الكاتب المغربي لحسن العسبي يكتب : هل نحن في الطريق لنصبح مجتمعا إفريقيا أسود البشرة بسبب تقلص نسبة المواليد بالمغرب؟
لننطلق منذ البداية من هذا السؤال المحوري:
كم ستكون نسبة الكهول والشيوخ في المغرب ما فوق 55 سنة في أفق 2040؟ أي بعد 16 سنة من الآن.
الأرقام الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط تقول إن النسبة ستتضاعف مرتين (ثم ثلاث مرات في أفق 2050). في مقابل تراجع بياني في كل أرقام الهرم السكاني للمغاربة من سن 5 إلى 45 سنة، مما يعني أننا دخلنا منذ سنة 1995 مرحلة تبدل في شكل الهرم السكاني بشكل مقلوب تتسع قمة الهرم فيه وتضيق قاعدته. بكل ما يعنيه ذلك من إسقاطات على مستوى التنمية العامة ببلادنا وعلى مستوى القدرة الإنتاجية للثروة.
بجملة بسيطة إننا نتجه مغربيا لنصبح مجتمع شيوخ لا مجتمع شباب، بكل الكلفة التنموية والتدبيرية لذلك. لأن سواعد العمل تتقلص في مقابل اتساع الساكنة غير المنتجة والمستهلكة، التي انتظاراتها ستكون هائلة على مستوى الرعاية والصحة، حيث ستتسع قاعدة المتقاعدين مغربيا بتواتر العقود الثلاثة القادمة.
بلغة الأرقام دوما، فإن نسبة تزايد السكان بالمغرب تعتبر الأضعف في كل الشمال الإفريقي وبالعالمين العربي والإسلامي. حيث بالكاد نصل حتى سنة 2023 (آخر الأرقام الرسمية المتوفرة) إلى 37.65 مليون نسمة، بمعدل مواليد هو الأضعف في ذات الجغرافيات البشرية يقارب 2.1 مولود لكل امرأة. ولعل ما يثير في هذه الأرقام إذا ما قورنت مثلا بالجزائر وتونس ومصر، فإن نسبة المواليد بالجزائر تقارب 3.2 مولود لكل امرأة، وفي مصر 3.5 وفي تونس 2.4.
ذلك أن مؤشر المواليد مغربيا ظل يتضاءل منذ نهاية الثمانينات، حيث انتقل من 7 مواليد لكل امرأة في الستينات (منذ 1961) إلى 2.1 سنة 2018. على أن المقلق أكثر ليس فقط تباطؤ ارتفاع عدد سكان المغرب مقارنة بمحيطه الجهوي الشمال إفريقي، حيث مثلا بالمقارنة مع الجزائر التي كان عدد سكان المغرب يفوقها بمليون نسمة سنة 1990، أصبحت اليوم تتجاوز المغرب ب 8 ملايين نسمة (يصل عدد سكان الجزائر تقريبا حتى سنة 2023 ما مجموعه 45.2 مليون نسمة).
إن المقلق هو تراجع نسبة المواليد مقارنة مع نسبة الوفيات، حيث ولجنا مغربيا خانة الدول التي هي مرشحة لتقلص عدد سكانها خلال الثلاثين سنة القادمة. حيث إننا أصبحنا مندرجين ضمن الخانة التي توصف تقنيا بتراجع “تعويض الأجيال” (المعدل الدولي هو ما تحت نسبة 2.1 مولود لكل امرأة). بل إنه بلغة أرقام المندوبية السامية للتخطيط وأرقام أبحاث وزارة الصحة وأرقام المرصد الوطني للتنمية البشرية فقد بلغنا في مرحلة معينة (إلى حدود سنة 2010) عتبة 1.8 مولود لكل امرأة مغربية، الذي يعني بالواضح أننا لم نعد مجتمعا تتجدد أجياله، أي أن نسبة الوفيات تفوق نسبة المواليد. على أن ما تطمئن به الأرقام الجديدة لذات المؤسسات الوطنية المذكورة أعلاه، أنه ابتداء من سنة 2011 سجل تطور طفيف في نسبة المواليد بالمجمل بين المدن والبوادي بلغ اليوم رقم 2.1 مولود لكل امرأة مغربية.
