” أفرونيوز 24 ” تقدم قراءة لبنود الإتفاق الإطاري الذي وقع بالخرطوم اليوم
مابين الشعور بالإنتصار والمبادئ العامة والفضفاضة لا يخلو الإتفاق من المناورة ويظل رهن تنفيذه باصلاح الأرض الوعرة في الواقع المعقد بالبلاد
القاهرة: صباح موسى
وقع المجلس العسكري السوداني اليوم (الإثنين) الإتفاق الإطاري مع قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ومجموعات متحالفة معها، وذلك لإنهاء الأزمة السياسية في السودان وإعادته إلى الحكم المدني، وسط حضور دولي وإقليمي كبير لأطراف أسهمت في التوصل إلى هذا الإتفاق على رأسها اللجنة الرباعية المكونة (الإمارات والسعودية وأمريكا وبريطانيا)، وأيضا الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة و الإتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيقاد)، بجانب دول الترويكا.
مبادئ الإتفاق
وشمل الإتفاق على عدد من مبادئ عامة أهمها ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة وآليات العدالة الإنتقالية ووضع حد للإفلات من العقاب، وأيضاً التأكيد على جيش مهنى واحد وملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وإقامة سلطة مدنية بالكامل دون مشاركة القوات النظامية، وتحدد الفترة الإنتقالية بعامين منذ لحظة تعيين رئيس وزراء، وإختيار رئيس وزراء إنتقالي من قبل قوى الثورة الموقعة على الإتفاق الإطاري، وبحسب الإتفاق سيكون رئيس الدولة القائد العام للجيش، كما أنه يوسع من صلاحيات رئيس الوزراء في الفترة الانتقالية، إضافة إلى إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، وتنظيم عملية إنتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهرا على أن يتم تحديد مطلوباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة، علاوة على قضية الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني وقومي واحد يحمي حدود البلاد والحكم المدني الديمقراطي وينأى بالجيش عن السياسة، وضرورة إصلاح جميع الأجهزة النظامية وتحديد مهامها، وإزالة تمكين النظام المعزول وتفكيكه في كافة مؤسسات الدولة، واسترداد الأموال والأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة، ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين، والإصلاح القانوني وإصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق استقلاليتها ومهنيتها، وإيقاف التدهور الاقتصادي ومعالجة الأزمة المعيشية، وإيقاف التدهور الاقتصادي ومعالجة الأزمة المعيشية، واستكمال السلام مع الحركات المسلحة غير الموقعة، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة، وتتكون هياكل السلطة الانتقالية بحسب ما نص عليه الإتفاق الإطاري من مستوى سيادي ومجلس وزراء ومجلس تشريعي وهي مؤسسات مدنية بالكامل، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة، تتكون هياكل السلطة الانتقالية بحسب ما نص عليه الاتفاق الإطاري من مستوى سيادي ومجلس وزراء ومجلس تشريعي وهي مؤسسات مدنية بالكامل، وتمثيل النساء في المجلس التشريعي بنسبة 40%، و المستوى السيادي سيكون مدنيا ومحدود العدد بمهام شرفية، ويتشكل مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية، ويتشكل مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية، وتشكل المفوضيات المستقلة والمتخصصة والمجالس العدلية والنيابية والأجهزة النظامية ومهامها.
ويأتي في مقدمة الأجهزة النظامية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة، والقوات المسلحة وفق ما نص عليه الاتفاق الإطاري فهي مؤسسة نظامية قومية غير حزبية وبعقيدة تلتزم بالنظام الدستوري والمدني.
وتضطلع القوات المسلحة بمهامها وفق ما نص عليه قانونه، عليها كذلك تنفيذ المهام الواردة بالاتفاق الإطاري مثل تنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة الحكومة الانتقالية، يتضمن الإصلاح أن تدمج في القوات المسلحة قوات الدعم السريع وفق الجداول الزمنية المتفق عليها.
