الدكتور محمد لعقاب عضو مجلس الأمة الجزائري عن الثلث الرئاسي يكتب .. بعد طلب الإنضمام إلى “البريكس”: الرئيس تبون يغيّر قواعد اللعبة
الجزائر الآن – ماذا تستفيد الجزائر من انضمامها للبريكس، وماذا تستفيد البريكس بانضمام الجزائر إليها، وما هي دلالات التوقيت الذي طالبت فيه الجزائر العضوية، وكيف ستكون علاقتها مع الغرب مستقبلا، وهل تمهد البريكس الطريق للعضوية في منظمة شانغهاي كـ “مراقب” أو كـ “شريك في الحوار”؟
مقدمة :
ينتهج الرئيس عبد المجيد تبون منذ وصوله إلى سدة الحكم شهر ديسمبر 2019 إلى انتهاج أسلوب جديد في الحكم، وقد اتخذ خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عدة قرارات تؤشر على “تغير قواعد اللعبة” في السياسة الجزائرية داخليا وخارجيا. وأريد في هذا المقال التركيز على قراره التاريخي بطلب العضوية في مجموعة البريكس التي تنم عن بعد نظر وحكمة دقيقة، لما لها من انعكاسات استراتيجية على بلادنا على المديين المتوسط والبعيد.
وبدون أي مفاجأة، تقدمت الجزائر رسميا بطلب الإنضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وأعلنت عن ذلك ليلى زروقي المبعوثة الخاصة المكلفة بالمشاريع الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية يوم 8 نوفمبر 2022. وأوضحت أيضا أن كل من روسيا والصين رحبتا بانضمام الجزائر إليها، وأن جنوب أفريقيا والبرازيل والهند تدرس حاليا ملف الانضمام قبل الفصل فيه.
في نهاية يوليو 2022، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استعداد الجزائر لتقديم ملف انضمامها لهذه المجموعة، في مقابلة له مع وسائل الإعلام الوطنية، وأوضح “أن الجزائر مهتمة بالانضمام لمجموعة دول بريكس التي تعد قوة سياسية واقتصادية..وأن الجزائر لديها معظم الشروط المطلوبة للانضمام إليها…”
وقبل ذلك، شارك الرئيس تبون في قمة مجموعة البريكس المنعقدة بالصين عن طريق التحاور الإلكتروني شهر يونيو 2022. وبتاريخ 9 أكتوبر 2022، صرّح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في مؤتمر صحفي بأن الجزائر لديها القدرة على تقديم قيمة مضافة إلى مجموعة بريكس.
فماذا تستفيد الجزائر من انضمامها للبريكس، وماذا تستفيد البريكس بانضمام الجزائر إليها، وما هي دلالات التوقيت الذي طالبت فيه الجزائر العضوية، وكيف ستكون علاقتها مع الغرب مستقبلا، وهل تمهد البريكس الطريق للعضوية في منظمة شانغهاي كـ “مراقب” أو كـ “شريك في الحوار”؟
أهمية البريكس في العالم
تعتبر مجموعة بريكس، منظمة دولية مستقلة، تضم حاليا خمس دول (حسب حروفها باللاتينية: البرازيل، روسيا، الصين، الهند وجنوب إفريقيا”، وتشجع المجموعة التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الأعضاء.
تشكلت هذه المجموعة عام 2001، من طرف البرازيل وروسيا والهند والصين، وكانت تسمى حينها دول “بريك”، ولما انضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2010 أصبحت تسمى مجموعة “بريكس”، وأطلق مستخدمو شبكات التواصل الإجتماعي على المجموعة تسمية “بريكسا” في إشارة إلى انضمام الجزائر، لكننا لا نعتقد أنها ستغير من تسميتها.
وترجع مبادرة تأسيسها إلى روسيا، وبتاريخ 20 سبتمبر 2006 تم عقد أول اجتماع وزاري للمجموعة بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتعقد الدول الأعضاء قمة سنوية بالتناوب، حيث احتضنت الصين الاجتماع الأخير للمنظمة في يونيو 2022، فيما تستضيف جنوب أفريقيا القمة خلال العام القادم 2023.
وعقدت مجموعة “بريكس” أول قمة لها عام 2009، اتفقوا خلالها على تشجيع التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي فيما بينهم. وفي قمة البرازيل شهر يوليو 2014، تقرر إنشاء بنك للتنمية الذي تبني معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، والذي يبلغ حاليا نحو 200 مليار دولار.
