الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية السابق في حوار مع ” afronews24 ” : العلاقات المصرية مع افريقيا قدر و حتمية و ليست اختيارية ” 1 – 2 ”
>> مثلما توافقنا مع الأفارقة في دعم حركات التحرير علينا أن نتفاعل مرة أخري في بناء المستقبل
>> هناك اعتبارات متعددة لأهمية تنشيط العلاقات المصرية الأفريقية والتعامل معها من منظور مستقبلي
>> كان هناك شغف إفريقي لعودة مصر للإتحاد الأفريقي عقب ثورة ٣٠ يونيو
>> صممت أن تكون الخرطوم أول دولة أزورها عام ٢٠١٣ لأن السودان جارة مباشرة لمصر ولنا علاقات تاريخية معها
>> الوضع في السودان يمثل أهمية بالغة لمصر واستقراره مصلحة إستراتيجية مصرية
>> في تقديري عنصري الحل في المسألة السودانية هما الإستجابة لتطلعات الشعب السوداني في المشاركة واحترام مؤسسات الدولة
الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية السابق تولي حقيبة الخارجية المصرية في فترة في غاية الصعوبة شهدتها مصر عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ، حيث واجهت مصر والخارجية ولأول مرة في تاريخ علاقاتها مع الدول الأفريقية قرارا بتجميد عضويتها في الإتحاد الإفريقي ، حيث استطاعت مصر من خلال تحركات نشطة مع مختلف الدول الأفريقية مواجهة ذلك القرار حيث نجحت بالفعل بعد عام واحد فقط من رفع هذا التجميد واستئناف أنشطتها في الاتحاد .
الوزير نبيل فهمي تحدث في حوار خاص مع ” أفرو نيوز 24 ” حول أهمية تطوير العلاقات المصرية الأفريقية ، كما تطرق إلى الجولات التي قام بها في عدد من العواصم الأفريقية.
كما تطرق وزير الخارجية السابق الي زيارته الأولي العاصمة السودانية الخرطوم وكيف استقبل المسؤولين السودانيين في ذلك الوقت تلك الزيارة ، في ظل انتماء انتماء نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير لنفس الأيديولوجية السياسية التي كانت ينتمي لها نظام جماعة الإخوان المحظورة في مصر والذي قام المصريون بثورة ضده .
وفيما يلي نص الجزء الأول من الحوار :
>> بداية كيف تري طبيعة العلاقات المصرية الإفريقية في الوقت الراهن .. وآفاق تطورها في المستقبل ؟
لا مفر من علاقات نشطة بين مصر وجيرانها , فالدول الإفريقية نشترك معها في قارة واحدة وجيرة مباشرة, إذن يجب ان تكون العلاقات معها نشطة , ويفضل أن تكون بشكل إيجابي فالعمل الإيجابي يولد الخير للجميع .
وأؤكد هنا أن العلاقات مع افريقيا قدر وحتمية وليست إختيارية ، وإذا عدنا للوراء قليلا سنجد أن العلاقات بين مصر والدول الإفريقية في فترة الستينيات كانت تشهد ما يمكن أن نطلق عليه ” توافق في الطموحات ووحدة الرسالة” , وهي مرحلة التحرر من الاستعمار الأوربي , حيث كانت مصر كانت سباقة في ذلك وقدمت المساعدة لدول إفريقية كثيرة خاصة حركات التحرير وغيرها .
ويمكن أن نطلق علي المرحلة الحالية والمقبلة بأنها مرحلة “التعاون وبناء مستقبل افضل ” فمصر والدول الافريقية , يتمتعان باغلبية شبابية في المكون الإجتماعي والشعبي , فمصر وحدها 65 % علي الأقل من سكانها من الشباب أقل من 30 عام , وغالبية الدول الافريقية كذلك , والشباب ينظر دائما الي المستقبل , صحيح يتعلم من الماضي ويستفيد من تجاربه , إنما لا يتوقف عند الماضي ويسعي لتوظيف الحاضر تطلعا الي المستقبل الافضل
ومن ثم كما فعلنا في الماضي عندما توافقنا مع الأفارقة في دعم حركات التحرير , علينا أن نتفاعل مرة أخري مع الأشقاء في الدول الافريقية في بناء المستقبل لنا ولهم , ويهمني ان أجدد التأكيد أن هذه العلاقة ليست إختيارية إنما هي علاقة حتمية وضرورية من واقع الجيرة .
