رامي زهدي يكتب .. «الخرطوم والقاهرة: رؤى مشتركة وركائز لدعم السودان »
«السودان بعد 20 شهر من دوران آلة الحرب دون توقف... أما آن الآوان لإلتئام الجُرح ووقف نزيف دماء الشعب السوداني»
السودان بعد 20 شهر من دوران آلة الحرب دون توقف … أما آن الآوان لإلتئام الجُرح ووقف نزيف دماء الشعب السوداني، كل هذه المدة يعاني السودان، الدولة والشعب ودول الجوار والمنطقة كلها من تبعات حرب بدا لنا أنها ذات جدوي وليس ليها من منطقية الأسباب المُعلنة أي قبول، ربما لأن المؤمرات لاتعلن ولا تعلل ولا تبرر في عالم لم يعد يمتلك من الإنسانية والشرف إلا أقل القليل، لخدمة خطط ومصالح قوي خارجية دولية واقليمية تُقام حرب بهذه الوحشية في دولة لم يكن ينقصها من الأزمات أكثر من هذه الحرب، التي مع طول مداها الزمني واتساع نطاقها الجغرافي أصبح الجميع علي يقين أنها حرب الدولة السودانية والشعب ضد ميليشيا متمردة أقرب لشكل العصابات شديدة التنظيم، تستهدف الحرث والنسل وتعلي من هدف إهلاك الدولة السودانية فوق أي هدف آخر.
القاهرة في قلب الأحداث في السودان، ليس الأمر اختياراََ أو مجرد واجب وضمير ودور إيجابي لمصر اعتادت عليه لمساعدة الأشقاء خاصة في السودان في وقت الأزمات، لكن القاهرة طرف متضرر، وإنهاك مصر بالحروب والمشكلات الأمنية في كل دول جوارها هو هدف شرير بالتأكيد، وتعي مصر والسودان كلاهما أن أمنهما وإستقرارهما جزء متكامل لايتجزأ ولايسمح لأحد بإنتقاصه او إستهدافه، وأن صالح أي من الشعبين هو في الأساس صالح للآخر وهكذا في المقابل أي ضرر لأحدهما، يصيب الآخر مهما بدا عكس ذلك.
رؤى مشتركة مصرية سودانية وركائز لدعم السودان والإنتصار لإرادة الشعب السوداني مستمرة عابرة فوق جسور الأمل بحثاََ عن الحلول الحاسمة للأزمة السودانية مع استمرار الدعم التاريخي والحلول المصرية المصيرية الجادة والمخلصة لحل أزمة السودان، وترسيخاََ لمبادئ المصير المشترك ومفاتيح الحلول الحاسمة من قلبي القاهرة والخرطوم وعلي ضفاف نيلهما وإلي جوار بحرهما الأحمر وهما رابطان وثيقان بين مصر والسودان اللذان يشتركان في “البحر والنهر” شراكة بنت بينهما دائما بناء قوي لا يهتز ولا يتصدع في مواجهة محاولات عديدة للهدم والتخريب.
في ظل الأزمات المعقدة التي يشهدها السودان حاليًا، وخاصة مع استمرار النزاع المسلح بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، لا يزال السعي المصري لحل الأزمة يلقي الضوء على متانة وثبات العلاقات بين مصر والسودان، والأبعاد الجيوسياسية لهذه العلاقة التي لطالما شهدت دعمًا متبادلًا عبر التاريخ بين كلا الدولتين، كلا منهما للأخر، خاصة وقت الأزمات.،
دور مصر المحوري والمستمر في دعم السودان خلال أزماته، وتجديد مصر التزامها بمساندة شقيقتها جنوبًا، والعمل على تحقيق استقرار مستدام في المنطقة، والتخلص من أزمات النزاعات والحروب والعدائيات، وإستعياب الآثار المدمرة لهذه الأزمات علي حياة الشعوب إنسانيا وإقتصاديا ومجتمعياَ هو أمر لم ولن يتغير عبر كل مراحل الأزمة السودانية.