وتمثل دول بريكس الخمس نحو 40 بالمئة من مساحة العالم، ويمثل سكانها أيضا تقريبا 40 بالمئة من سكان المعمورة بأكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، وتسهم هذه الدول بنحو 25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و16 بالمئة من التجارة العالمية.
تعد اقتصاداتها من أكبر الاقتصادات النامية في العالم، ويعتبر اقتصادها الأسرع نموا، حيث احتلت الصين المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم سنة 2020، وحلت الهند خامساً، والبرازيل ثامناً وروسيا في المرتبة 11. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الصين والهند أكبر الدول المستهلك للطاقة، تعتبر روسيا أكبر مصدر للطاقة في العالم.
كما تملك ثلاث دول من المجموعة رؤوساً نووية، هي روسيا والصين والهند، في حين أن موسكو وبكين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
هذه المعطيات وغيرها مما لم يتم ذكره هنا، يعكس أهمية المجموعة بالنسبة للجزائر وبالنسبة لغيرها من الدول. وإذا كان الأمر كذلك، وأكثر من ذلك بما لا تتسع له الأسطر، فلماذا تكتلت هذه الدول في هذه المجموعة؟
أهداف البريكس: تكتل يوازي مجموعتي السبعة والعشرين
يكاد يجمع المحللون أن إنشاء هذا التكتل يهدف إلى خلق تجمع دولي مواز لمجموعة الـ 7 التي تضم كلا من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، وهي قلب “الغرب الواسع” إذا جاز لنا أن نستعير مصطلح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتمثل مجموعة الـ 7 نحو 60 بالمئة من الثروة العالمية من جهة، وتسيطر على العالم بمؤسساتها المختلفة على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومجلس الأمن، وغيرها من المؤسسات، لذلك تسعى مجموعة البريكس إلى بناء مؤسسات موازية لمؤسسات “الغرب الواسع” في المجال المالي والإقتصادي على وجه الخصوص.
وحسب الكثير من المحللين الإقتصاديين، فإن مجموعة البريكس تسعى أيضا لانشاء تكتل يوازي كذلك مجموعة الـ 20 ، لأن معظم دول “الغرب الواسع” هي عضو في المجموعة، وربما تسعى دول الغرب من خلال مجموعة الـ 20 إلى احتواء الدول ذات الإقتصاديات الناشئة.
وتبعا لمنظري العولمة والمنتقدين لها، فإن التكتلات الصغيرة الإقليمية هي تخدم العولمة أيضا لأنها تمكن “الغرب الواسع” من التفاوض مع كتلة واحدة بدلا من التفاوض مع عديد الدول. ومنه لا يمكننا أن نستبعد أن من بين أهداف البريكس مناظرة مجموعة الـ 20 (من النظير أي الند للند) أيضا.
وبالنظر إلى سياسات “الغرب الواسع” القائمة على استعمال العقوبات أو التهديد باستعمالها كسلاح ضد الدول التي تخالفه الرأي أو التي تأبى الإستجابة لمصالحه، وبالنظر لتأثير تلك العقوبات على اقتصاديات الدول واستقرارها السياسي والأمني، كان لابد من تكتل يعمل على كسر تلك العقوبات والتقليل من مفعولها. وقد بيّنت البريكس نجاعتها بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا بتاريخ 22 فبراير 2022، لأن البريكس لديبها مقومات مالية كبيرة، وتسيطر على نحو 1/3 من التجارة العالمية”.
ومن أجل تكسير العقوبات الغربية وهيمنة الدولار على المعاملات التجارية الدولية، راحت بريكس تركز على إنتاج نظام مالي يوازي “سويفت”، لأن هذا الأخير هو نظام مالي عالمي تأسس عام 1973 يرتكز على تحويل الأموال حول العالم ويعمل كنظام تراسل آمن يربط أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، قرر “الغرب الواسع” عزل المصارف الروسية عن نظام “سويفت العالمي” لخلق صعوبات مالية واقتصادية لموسكو ودفع اقتصادها نحو الإنهيار. لكن بفضل ما تتمتع به المجموعة من قدرات، لم يحقق العزل النتائج المرجوة.
ويضاف إلى ذلك، أن معظم الدول المؤسسة للمجموعة ترفض الهيمنة الغربية على العالم، وتسعى لبناء عالم متعدد الأقطاب بدلا من عالم أحادي القطبية تسيطر عليه أمريكا و”الغرب الواسع” وخلف نتائج خطيرة على العالم في مختلف المجالات لاسيما الأمنية منها.