نقطة ثالثة نشترك مع الدول الافريقية في إننا جميع دول نامية لها طموحات لتحقيق التنمية واللحاق بركاب التطور والتقدم الذي سبقتنا فيه الدول المتقدمة ، والتي إستفادت في بناء إقتصادياتها من خيرات مناطق كثيرة بما فيها خيرات والثروات الطبيعية في الدول الافريقية , ونحن نسعي جميعا الآن للحاق ب” قطار التقدم والتطور ” , لإستعادة حق قديم والبناء لمستقبل أفضل , إذن هناك إعتبارات متعددة لأهمية تنشيط العلاقات المصرية الافريقية والتعامل معها من منظور مستقبلي .
>> هل ينحصر تطور العلاقات المصرية الافريقية في المجال السياسي فقط أم أن هناك أهمية لتطويرها في المجال الاقتصادي بالتوازي ؟
عند الحديث عن العلاقات بين مصر والدول الإفريقية دائما تكون هناك قضية جامعة , ففي الاربعينيات والخمسينيات والستينيات القضية الجامعة كانت الإستقلال ” التحرر الإفريقي ” , تلك كانت الدعوة وكانت الريادة فيها لمصر حيث إنها كانت دولة مستقلة وتدعو لعدم الإنحياز وتدعم حركات التحرر .. الخ .
والقضية الجامعة الآن هي “التنمية والتطور “بالنسبة لنا ولهم , من واقع أن غالبية الشعب من الشباب فإذا أردت أن تخاطب المجتمع الافريقي وتجدة يستجيب ويستمع إليك تحدث معه عن بناء المستقبل ,
وأعتقد أنني ذكرت لك هذا في لقاءات سابقة أو كنت مرافقا لي ضمن الوفد الصحفي في إحدي زياراتي الرسمية وقت شغلي منصب وزير خارجية مصر , فخلال توقفي في السنغال وخلال لقاء مع الرئيس السنغالي السابق وكذلك في تنزانيا وأوغندا , الرؤساء الأفارقة ذكروا لي صراحة أنه سعداء بسماع مسؤول مصري يتحدث عن التعاون في الحاضر والمستقبل , ولا يتوقف فقط عند الجهد المشكور والنبيل الذي قامت به مصر بدعم حركات التحرير.
>> علي ذكر هذه الزيارات التي قمتم بها في عدد من العواصم الافريقية وقت توليكم مسؤولية حقيبة الخارجية المصرية .. كانت هناك صدمة لدي الرأي العام المصري بسبب الموقف الافريقي من ثورة 30 يونيو وتجميد عضوية مصر في الاتحاد .. فكيف تعاملتم مع هذا الملف في ذلك الوقت ؟
الموقف الافريقي أتخذ في ضوء قرارات الاتحاد الافريقي و عدم استقرار النظم السياسية ومعاناة دول افريقية سابقة من كثرة التدخلات والتغييرات غير الدستورية , ومن ثم تم اتخاذ قرار قاطع في إطار الاتحاد الافريقي وتلقائي بأن أي تغيير غير دستوري للحكومات في أي دولة افريقية سيتم اتخاذ قرار بتجميد العلاقة الي أن تستقر الأوضاع مرة أخري في تلك الدولة .
أتفهم خلفية ومنطق قرار الاتحاد الافريقي في ذلك الوقت , إنما يجب دائما عند اتخاذ القرارات الأخذ في الاعتبار السياق في كل حالة فهناك فرق بين تغيير رئيس بسبب التنافس علي السلطة ، وبين تغييره إستجابة لدعوة شعبية او رفض شعبي لأداءه في الحكم ، مع هذا لم نضيع وقتا في الجدل حول أسس قرار الإتحاد الافريقي ومبرراته , والذي أتخذ قبل أن أتولي منصب وزير الخارجية وتعاملت مع الواقع .
و أجد دائما أن علاقة الجوار لها الأولوية في السياسة الخارجية للدولة المصرية , وأقصد هنا علاقة الجوار العربي والإفريقية , ولذلك بدأت كوزير خارجية بإجراء عدد من الجولات العربية والافريقية , وعندما بدأت الجهد مع الدول الافريقية لم أجادل فيما مضي وذكرت صراحة أن هذا قرار مصري قرار بدوافع شعبية ونحن في بداية خارطة طريق لمرحلة إنتقالية للعودة مرة أخري لمسار يرضي عنه الشعب المصري واستقرار مؤسسات الدولة المصرية بالكامل .
وكان رد الفعل الافريقي في جميع زياراتي ” أنتم تعلمون مبررات القرار الصادر عن الإتحاد الافريقي بتطبيق هذا المبدأ وله خلفياته , وهي غير مرتبط بكم في مصر إنما له خلفيه لأحداث افريقية متكررة ونحن مقدرين ما حدث في مصر .. فلنتحدث عن أسلوب تخطي هذا الأمر بأقصي سرعة ممكنة ” .
