إعادة تشكيل الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا .. إعادة تموضع أم مناورة لحصار النفوذ الروسي في القارة
سلطت تقارير إعلامية فرنسية عن خطط من جانب فرنسا لإعادة تشكيل وجودها العسكري و انتشار قواتها في قواعدها المتبقية في القارة الإفريقية , في خطوة تقدم عليها باريس لإعادة جسور الثقة من جديد مع مناطق نفوذها السابقه التي خسرتها علي مدي الأعوام الثلاث الماضية خاصة بعد طرد القوات الفرنسية من النيجر ومن قبلها بوركينا فاسو ومالي , الخطة الفرنسية الجديدة كشفت عنها صحيفة لوموند الفرنسية حيث ذكرت “لوموند” أن جان ماري بوكل، المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إفريقيا،سلم إلى الرئيس ماكرون تقريره حول “إعادة تشكيل” الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا والذي يدعو إلى شراكة “متجددة” و”مشاركة في البناء” مع الدول الأفريقية.
ونقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن بيان للرئاسة الفرنسية – أن التوصيات تمثل جزءا من الرغبة في تنفيذ شراكة دفاعية متجددة والاستجابة للاحتياجات التي عبر عنها شركاؤنا والمشاركة في بنائها معهم مع الاحترام الكامل لسيادتهم”.
وذكرت الصحيفة أن تقرير بوكل،الذي كان يشغل منصب وزير الدولة لشئون التعاون الدولي إبان رئاسة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي،تعلق بأربع دول أفريقية تضم قواعد عسكرية فرنسية باستثناء جيبوتي هي: السنغال وكوت ديفوار وتشاد والجابون.
وأضافت أنه خلافا للدول الأخرى التي التقى فيها مع السلطات وممثلي المجتمع المدني،لم يتمكن جان ماري بوكل من السفر إلى داكار وتقديم توصيات بشأن السنغال؛ بسبب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في الأشهر الأخيرة , مشيره إلي أنه وفقا للخطة المتصورة من السلطة التنفيذية تخطط فرنسا لخفض قواتها المتمركزة في قواعدها العسكرية.
وأوضحت أن بوكل كان قد أكد في السادس من الشهر الجاري، خلال جلسة استماع أمام لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي، تخفيض عدد القوات الفرنسية دون الكشف عن أرقام نظرا لسرية البيانات.
وكان مصدران مقربان من السلطة التنفيذية ومصدر عسكري قد صرحوا لوكالة أنباء “فرانس برس” في مطلع فصل الصيف الماضي بأن مشروع الخطة يهدف إلى الاحتفاظ بـ 100 جندي في الجابون (مقابل 350 حاليا)،وكذلك الأمر في السنغال (مقابل 350) وكوت ديفوار ( مقابل 600 سابقا) بالإضافة إلى حوالي 300 جندي في تشاد (مقابل 1000).
إعادة تموضع أم مناورة
” أفرو نيوز 24 ” طرح التساؤل علي الدكتور محمد تورشين الصحفي المتخصص في الشؤون الأفريقية حول مدي القبول الإفريقي للإستراتيجية الفرنسية العسكرية الجديدة, يقول تورشين ” أنا أعتقد أن الجانب الفرنسي من خلال هذا التقرير الذي نشرته صحيفة لوموند وغيرها من التقارير السابقة تأتي في إطار رغبة فرنسا الجادة لإنشاء مقاربة من شأنها تعزيز الشراكات الدفاعية والأمنية مع الدول الإفريقية , لا سيما أن فرنسا مؤخرا بدأ نفوذها يتراجع ويتآكل إبان انسحابها أو فسخ الشراكات التي كانت تجمعها كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وأضاف ” أن تراجع نفوذ فرنسا في دول الساحل الإفريقي ازعج الجانب الفرنسي بشكل مخيف لا سيما ان هذه الدول تعتبر من اهم الدول التي اعتمدت عليها فرنسا مؤخرا في تعزيز نفوذها في افريقيا واعادة الانتشار مجددا ,باعتبار أن تلك الدول وعلي رأسها مالي كانت تعاني من اشكاليات أمنية كبيرة اسفرت عن اسدعاء التدخل الفرنسي في العام 2012 , باعتبار ان كانت التهديدات الأمنية كبيرة على الدولة المالية.