هل سيواصل ذلك المؤشر الإرتفاع كما هو متحقق في مصر والجزائر وتونس وموريتانيا؟ كل التوقعات تقول العكس. مما يجعل السؤال كبيرا عن السبب في ذلك.
الفرد المغربي للقرن 21 ليس هو الفرد المغربي للقرن 20
كثيرة هي الأسباب التي تعود إلى ذلك التراجع، حتى وأغلب التفسيرات تربط ذلك بالشق الاقتصادي التنموي اجتماعيا، كون الأسرة بالمغرب لم تعد قادرة على “الإستثمار” في العنصر البشري (المواليد) بسبب ارتفاع كلفة ذلك ماديا. بينما الحقيقة أن هذا التفسير هو نتيجة أكثر منه سببا.
إن السبب كامن بدرجة أولى في تراجع منظومة الخيار السياسي التضامني مجتمعيا على مستوى التدبير الحكومي للشأن العام منذ مرحلة التقويم الهيكلي في ثمانينات القرن 20 (بتوصية من صندوق النقد الدولي)، كانت نتيجته تجفيف آليات “الحماية الاجتماعية” على مستوى الخدمات العمومية الرئيسية (التعليم، الصحة، البيئة، النقل، الترفيه). مما ساهم مع تواتر السنوات حتى بداية القرن الجديد في إضعاف شرائح الطبقة المتوسطة بالمغرب، بسبب ارتفاع كلفة الإستفادة من تلك الخدمات بالنسبة لشرائح كبيرة من الأسر بعد أن أصبحت الجودة في تلك الخدمات كلها قرينة بالقطاع الخاص وليس بالقطاع العمومي، في المقدمة منها خدمة التعليم وخدمة الصحة. فأصبح واقع الإستثمار في تربية السلالة بالنسبة لتلك الشرائح المجتمعية الكبيرة والوازنة ضمن الهرم السكاني يفرض خيارات التقليص في عدد المواليد، وأيضا التقليص في مغامرة الزواج لتكوين نواة أسرية جديدة (بدليل ارتفاع معدل سن الزواج بين الذكور والإناث مغربيا من 17 سنة في الستينات إلى 29 سنة في 2018). الأمر الذي انعكس طبيعيا على المستوى العام لنسبة المواليد مغربيا منذ نهاية الثمانينات إلى اليوم.
بالتالي فهو على هذا المستوى تقليص بالإكراه (نتيجة نوعية السياسات الحكومية المختارة عنوانا لمشروع مجتمعي غير تضامني) وليس بالإختيار (الفردي).
إن الدليل على الأثر الكبير لهذه الخيارات السياسية الحكومية، هو أن بداية تسجيل تحسن على مستوى نسبة المواليد بالمغرب ابتداء من سنة 2010، استنادا على معطيات المندوبية السامية للتخطيط، جاء في جزء كبير منه كنتيجة لإعادة تقوية أسباب مناعة الطبقة المتوسطة ابتداء من سنة 1996 وتعزز أكثر مع سنة 2000. عناوينه الكبرى كانت في نتائج الحوار الاجتماعي حينها، ثم في قرارات الإصلاح المالية والتنظيمية لحكومتي عبد الرحمن اليوسفي وإدريس جطو (الضرائب/ الجمارك/ التأمين/ الأبناك/ السكن الاجتماعي/ القروض البنكية والاستهلاكية/ النقل/ الاتصالات/ تحديث الإدارة عبر إدخال الشق الإلكتروني خدماتيا). الذي تكامل مع خيار مركزي للدولة في العهد الجديد للملك محمد السادس المتمثل في إعادة بنينة شمولية للخيارات الإستراتيجية للتنمية والتدبير بأفق جديد يتساوق وشروط نظام السوق عالميا، أصبح يفرض دفتر تحملات خدماتية جديدة على مستوى خلق أسس بنية تحتية جديدة للتراب والمجال جالب للاستثمار الأجنبي وداعم للرأسمال المحلي.