قدمنا فيما سبق، معلومات مهمة عن مجموعة البريكس، وشرحنا أهدافها المعلنة والخفية، بقي أن نشير إلى الظروف المحيطة بطلب الجزائر الإنضمام إليها.
الظروف المحيطة بطلب الجزائر العضوية في البريكس
في الحقيقة، وقبل أي تحليل أو سرد للظروف المستجدة، يمكن التأكيد أن البريكس هي المكان الطبيعي للجزائر، بالنظر لعلاقاتها الممتازة مع دول المجموعة الممتدة لما قبل الإستقلال. ومع ذلك فإن السياق يلعب دورا بالغ الأهمية في فهم الموقف، لذلك يتعين علينا أن نشير إلى البيئة السياسية والإقتصادية والإجتماعية عشية تقدم الجزائر رسميا بطلب الإنضمام للمجموعة.
من الملاحظ أن الظروف الدولية التي طلبت فيها الجزائر الإنضمام لمجموعة البريكس تشكل مرحلة بالغة الحساسية، تتمثل فيما يلي:
1- الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد حدة الإستقطاب الدولي بين روسيا والصين وبين الغرب بصفة عامة، ويصاحب هذا الإستقطاب التهديد بالحرب النووية من جهة والحرب العالمية الثالثة من جهة أخرى.
2 – رفع الرئيس الروس فلاديمير بوتين شعارا كبيرا يتمثل في السعي لخلق عالم متعدد الأقطاب وكسر الهيمنة الغربية على النظام العالمي الذي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفييتي عام 1989.
وكان الرئيس الروسي في رسالته للقمة العربية المنعقدة بالجزائر يومي 1و2 نوفمبر 2022 قد عبّر عن قدرة العرب على أن يكونوا قطبا من هذا العالم الذي يجري العمل على تشكيله.
3 – بروز الإهتمام العربي بمجموعة البريكس بعد بداية الحرب الأوكرانية، وتجسد خلال الاجتماع الأخير للمجموعة شهر يونيو 2022 بالصين والذي جمع تقريبا 20 دولة عن طريق الفيديو كونفرنس بينهم السعودية، الجزائر، مصر، اندونيسيا، وماليزيا.
4 – تراجع ظاهرة العولمة والتوجه نحو نهاية سيطرتها على العالم ببروز تكتلات قوية مثل “شنغهاي” و”البريكس “.
5 – تقلب العلاقات مع أوروبا، حيث تتسم علاقات الجزائر مع بعض الدول الأوروبية بعدم “الإرتياحية” على غرار علاقتها مع إسبانيا، وبعدم “الثقة والأطمئنان” كعلاقتها مع فرنسا.
6 – دروس كورونا، حيث يأتي سعي الجزائر للإنضمام لمجموعة البريكس بعد انحسار جائحة كورونا، وهي أزمة وباء عالمي هددت كل الدول، وفي الوقت الذي انطوى فيه الغرب على نفسه، ومنع حتى تصدير الأدوية والغذاء، وجدت الجزائر في أهم دولتين في مجموعة البريكس كل الدعم والسند وهما الصين وروسيا، من خلال لقاح سينوفاك الصيني واللقاح الروسي سبوتنيك.
7- تهديدات من الولايات المتحدة، إذ لابد من الإشارة، إلى الدعوة التي أطلقها 26 سيناتور أمريكي شهر أكتوبر 2022 لفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها العسكرية مع روسيا، وهو مؤشر لابد من أخذه بعين الإعتبار.
8ـ توقيع اتفاق استراتيجي خماسي مع الصين ، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تحضر ملف الإنضمام لمجموعة البريكس، كانت أيضا تعد اللمسات الأخيرة لخطة تعاون استراتيجي مع الصين تمتد إلى عام 2026 تشمل الاقتصاد والطاقة والفضاء والمجالات الثقافية، وتم التوقيع عن ذلك يوم 8 نوفمبر 2022. وبدون شك فإن هذه الخطة تدعم اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” الموقعة عام .2014.
9 – تعزيز العلاقات مع روسيا، حيث يرتقب أن تقوم الجزائر بتوقيع اتفاق جديد مع روسيا للإرتقاء باتفاق الشراكة الإستراتيجية بينهما، خلال الزيارة المرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى موسكو.
• نقلا عن جريدة وموقع الجزائر الآن
إقرأ أيضا :
آسيا العتروس تكتب .. المكالمة التي لن تنهي الحرب في أوكرانيا