“العلاقات المصرية السودانية والدعم المتبادل بين الدولتين عبر التاريخ والحاضر والمستقبل”
إن العلاقات المصرية السودانية تمثل واحدة من أبرز العلاقات الثنائية في القارة الإفريقية وفي المنطقة العربية، حيث تمتد جذورها عبر التاريخ، مبنية على شراكة جغرافية واجتماعية وثقافية عميقة، فقد كانت ضفاف النيل عبر القرون رمزًا للوحدة بين الشعبين، وتجسيدًا للتعاون في مختلف المجالات , وتعكس العلاقات بين البلدين، من دعم متبادل سياسي وتجاري وثقافي، صورة واضحة عن تضامن لم يتوقف ولن يتوقف، حيث وقفت مصر إلى جانب السودان في أوقات الأزمات، كما دعم السودان مصر في نضالها الوطني دائما.
في الوقت الحاضر، وفي ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، أصبحت هذه العلاقة تتجاوز الإطار التقليدي إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، إذ تلعب كل من مصر والسودان دورًا مهمًا في تحقيق التوازن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحر الأحمر، ومع استمرار الأزمات التي تهدد استقرار السودان، فإن مستقبل هذه العلاقات يعد واعدًا بمزيد من أطر التعاون الذي سيعزز الأمن الإقليمي ويسهم في التنمية الشاملة للبلدين وإحلال حالة الأمن والسلم المرجوة من الجميع والتي تمثل هدف عظيم يستحق ان يعمل ويسعي من أجله الجميع سواء دول المنطقة او القوي الدولية والإقليمية التي ترغب ان تدعم نفسها في المقام الأول عبر سياسات شريفة تحقق للجميع المنفعة والمصالح المشتركة دون إيذاء الآخر.
“استمرار الحرب مع ميليشيا الدعم السريع”
للشهر الـ 20، تستمر النزاعات المسلحة بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع وعصابتها المجرمة والمُجرم أفعالها في السودان بتصنيفها كجرائم حرب تستحق التصدي الدولي لها وكذلك العقوبة والجزاء، يستمر التزام مصر العميق بدعم السودان في محنته الراهنة، وتؤكد أن مصر تواصل مساندة الحكومة السودانية الشرعية والمؤسسات السودانية الوطنية، مما يمنح السودان دعمًا دبلوماسيًا دوليًا مهمًا من دولة كبيرة ذات تأثير قوي مثل مصر.
وكذلك التضامن الأخوي المستمر بين البلدين، وتأكيدا على أن مصر تقف على أهبة الاستعداد لدعم السودان في تجاوز هذه الأزمة، سواء من خلال الدعم اللوجستي أو السياسي أو من خلال الحراك الدولي.
وحرص مصر علي أهمية استغلال كل فرصة لبحث تطورات الأوضاع على الأرض وميدانياََ، والتنسيق بشأن الخطوات القادمة، بما يخدم مصلحة الشعب السوداني ويضع حدًا للصراع الدموي الذي يهدد أمن السودان وأمن المنطقة.
دلالات تكرار زيارات الفريق البرهان إلى القاهرة
إن تكرار زيارات الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي إلى القاهرة يحمل العديد من الرسائل الدبلوماسية والإستراتيجية , فقد سبق له زيارة مصر عدة مرات، لا سيما في محطات حرجة من تاريخ السودان الحديث , ففي أغسطس 2023 وفي فبراير 2024، زار البرهان مصر، حيث جرت مشاورات مكثفة حول الأزمة الداخلية في السودان، وتم التوصل إلى تفاهمات تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتهدئة.
كذلك، جاءت زيارة سابقة للبرهان إلى القاهرة عام 2022 في إطار التنسيق المصري السوداني لمواجهة التحديات المشتركة في المنطقة، وسبقتها زيارات رسمية أخرى متعددة منذ تولي البرهان قيادة مجلس السيادة السوداني، ووصلت عدد زيارات الفريق البرهان للقاهرة ثمانية زيارات رسمية منذ العام 2019 وحتي الزيارة الأخيرة منذ ايام للمشاركة في المنتدي الحضري العالمي في القاهرة.