لقد أدت تلك الخيارات الإصلاحية الكبرى (التي تساوقت مع خيارات سياسية حقوقية على مستوى حريات التعبير والتعدد اللغوي وإعادة الاعتبار لدور ومكانة المرأة والإطار القانوني للأسرة)، إلى نوع جنيني جديد من بداية عودة ملامح طبقة متوسطة بالمغرب ساهم في تليين آلية منظومة الإنتاج مجتمعيا، خلق أسباب الثقة في المستقبل لجل الشرائح المجتمعية خاصة من الفئات الدنيا والمتوسطة الذي شجع في إعادة الاستثمار في بناء “أسرة” وفي الفرح بالحق في “مواليد” جدد. الأمر الذي أدى بعد عشر سنوات، أي في حدود 2010، إلى بداية تبدل في البيان التراكمي الخاص لنسبة المواليد بالمغرب، الذي انتقل بالتدريج من 1.8 إلى 2.1 مولود لكل امرأة.
سياسيا، بالعودة إلى التراجع المسجل في منظومة الخيارات التضامنية الاجتماعية ومنظومة الإصلاحات التدبيرية عموميا منذ سنة 2008 (نموذج التراجعات المسجلة في مشروع إصلاح نظام التقاعد ومشروع إعادة هيكلة النظام الصحي والمشاريع الكارثية لإعادة هيكلة نظام التعليم)، أي كل ما يرتبط بالاقتصاد الاجتماعي تنمويا، فقد بدأت تسجل تراجعات ملموسة متواترة على قدرة غالبية شرائح المجتمع الدنيا والمتوسطة في القدرة على الاستثمار في “الأسرة” مما انعكس سلبا من جديد على آلية إنتاج النوع البشري بالمغرب. ولأن دورة النتائج في مجال حيوي مماثل لا تظهر سوى بعد عقدين من الزمن على الأقل، فإنه يجب انتظار أفق 2028 كي تؤكد الأرقام العلمية مدى التراجع الجديد في بنية الهرم السكاني ببلادنا. لأن القصف الذي تعرضت له بنية “المجتمع التضامني” أكبر من أن تتجاوزها خيارات فئوية من قبيل شكل “المنح الاجتماعية” لعدد معين من الأسر ذات الدخل المحدود. فالفرق كبير بين تخفيف الضغط على القدرة في الحصول على الخدمات العمومية الكبرى للمواطنين (التعليم/ الصحة/ النقل/ الترفيه) وخلق فرص الشغل، الخالق للمجتمع التضامني فعليا، وبين خيار المساعدات الفئوية (على أهميتها وواجب الإبقاء عليها).
ثقافيا، لا يمكن إغفال التحول المسجل ضمن منظومة القيم السلوكية المؤطرة لوعي الفرد المغربي اليوم، التي لها أثر ملموس أيضا على التبدل الذي طال بنية الهرم السكاني ببلادنا.
إن من نتائج العولمة ومجالات إنتاج القيم الجديدة أن أصبح الفرد المغربي صاحب رؤية مختلفة لذاته وللعالم. فهو ابن لزمنه القيمي والفكري والثقافي، حيث أصبحت الحرية الفردية هي المقياس الأكبر للحداثة، المسنودة بتطور في الوعي غَيَّرَ من منظومة ممارسة الحياة عند الأفراد.
إن أكبر التحولات المسجلة في بلادنا اجتماعيا هو التطور الحاصل في وضعية المرأة على مستوى الوعي والممارسة والسلوك (سواء في المدن أو في البوادي). سيكون من الظلم التوصيفي سجنه في كليشي العبارة المسكوكة “حرية المرأة”، لأن الأمر أعمق من ذلك، فهو يطال وعيها السلوكي فعليا وبالملموس في ممارسة الحياة من داخل منظومة ثقافية مغربية لها مرجعياتها التاريخية والثقافية والدينية والحضارية. ومن أكبر المجالات التي يبرز فيها ذلك الوعي، هو الوعي بالصحة الإنجابية وبالحق في الولادة باختيار وقرار وتفكير عند المرأة المغربية منذ عقود وليس اليوم فقط.
إن ما أسميه دوما “استعمال الزمن الخاص بالمرأة المغربية” في ممارستها لوجودها ككائن حي عاقل قد طاله تغيير كبير. ومن أكبر الأسئلة التي تفرض علينا الدراسة والتقييم والتحليل والجواب سؤال: ما معنى أن تكون امرأة بالمغرب اليوم؟ (أشتغل منذ ثلاث سنوات على هذه الموضوعة، ابتدأتها من خلال استمزاج رأي خاص بالنساء المغربيات يشمل المدينيات والقرويات، المتعلمات وغير المتعلمات، من مختلف الأعمار والمجالات الجغرافية داخل المغرب وخارجه).