وأعرب الدكتور محمد تورشين عن اعتقادة أن فرنسا بشكل أو بآخر تسعى لتعزيز النفوذ في في دول إفريقية أخرى من خلال اعادة النظر في الوجود العسكري , وقال ” وانا أعتقد أن تحميل فرنسا ما لا تحتمل يأتي من خلال الجوانب الاقتصادية والثقافية ..عسكريا ربما نقول أن التدخل في الساحل حقق بعض النجاحات ربما الآن فشلت روسيا في تحقيقها باعتبارها على الأقل عندما كانت فرنسا حاضرة كان الأمن والاستقرار يسود العديد من المناطق في الساحل لكن الآن نلاحظ أن هنالك ارتفاع لوتيرة الجماعات الجهادية فضلا عن مجموعة الأزواد بعد الغاء الاتفاق الذي وقع في الماضي في العام 2015 في الجزائر.
وأكد الخبير المتخصص في الشؤون الإفريقية أن فرنسا تسعي بشكل أو بآخر تسعى إلى تعزيز نفوذها فيما تبقى من دول الساحل , مثل تعزيز نفوذها في تشاد وكذلك موريتانيا فضلا عن ذلك تعزيز نفوذها في دول خليج غينيا لا سيما انها تمتلك علاقات جيدة مع العديد من الدول وعلى رأسهم السنغال كذلك ساحل العاج وغينيا بيساو فضلا عن ذلك الجابون وكذلك لديها علاقات جيدة مع دول بحيرة حوض تشاد على رأسهم نيجيريا وكذلك الكاميرن.
وأشار تورشين إلي أن فرنسا في اطار ذلك تسعى ايضا للاستفادة من حضورها في المنطقة بعقد شراكات مع دول غير فرانكفونية دول انجلوفونية كنيجيريا وغانا , فضلا عن ذلك تندرج علاقات جيدة مع دول كانجولا وكذلك غينيا بياو باعتبارها دولة ذات خلفية استعمارية برتغالية وحتى غينياالاستوائية , وقال ” لذا اعتقد أنه بالرغم ان فرنسا خسرت ثلاث دول مهمة في منطقة الساحل الافريقي , لكن تسعى بشكل أو بآخر لتجاوز الثغرات وكذلك الاشكاليات التي اسهمت واسفرت عن استبعاد فرنسا أو اعادة النظر في العقود التي جعلت فرنسا تكون حاضره في تلك الدول.
واعتبر الدكتور محمد تورشين أن فرنسا ستواجه صعوبات في استراتيجيتها الجديد وأن الامر لن يكون هينا ولن يكون سهلا امام باريس , باعتبار أن الوجود العسكري هو دائما مرتبط بالمقاربة الاقتصادية , و مرتبط بالدور الفرنسي في التنمية والتنمية المستدامة , وكذلك ترسيخ أواصر الحكم الرشيد في القارة الإفريقية , وقال ” لذا أعتقد أن فرنسا بحاجة لمراجعة شاملة لتواجدها العسكري وكذلك تواجدها الاقتصادي والاستثماري وبلا شك انها تستفيد من ذلك من خلال البعد الثقافي الذي متجذر وراسخ في كل البلدان الفرانكفونية, بل امتداداته تشمل الدول الأنجلوفونية في غرب ووسط إفريقيا .
وردا علي سؤال حول ما إذا كانت الخطوة الفرنسية يمكن أن نطلق عليها إعادة تموضع أم هي مناورة لحصار النفوذ الروسي , يؤكد الدكتور محمد تورشين الصحفي والخبير في الشؤون الإفريقية , ” إن تلك الخطوة الفرنسية يمكن قرأتها من جانبين و القراءة الأولي إنها إعادة تموضع وإعادة اه وتوزيع للنفوذ الفرنسي في المناطق الفرانكفونية بغرض المحافظة على النفوذ الفرنسي في دول خليج غينيا , مضيفا ” وفي الاتجاه الآخر أيضا يمكن قراءتها كمناورة الغرض منها حصار النفوذ الروسي في غرب إفريقيا بشكل عام باعتبار أنه الآن هنالك مؤشرات تؤكد بأن روسيا لديها تعاون مع الجانب التشادي التي معروفة عنها أنها مهمة جدا بالنسبة لفرنسا , وذلك من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلي موسكو والتقائه بالرئيس بوتين فضلا عن ذلك هنالك العديد من الدول الفرانكفونية في منطقة خليج غينيا لديها علاقات جيدة مع الروس خاصة غينيا و بنين.
وتابع ” فبالتالي كل هذه المخاوف تجعل من الفرنسيين يحاولون اعادة التموضع من أجل المحافظة على النفوذ ومحاولة اكتساب مساحات جديدة من الاراضي الأنجلوفونية والبرتوفونية وفي الاتجاه الآخر محاولة حصار النفوذ الروسي .
إقرأ المزيد :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.