البروفيسور العيد زغلامي يكتب .. الأبعاد الإستراتيجية الجيو سياسية و الإقتصادية لزيارة الرئيس تبون الى روسيا
الجزائر الآن _ تعتبر زيارة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون إلى روسيا المرتقبة قبل نهاية السنة هي الأولى من نوعها يقوم بها منذ انتخابه في ديسمبر 2019، فهي تترجم المقاربة الجديدة التي تنتهجها الجزائر في علاقتها مع دول العالم منها الصديقة و الشقيقة و التي ترتكز أساسا على قواعد التعددية، التعاون المشترك على أسس منطق رابح رابح، الندية في التعامل مع الدول، و عدم التدخل في شؤون الغير إضافة إلى دعمها لقيم العدالة و السلم و التحرر في العالم.
العلاقات الترابطية بين السيكولوجية و السياسية
تمثل زيارة الرئيس تبون على الصعيد الشخصي، قيمة إضافية في رصيده كرئيس للجمهورية وذلك لتنويع، تكثيف و تعميق تجربته في الحقل الدبلوماسي و العلاقات الدولية. كما تفتح له آفاقا واسعا لاطلاع على خبايا و أسرار القضايا الدولية الراهنة من خلال الاتصال، التواصل و التشاور مع نظرائه من الدول العظمى و المؤثرة في موازن القوى في العالم.
أما على الصعيد السيكولوجي، وكما يتفق علماء النفس و السيكولوجية السياسية على أهمية العلاقات الشخصية و تأثيرها على العلاقات السياسية بين الدول، فالزيارات المتعددة التي قام بها إلى عدد من الدول و النشاطات المكثفة التي تابعتها منذ تعافيه من جائحة كورونا، سمحت له بتجاوز العقبات النفسية و السيكولوجية و ربطه علاقات وطيدة وودية مع شخصيات سياسية عالمية، بالإضافة إلى التحكم بكل رزانة وثقة في الملفات بعد تخطيه العوائق و العقبات بحكم حداثة تجربته في المحافل الدولية. ولهذا زيارته إلى روسيا و مقابلته مع الرئيس بوتين سيكون لها دفعا سيكولوجيا و سياسيا سيسمح له بتوطيد علاقته الشخصية مع الرئيس الروسي و كذلك تنويع العلاقات بين البلدين و أخراجها من عنق زجاجة المجالين العسكري والغازي إلى قطاعات حيوية منها الفلاحة، السياحة و العلوم و التكنولوجية حيث تنفرد روسيا بناجحات و تجارب رائدة فيي تلك الميادين.
أسباب تعطيل الاتفاق الاستراتيجي
يعرف العام و الخاص، بأن الجزائر تربطها بروسيا علاقات قديمة منذ الثورة التحريرية و أثناء فترة الحرب الباردة. و تميزت العلاقات بين البلدين بالتعاون والشراكة في الميدان العسكري. و قد تجسدت تلك العلاقات بالتوقيع على الاتفاق الاستراتيجي في بداية الألفية الحالية، لكن الملاحظ أن نتائج و مخرجات ذلك الاتفاق اقتصر فقط على الجانب التقني و العسكري وهذا ما يمكن معاينته، رغم أنه بإمكاننا أن نستفيد من التجربة الروسية الاقتصادية والنفطية وغيرها من المجالات في التقنيات الفضائية. لكن يتضح جليا أن جهات و لوبيات داخل البلد وخارجه أثرت و تحاول التأثير في القرار السياسي الجزائري من الملف مع روسيا، حيث عطلت تفعيل و تطبيق الاتفاق الجزائري الروسي لأسباب سياسية و نفعية بحتة. بالمقابل ظلت تلك الدوائر تدافع بكل تعنت على أتفاق الشراكة بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي رغم النتائج الهزيلة للاقتصاد الجزائري. وهنا يلاحظ علماء الاقتصاد بأن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كان في اتجاه واحد، حيث تمثل في تدفق السلع الأوروبية في الأسواق الجزائرية دون مقابل لتحويل للتكنولوجيا أو تشجيع الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الوطني.