بالتالي، فإن التطور الإيجابي الذي طال منظومة القيم السلوكية للمرأة بالمغرب في وعيها بذاتها (بالمدن والبوادي) له دور ملموس على بنية “تجديد النوع البشري” عندنا، لأن قرار الإنجاب لم يعد قرار البنية التقليدية للعائلة الموسعة بل أصبح قرارا فرديا للمرأة والرجل (الأب والأم). ها هنا يحضر منطق العقل والمصلحة. هذا تطور هائل في الوعي السلوكي للفرد بالمغرب. بل لابد أن نذهب بعيدا ونقول إن الفرد المغربي تطور سلوكيا (بدون خصومة كبرى مع منظومته الثقافية والحضارية) في مقابل تباطؤ مقلق ومعيب لإدراك النخبة لذلك التطور واستيعابه، النخبة في الدولة وفي المجتمع عبر آلياته التأطيرية.
إن انتصار المرأة المغربية لحقها في حرية الإنجاب وتنظيمه (72 % من المغربيات يستعملن حبوب منع الحمل، جزء كبير منهن بالبوادي)، يترجم تطورا حداثيا عميقا طال طبيعيا منظومة القيم العمومية لممارسة الحياة بالمغرب.
هكذا، فإن التكامل بين تطور الوعي السلوكي ثقافيا للفرد المغربي (في القلب منه وعي المرأة بذاتها) وبين النتائج السلبية للخيارات التنموية العمومية على مستوى تراجع قيمة الخدمات العمومية المعروضة لممارسة الحياة في المجال الترابي مديني أو قروي، الضاغط سلبا على القدرات المادية للأسرة، هو الذي أدى إلى تسجيل هذا التبدل الذي طال بنية الهرم السكاني للمغاربة خلال العقود الأربعة الأخيرة. التبدل الذي من علاماته الكبرى تسجيل دخول بلادنا ضمن خانة الدول المندرجة ضمن ما يوصف ب “أزمة تعويض الأجيال” (ليس مستبعدا أن نكون قد عدنا اليوم إلى نسبة 1.8 مولود لكل امرأة بالمغرب الذي هو دون السقف العالمي الواجب لضمان التوازن لتعويض الأجيال المحدد في 2.1 مولود لكل امرأة).
هل نحن في الطريق لنصبح بلدا جالبا للهجرة الإفريقية؟
إن من التحديات الكبرى التي ستواجه كل صاحب قرار تدبيري للشأن العام بالمغرب في أفق 2070 (أي بعد دورتين جيليتين) هو اتساع هرم الشيخوخة وتقلص نسبة الفئة العمرية ما بين 18 و50 سنة التي هي الفئة المالكة للقدرة الذهنية والعضلية للإنتاج والعمل. أكثر من ذلك، كل المعطيات الإحصائية الرسمية تؤكد ليس فقط تقلص نسبة المواليد بالمغرب بل تفاوتا بين عدد الوفيات وعدد المواليد بالشكل الذي سيؤدي إلى تقلص العدد العام للسكان تماما مثلما يسجل منذ سنوات في بلدان أوربية مثل إيطاليا وألمانيا (نحن اليوم حوالي 38 مليون نسمة ولن نتجاوز حسابيا بأرقام مواليد اليوم 42 مليون نسمة في العشرين سنة القادمة، مع نسبة شيخوخة أعرض).
هذا يعني أن الحاجة لليد العاملة في المدن (الخدمات والصناعة) والبوادي (الفلاحة) ستكون كبيرة في أفق الأربعين سنة القادمة ببلادنا. بالتالي فإنه بمنطق الأمور سيكون قبول موجات من الهجرة الخارجية واردا جدا، التي لن تكون سوى هجرات إفريقية من جنوب الصحراء، مع نسبة أقل من هجرات عربية (مصرية بالأساس بسبب ارتفاع ضيق المجال بأهله في بلاد النيل وضيق فرص العمل والحياة بها تنمويا ومجاليا. بدليل أنه إحصائيا خلال العشر سنوات الأخيرة هناك ارتفاع هائل للزيجات المصرية المغربية وهجرة مصرية ملحوظة للاستقرار والعمل بالمغرب).
