائيلية على الصحافيين الفلسطينيين بأنها “حرب إبادة ضد الإعلام والصحافيين ومؤسساتهم”، مشيرا ً إلى أن أكثر من 10% من صحفيي غزة قُتلوا، و100% من مؤسساتهم الإعلامية دُمرت منذ أكتوبرالماضي . .. لم يحدث في أي حرب أن سجل هذا العدد من الضحايا ونظرة عاجلة على الانترنت ستؤكد أن الصحفيين الذين تم اغتيالهم في غزة سواء أثناء أداء واجبهم أو كذلك في بيوتهم مع عائلاتهم لا مثيل له حتى في الحرب العالمية الثانية أو حرب فيتنام التي استمرت عشرين عاما ولا حتى في اسوأ الحروب العرقية في أوروبا في يوغسلافيا السابقة أو في الحرب الراهنة بين روسيا وأوكرانيا ما يدفع الى وصف هذا الكيان بأنه قاتل الصحفيين , أنه يرنو من وراء ذلك الى قتل الحقيقة ولكنه جعل أنه في زمن التكنولوجيا الحديثة وزمن الصورة العابرة للحدود و زمن الصحفي المواطن و زمن اختراق أطفال اغتصبت طفولتهم الميدان الاعلامي بهواتفهم لنقل معاناتهم و مآسيهم غير المسبوقة العالم , و رغم كل الترهيب و كل محاولات طمس الجرائم فلا شيئ يمكن أن يمنح هذا الكيان فرصة إخفاء ما يقترفه أو امكانية و مجال إعدام ومنع ما يجري على الأرض من الوصول الى الضمير الإنساني وإلى شعوب العالم التي تقف اليوم على بشاعة و فظاعة عقيدة جيش الإحتلال الإسرائيلي الذي لم يترك جرما لم يرتكبه في حق البشر والشجر .
بقي سؤال مهم هل كان الاعلام العربي كان في الموعد في هذا العدوان الذي تجاوز كل التوقعات و هل كان في تزريق بعض الشاشات العربية لواجهتها بعلم فلسطين او بصورة الأقصى كافيا لخوض هذه الحرب و الانتصار للقضية.؟ والجواب قطعا لا فالمعركة الاعلامية لم تكن يوما بدورها متكافئة و باستثناء بعض القنوات يبقى حضور حرب الإبادة في غزة وفي حق أهلها و أطفالها و نسائها وصحفييها و كل ما فيها أبعد ما يكون عن الجحيم الحاصل في هذا المكان من العالم حيث أصبح البقاء على قيد الحياة حلما منشودا .
* آسيا العتروس .. كاتبة صحفية تونسية
اقرأ المزيد
آسيا العتروس تكتب : نصرالله يقر بتفوق العدو عسكريا .. و لكن ماذا بعد ؟