أعضاء من البرلمان الأوروبي ظلوا يشتمون و يسيئون للجزائر
أكثر من هذا، أعضاء من البرلمان الأوروبي ظلوا يشتمون و يسيئون للجزائر دون عقاب و لا حساب. غير أن الرئيس تبون عبر عن امتعاضه و رفضه للأمر الواقع و ألح على الطرف الجزائري بإعادة النظر بند ببند في محتوى ألاتفاق و تحيينه خدمة للمصلحة المشتركة بين الطرفين. في انتظار تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي،مازلت أطراف تتواصل وتتعامل مع الأوروبيين. فالإنزال الدبلوماسي الأخير لمسؤولين من الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر يمثل دليلا على اهتمامهم فقط بالموارد النفطية والغازية لتفادي قساوة البرد في الشتاء،ولا يهمهم إطلاقا التعاون أو الشراكة على قاعدة المصلحة المتبادلة.
إتفاق استراتيجي في عهدة الرئيس تبون
يرتقب الملاحظون أن الرئيس عبد المجيد تبون سيوقع مع نظيره الروسي فلادمير بوتين على تحيين الاتفاق السابق استجابة لطموحات و تطلعات البلدين و ملائمة مع المعطيات الإستراتجية و السياسية الحالية في العالم. على كل، الاتفاق المرتقب سيشكل دفعا جديدا للعلاقات بين البلدين خاصة برعاية رئيس جزائري حاضرا بكل قواه،متابعا و معاينا لكل الجزئيات وذلك لتفادي التلاعب، التسيب و التهاون و هو الأمر الذي كان غائبا في السابق. وقد أدى إلى سوء تفاهم و تقلص الثقة بين الطرفين. لهذا الاتفاق المرتقب سيؤسس إلى مرحلة جديدة بين الدولتين رافضتا إلى الإملاءات و سياسية الأمر الواقع، و يتطلعان إلى نظام دولي متعدد الأقطاب.
دبلوماسية الواقعية السرية و الندية
لكن أكثر من هذا، فاعتماد الرئيس تبون لمقاربة واقعية ومبدئية تشكل تطورات و تحولات في عمق توجهات السياسة الخارجية للجزائر نتيجة وتماشيا مع التغييرات المرتقبة و الارتدادات التي تعرفها كثير من المناطق في العالم على جميع الأصعدة عقب النزاع بين روسيا و أوكرانيا، حيث تلعب فيه الدول الغربية و خاصة الولايات المتحدة طرفا منحازا بحكم دعمها المتعدد الإشكال لكييف. بالمقابل، فإن انشغالات و طموحات بلدنا تتمثل في إرساء نظام دولي متعدد الأقطاب تتحكم فيه قيم التعاون المتبادل و المصلحة المشتركة مع الكف عن الهيمنة و التدخل في شؤون الدول.
الحياد الايجابي و الوقوف على نفس المسافة بين الأطراف
توصف زيارة الرئيس عبد المجيد تبون من الجانب الروسي والجزائري، بأنها بزيارة دولة ورسمية، لكن بالنسبة لكثير من الملاحظين الدوليين، فيعترونها بعيدة من أن تكون ودية و مجاملة، بل تمثل دعما صريحا و علنيا للرئيس بوتين في نزاعه مع الغرب من خلال الحرب في أوكرانيا. غير أن حقيقة الأمر هو أن موقف الجزائر قائم على أساس الحياد الايجابي، و منها الوقوف على نفس المسافة بين الأطراف المتنازعة ولماذا لا مساهمتها في تقديمها المساعي الحميدة لإيجاد حلول سلمية للنزاع القائم. فزيارة وفد من الجامعة العربية مؤخرا إلى روسيا و أوكرانيا بتوصية صريحة من الجزائر تدخل في منطق لعب أدوار الوساطة و التفاوض من أجل الحل السلمي.
استقلالية اتخاذ القرار و سيادة المواقف
لكن بعيدا عن التشنجات،الأقاويل، التأويلات و التحاليل الفاقدة للنظرة الايجابية، الصائبة و الدقيقة، فزيارة الرئيس تبون الى روسيا تعبر بكل وضوح عن استقلالية الجزائر في اتخاذ قراراتها، و سيادة مواقفها إزاء النزاع في أوكرانيا وأحقيتها في البحث عن تكتلات، أقطاب جديدة ومنافذ للحفاظ و ضمان مصالحها الجيو سياسية، الإستراتجية و الاقتصادية. حيث يعتمد التوجه في السياسية الخارجية على تعدد التكتلات الإستراتجية و الانتماءات الطبيعية و الجغرافية منها جهوية، إقليمية، قارية و دولية.