إن معمل إنتاج النوع البشري الأكثر تطورا بالعالم اليوم هو القارة الإفريقية، حيث تعتبر أكبر قارة تمتلك نسبا مرتفعة من الشباب ومن الفئات العمرية القادرة على العمل والإنتاج. بل أكثر من ذلك فإنه في أفق الثلاثين سنة القادمة ستكون موجات الهجرة عبر العالم إفريقية بالدرجة الأولى متبوعة بالهند وبدرجة أقل بالصين (مشكلة الصين اليوم هي أنها تحتاج 35 مليون امرأة، لأنها بسبب سياسة تحديد النسل الإلزامية التي تسمح بمولود واحد للعائلة أصبحت نسبة الذكور أكبر من الإناث وهناك 35 مليون ذكر صيني فائض لا عدد مواز له من الإناث).
بالتالي، فإن من المجالات الجغرافية التي ستشهد مستقبلا موجات من تلقي الهجرات الإفريقية هي المغرب، بدليل ما نعيشه منذ عشر سنوات من بداية اتساع استقرار موجات نوعية مختلفة من الهجرات الإفريقية السوداء ببلادنا الذي ليس سوى مقدمة صغيرة لذلك (بروفة).
هنا نعود إلى المرجعية الثقافية للمغربي. إذ الفرد المغربي تاريخيا ليس عنصريا بدليل أن شرائح واسعة جدا من أبنائه هم من ذوي البشرة السوداء بحكم الخلفية الدينية التي ظلت تؤطر المنظومة القيمية السلوكية في أكبر المجالات الجغرافية المغربية المستوعبة للتنقل البشري الإفريقي شمالا صوب بلادنا (هناك حالات استثنائية لمدن تاريخية بالمغرب تختلف بنيتها الاجتماعية بحكم هجرات أندلسية). صحيح أننا في حاجة علمية لإعادة قراءة تاريخ التنقل الإفريقي الأسود صوب المغرب الذي عكس ما يُعتَقَدُ ليس محصورا فقط في نتائج تجارة العبيد بل هو أيضا راجع إلى تحالفات سياسية بين أنظمة حكمت المغرب وقبائل من الجنوب الصحراوي وأيضا خلق بنية جيوش مغربية كاملة من أبناء إفريقيا السوداء منذ المرابطين حتى السلطان مولاي إسماعيل العلوي. لقد ظل حضور الامتداد الإفريقي الأسود بالمغرب (خاصة من المجموعات المسلمة بكامل غرب إفريقيا حتى شمال نيجيريا) حضورا مؤطرا بالخلفية الثقافية السلوكية الدينية للمغربي خاصة المتعلقة بأدبيات الزوايا الدينية.
إن الجديد اليوم بمنطق القرن 21، منطق العولمة ونظام السوق والطرق السيارة للمعلوميات وبنية شبكات التواصل الاجتماعية، هو أن هناك عودة لبروز “زيجات مغربية – إفريقية” بشكل متواتر بمختلف المدن المغربية من مختلف الشرائح الاجتماعية. وأن هذا التطور بحكم منطق الحاجة إلى الهجرات مستقبلا في دورة الإنتاج والرعاية الاجتماعية ببلادنا (بسبب تحديات وواجبات حماية هرم الشيخوخة المتسع)، سيفضي طبيعيا إلى بروز بنية جديدة للأسرة ببلادنا إفريقية أكثر منها متوسطية أو شمال إفريقية وبالاستتباع على مستوى لون البشرة (سيصبح المغاربة سمرا أكثر). بكل ما سيحمله ذلك أيضا من تغيير في منظومة السلوك وفي منظومة الوعي القيمي.
الأمر أشبه بتدافع بين قيم الشمال المتوسطية وقيم الجنوب الإفريقية جنوب الصحراء، تماما مثل شجرة تداعب أغصانها في هذا الاتجاه أو ذاك ريح من هنا وريح من هناك. ربما حينها ستصبح لمقولة الملك المغربي الراحل المرحوم الحسن الثاني ” المغرب جذوره في إفريقيا وأغصانه في أوروبا” معنى آخر أكثر عمقا.
هل نحن إذن عند عتبات تحول بنيوي في النسيج المجتمعي للنوع البشري بالمغرب؟
لندع السؤال مفتوحا للمستقبل.
إقرأ المزيد :
لحسن العسبي يكتب : تداعيات أفكار أولية بعد مقتل حسن نصر الله