تكرار هذه الزيارات يبرز مصر كداعم قوي للسودان، ويعكس مدى التزام البرهان بتعزيز العلاقات الثنائية والاستفادة من التجربة المصرية في مواجهة الأزمات , كما تُعَد هذه الزيارات وسيلة للتشاور المستمر حول قضايا الأمن الإقليمي، ومحاولة للوصول إلى حلول سياسية تلبي مصالح الشعب السوداني، وتحفظ سيادة الدولة، وتعيد الاستقرار.
“وضع ومستقبل الأزمة الحالية في السودان”
الأزمة السودانية الحالية تُعتبر من أعقد الأزمات في تاريخ السودان الحديث، إذ بدأت كصراع داخلي بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، ولكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح يهدد استقرار السودان ويترك أثرًا كبيرًا على الوضع الإنساني والأمني، وعلى الرغم من الجهود المحلية والدولية للتوصل إلى هدنة أو تسوية سياسية، إلا أن الصراع لا يزال مستمرًا، مما يزيد من معاناة الشعب السوداني ويفاقم من تحديات الدولة.
من المتوقع أن يستمر الوضع في السودان في حالة من عدم الاستقرار إذا لم تُبذل جهود دولية وإقليمية مكثفة للتوصل إلى حلول جذرية للصراع، وهنا تأتي أهمية الدور المصري، حيث تتمتع مصر بعلاقات قوية مع مختلف الأطراف السودانية، وتمتلك قدرة على الوساطة قد تسهم في حل الأزمة بطريقة تعيد للسودان استقراره وتحقق للشعب السوداني تطلعاته.
“الجهود المصرية لحل واستيعاب الأزمة السودانية منذ بدايتها وحتى الآن”
منذ بداية الأزمة السودانية، لعبت مصر دورًا نشطًا في محاولة استيعاب الأزمة والحد من تداعياتها السلبية ,في البداية، سعت مصر إلى دعم جهود الوساطة عبر التواصل مع كافة الأطراف السودانية، كما شاركت في اجتماعات إقليمية ودولية لدفع الأطراف نحو الحوار , وقدمت مصر مساعدات إنسانية طارئة للتخفيف من معاناة السودانيين المتأثرين بالنزاع، كما استقبلت على أراضيها آلاف اللاجئين السودانيين الذين لجأوا إليها بحثًا عن الأمن والاستقرار.
وعلى الصعيد السياسي، بادرت مصر بالدعوة إلى عقد اجتماعات وزارية دولية لبحث الأوضاع في السودان، وسعت إلى حشد الدعم الدولي والإقليمي لتقديم المساعدة. وقد أكدت مصر مرارًا على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسيادته، ورفض التدخلات الأجنبية التي قد تؤدي إلى تعقيد الأزمة.
وتستمر مصر في تقديم الدعم اللوجستي والإنساني، وتعمل على التواصل المستمر مع الأطراف السودانية سعياً لتحقيق استقرار شامل، آخذة بعين الاعتبار أهمية تحقيق التوافق الوطني في السودان ,كما تعتبر مصر أن حل الأزمة السودانية يُعد ضرورة استراتيجية، إذ تسعى للحفاظ على استقرار جارتها الجنوبية بما ينعكس إيجاباً على أمن واستقرار المنطقة ككل.
أخيرا، استمرار الجهود المصرية لإنهاء الأزمة السودانية عبر حلول حاسمة يحمل رسالة قوية تؤكد أهمية العلاقات المصرية السودانية، واستعداد مصر لدعم السودان في أصعب المراحل، و إدراك البلدان للتحديات المشتركة، وتأكيدًا على ضرورة التضامن في مواجهة الأزمات، وكذلك , ثقة السودان في دور مصر كحليف استراتيجي جاد محترم وموثوق فيه تمام الثقة، ويبرز التزام مصر بالعمل على استقرار السودان.
في ظل هذه العلاقات التاريخية العميقة، يبقى المستقبل مفتوحًا أمام آفاق أوسع من التعاون الذي يحقق للشعبين السوداني والمصري أهدافهما في الاستقرار والتنمية، ويؤسس لمستقبل مشرق يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي.
إقرأ المزيد :
الدكتور علي يوسف وزير خارجية السودان لـ ” أفرو نيوز 24 ” : لن يكون هناك ” جنيف 2 “