الجزائر و مجموعة البريكس
بالرغم من أن الجزائر عضوا في عدد كبير من الهيئات والمنظمات الدولية انطلاقا من المبدأ و البعد الاستراتجيان، فإنها تبحث على منافذ جديدة من أجل تقاسم المصالح و الانشغالات. قد يتساءل الكثير من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن مغزى طلب الجزائر انضمامها إلى مجموعة البريكس لكن أعتقد أنهم يعرفون جيدا الإجابة و على دراية بالقرار. قبول انضمام الجزائر هو قبل كل شيء له دوافع سياسية و إستراتجية بامتياز لأن بلدنا تربطه علاقات صداقة متينة وتاريخية مع كل من الصين التي تربطنها بها علاقات إستراتجية، جنوب إفريقيا و روسيا و بدرجة أقل مع الهند أما مع البرازيل ففوز الرئيس لولا في الانتخابات الأخيرة سيعيد للبلد مجده في التصدي للقوى المعادة للعدالة الاجتماعية و دولة القانون. انطلاقا من الأرقام فإن مجموعة بريكس تمثل قوة اقتصادية، مالية و قوة بشرية معتبرة لكن مازالت لم تتحول إلى كتلة موحدة تؤثر في مجرى الإحداث الدولية منها على سبيل المثال تحديات هيمنة الدولار الأمريكي و السيطرة العسكرية للعم صام.
دعم سياسي استراتيجي و دبلوماسي… لكن تحصين الجبهة الداخلية
لكن هناك حقيقة لابد أن تقال، فانضمام الجزائر إلى بريكس سيدعمها سياسيا، دبلوماسيا و استراتجيا لكن معضلتنا تتمثل في ضعف اقتصادنا وغياب عناصر التنافسية و الإنتاجية. لذا يتوجب على مسئولي القطاع الاقتصادي، المالي، الصناعي و التجاري بذل كل المجهودات لإقلاع حقيقي، متين و مستدام لاقتصاد الجزائر و التخلي عن ثقافة الريع و الاستعانة، و كل هذا من أجل مواكبة تطور الاقتصادي للدول البريكس وإلا أخشى من خيبة آمال و طموحات انضمامنا لبريكس. حقا البلد يفخر بثرواته الطبيعية، موارده وكفاءته البشرية و مؤهلات القوى الناعمة التي تتمثل في الموقع الجيو سياسي،المساحة الجغرافية، التاريخ، الثقافة، الرياضة، السياحة، الدبلوماسية. كل هذا القدرات يِؤهلها إلى لعب أدوار إقليمية و دولية فاعلة. إضافة إلى تلك المؤهلات، فمنذ إنتخاب الرئيس تبون، تمكنت الجزائر من استعادة عافية، أمنها و استقرارها السياسي و المؤسساتي ، فهو يعمل الآن على مسار متوسط و بعيد المدى يتمثل في تكريس دولة القانون، العدالة الاجتماعية و حرية التعبير. فسياسته الاجتماعية و دعمه للشرائح عريضة من المجتمع، تمخضت عنهما تحسن معتبر في القدرة الشرائية. إضافة إلى سياسيته في التصدي للبيروقراطية و الرشوة و المحسوبية، والتي أعادت ولو بنسبة متواضعة ثقة المواطن في بلده و في مؤسسات دولته.
في الأخير قوة الجزائر سياسيا، اقتصاديا،اجتماعيا و ثقافيا تكمن في تحصين جبهتها الداخلية و التي تمثل عامل أساسي و قيمة إضافية في التعامل بكل ثقة و مسؤولية مع مجموعة البريكس.
• البروفيسور العيد زغلامي الأستاذ بكلية الإعلام و الإتصال جامعة الجزائر
• نقلا عن موقع وصحيفة الجزائر الآن
إقرأ أيضا :