وأتذكر جيدا أن هذا ما تم في السنغال ونيجيريا والجزائر , ودول متعدده في شرق إفريقيا إستمعوا مني لتفاصيل خارطة الطريق والفترة الانتقالية وعزمنا علي عقد إنتخابات في عام 2014 والعودة بالكامل الي مؤسسات منتخبة وقيادات منتخبة .
وقد كان هناك موقف جزائري ونيجيري وسنغالي وتنزاني تم إبلاغي به نصه ” نحن معكم .. أسرعوا في تلك الخطوات ولن نتأخر في رفع قرار تجميد عضوية مصر في الاتحاد الافريقي ” , وبالفعل عندما أنتخب الرئيس عبد الفتاح السيسي وبعد انتخابه مباشرة تمت دعوته لحضور قمة الاتحاد الافريقي التي عقد في غينيا الاستوائية وتم رفع قرار تجميد عضوية مصر وإستأنفت أنشطتها في الاتحاد الافريقي , وقد كان هناك شغف إفريقي لعودة مصر للإتحاد الافريقي , لذلك لم تتأخر الدول الافريقية يوما في رفع تجميد عضوية مصر في الاتحاد الافريقي بعد أن أنهينا إجراءاتنا الداخلية وإكتمال خارطة الطريق.
>> قبل هذا الموقف من جانب الاتحاد الافريقي , كانت هناك بعض المآخذ علي مصر بأنها إبتعدت في عهود سابقة عن دائرتها الافريقية .. هل تؤيد هذا الطرح ؟
لم نبتعد انما شعروا بذلك لاننا ركزنا علي الماضي واغفلنا المستقبل ، النظر لإفريقيا علي أساس أنها ساحة نجحنا فيها أو استثمرنا فيها سياسيا في مرحلة حركات التحرر والكفاح من أجل الاستقلال من الاحتلال الأوربي التقليدي , إنما الذي لم نستخلصة من كل ذلك نجاحنا كان باشتراكنا معهم في الاهداف وعندما انتهت هذه المرحلة لم تكن لرسالتنا نفس الصدي , فأصبح محصورا في بعض التعاون الفني المفيد وانما الذي لا يرتقي الي طموحات وتطلعات الشعوب الافريقية النامية والمتحررة مؤخرا وترغب في أن تنموا بمعدلات سريعة .
وعندما أيقنا مرة أخري ان تحديات التنمية هي تحديات القرن الحادي والعشرين وان وأقرب شريك لنا بطبيعة الأمور هي دول الجوار عدنا الي افريقيا وأفريقيا عادت الينا بالرغم علما ان والتمثيل المصري في افريقيا منتشر علي الدوام , إنما صدي الرسالة كان أنجح عندما كان هناك توافق بين الرسالة المصرية والاحتياج الافريقي .
>> كان من اللافت أن أول جولة خارجية قمتم بها عقب توليكم لحقيبة الخارجية المصرية عقب ثورة 30 يونيو , كانت زيارة السودان وذلك بالرغم من اتفاق النظام السوداني السابق أيدلوجيا مع نظام الرئيس المعزول محمد مرسي في مصر الذي قامت ضدة الثورة في مصر .. فلماذا اخترت السودان تحديدا ؟
لأن السودان جارة مباشرة لمصر ولنا علاقات تاريخية مع السودان فضلا عن ان اولويات الامن القومي المصري مع دول الجوار, ولذلك صممت علي البدء بزيارة الخرطوم بالرغم من تقديري لإختلاف الرؤي السياسية للحكومة السودانية حينذاك مع الرؤي المصرية .
وأستقبلت لدي وصولي السودان بشكل جيد للغاية في الزيارة , لأنهم قدروا أن مصر تعطي الأولوية للسودان , وتحدثت بكل صراحة مع السلطات السودانية حينذاك وذكرت أن ” دول الجوار أولوية مصرية .. نختلف معكم ايديولوجيا ، إنما طالما خلافنا معكم سياسيا ظل داخل حدودكم وحدودنا فهذا لا يقلل إطلاقا من أهمية التعاون بين الدولتين كدول وطنية جارة لها مصلحة مشتركة ” , فضلا عن القضية الكبري المرتبطة بحوض نهر النيل ” .
إذن الزيارة كانت موقف سياسي تجاه الجيران ومن أولوياتها كانت قضية المياة , ولولا الاضطرابات في ليبيا وعدم إمكانية تأمين الرحلة كنت زرت ليبيا , وبعد السودان زرت رام الله حيث زرتها عقب عودتي من الخرطوم بأيام قليلة تأكيدا علي أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر .
>> كيف استقبل المسؤولين السودانيين الزيارة .. وهل طرحوا خلالها قضايا شائكة في ملف العلاقات في ذلك الوقت ؟
الزيارة كانت مهمة جدا حيث وجدت إستقبال سوداني حار , وعندما دخلنا إلي القاعات المغلقة , صارحني بعض المسؤولين السودانيين علي رأسهم وزير الخارجية الأسبق علي كرتي , وذكروا لي ” نحن نستقبلك بإهتمام وترحيب كبير جدا لأن حضور وزير الخارجية المصري الي الخرطوم كأول زيارة له معني ومغزي لن ننساه , إنما أنت خلقت لنا مشكلة أيضا ، لأنه بالرغم من إيجابية هذه الخطوة لاشك أن التوجه السياسي لدي السلطة المصرية الحالية يختلف عن التوجه السياسي للسلطة السودانية التي لها توجهات إسلامية ” , فذكرت لهم ” نعم وأنا أعلم ذلك ومع هذا حضرت الي الخرطوم , لا أتدخل في توجهك السياسي ولن اقبل ان تسعي لفرضه علي , طالما التزمتم بذلك فأنا أتعامل مع السودان كدولة وطنية , فشكرني وزير الخارجية السوداني علي ذلك ” ، هذا مثال جيد للعلاقات مع دول الجوار , نتعامل معهم كدول مع وضع حدود لما لا يجب تجاوزه , طالما لم يحدث تجاوز بما يعني تدخل طرف في مصالح الطرف الآخر خاصة الداخلية , أنا لا أتدخل في أسلوب الحكم أو التوجهات السياسية لأي دولة .
>> علي ذكر السودان كيف تري تطورات الاوضاع التي يشهدها حاليا .. وهل تري أفق لحل الأزمة السياسية التي يشهدها حاليا ؟
الوضع في السودان يمثل أهمية بالغة لمصر واستقراره مصلحة استراتيجية مصرية , ووجود اضطرابات وعدم استقرار غربا وجنوبا يقلق المؤسسات المصرية , وأنا لا أستطيع الجزم بأن الأطراف السودانية قد اقتربت من حل للأزمة السياسية لكن سمعت تصريحات من المبعوث الأممي فولكر بيرتيس بأن هناك بوادر إنفراجة , وفي تقديري عنصري الحل في المسألة السودانية هما الإستجابة لتطلعات الشعب السوداني في المشاركة و احترام مؤسسات الدولة .
الشعب السوداني يريد المشاركة في بناء سودان له شكل آخر ، قد يختلفوا فيما بينهم الآن ولم يصلوا بعد الي توافق عملي حول شكل السودان , وفي تقديري أنه حتي وإن اجتمعوا علي طرح تقدموا به الي المجلس السيادي ، من المتوقع أن نشهد حالة من الشد والجذب , حتي يستقر الاتفاق علي شكل وطبيعة نظام الحكم في السودان سواء يمينيا أو يساريا أو وسطيا .
في المقابل حق المشاركة لا يعني المساس بمؤسسات الدولة , فالدولة الوطنية يجب ان يكون لها منظومة رئاسية أو منظومة برلمانية , و شكل العلاقة بينهما تحدده منظومة الحكم هل رئاسية أو برلمانية , ويجب ان يكون لها أجهزة أمنية وقوات مسلحة , ومن يحكم فيما بينهم هو الدستور , إنما تغليب طرف علي الاخر ليس في مصلحة أحد , المطلوب أن يمارس كل طرف ” المؤسسات منهم ” مسؤوليته في إطار الدستور .
وإذا نظرنا الي الحالة البرازيلية القديمة , تحديدا البرازيل كان الجانب العسكري بها له دور قوي ومستمر وممتد وبالتدريج حدث توافق بين الجهات المدنية والعسكرية , بمعني نخلق إطار للمشاركة الشعبية والمدنية ونحافظ علي إحترام ومسؤوليات ومكانة القوات المسلحة, والدستور البرازيلي من الدساتير الطويلة غير المعتادة وفر كل هذا , ومع الممارسة تم تحديد البوصلة السليمة. و في النهاية مطلوب أمرين , الإستجابة للرغبةفي المشاركة و الحفاظ وإحترام مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسات العسكرية والامنية .
الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية السابق ل ” Afronews24″ : لا مفر من علاقات نشطة بين مصر وجيرانها
ينشر غدا .. « أفرو نيوز 24 » تنفرد بحوار مع الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية السابق