كذلك دمج قوات الحركات المسلحة وفقاً لبند الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاقية جوبا، حظر تكوين ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، وحظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية.
والقضايا التي تحتاج لمزيد من المشاورات بغية الوصول لاتفاق نهائي، في مقدمة هذه القضايا قضية العدالة والعدالة الانتقالية، تليها قضية اتفاق جوبا لسلام السودان، إزالة تمكين نظام الرئيس المعزول، الإصلاح الأمني والعسكري، قضية الشرق بوضع الترتيبات المناسبة لاستقرار شرق السودان، وبما يحقق السلام العادل والمشاركة في السلطة.
تبدو مثالية
للوهلة الأولى ومن النظرة العامة لبنود الإتفاق تبدو (مثالية) في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به السودان، رغم تأكيد رئيس الآلية الثلاثية فولكر بيرتس بأن الإتفاق ليس كذلك، لتظل المشكلة الأبرز في شيطان التفاصيل، وتنزيل بنود هذا الإتفاق على أرض الواقع السوداني الوعرة جدا، والمليئة بمطبات قوى كبيرة حزبية ومدنية وعسكرية ودينية، علاوة على أنه مازال إتفاقا إطاريا أي يحتاج إلى تفصيل دقيق لكل بنوده قبل التوقيع النهائي عليه، فمازال بوضعه الحالي قيد النقاش، والتجارب السابقة في السودان خير دليل على أن إطار الصورة دائما يبدو جميلا يتم الإحتفاء والإحتفال به، لكن مع تنفيذ بنوده ينفض السامر.
ولدينا مثال في إتفاق الوثيقة الدستورية بين نفس المكونات مع عدد كبير من الأطراف المعارضة الآن، إضافة إلى أن الشارع كان موحدا وظهيرا قويا للقوى المدنية فيه، وكان شاهدا عليه أطراف إقليمية ودولية أكبر، ومع ذلك فشل فشلا ذريعا، وانتهى بصراع قوي.
قراءة دقيقة
بتقريب الصورة أكثر وقراءة البنود قراءة دقيقة، نجد أن بعضها فضفاضا وبعضها جاء متناقضا ، وأهم ما يلفت الإنتباه هو بند أن ” رئيس الدولة سيكون القائد العام للقوات المسلحة” , فأين تحقيق مدنية الدولة مع هذا البند .
مع العلم أنه في إتفاق الوثيقة الدستورية السابق كان وضع مجلس السيادة شرفيا، وكل الصلاحيات كانت لرئيس الوزراء ومجلسه، ومع ذلك حدث ما حدث.
أيضا بند الإصلاح الأمني والعسكري والذي جاء فضفاضا، فمن الذي سيقوم بهذا الإصلاح وكيف سيتم، مع تأكيد الفريق عبد الفتاح البرهان في كلمته بأنهم ” سيتركون أمور السياسية للسياسيين، لكن عليهم في المقابل الإبتعاد عن الأمور الفنية للجيش ” ، أيضا دمج قوات الدعم السريع في الجيش بجدول زمني لم تحدد مواقيته -تركت مفتوحة-، وهنا لا ننسى إتفاق الترتيبات الأمنية في إتفاق جوبا للسلام ومع أنه حدد مواقيت بعينها للدمج وطريقته بعد ستة أشهر تقريبا، ومر الآن على الإتفاق أكثر من عامين ولم يحدث شيئا.
مناورة البرهان
كلمة البرهان كانت أكثر وضوحا والذي أكد فيها أن الموافقة على الإتفاق الإطاري لا تعني اتفاقاً مع طرف سياسي أو فئة أو كتلة معينة وإنما هو توافق على قضايا وطنية يجب أن يتم وضع الحلول لها بمشاركـــة واسعة من القوى المدنية وأصحـاب المصلحة، ولم تخلو كلمته من بعض (مناورة)، حينما قال ” التأكيد على خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية نهائياً يجب أن يصاحبه خروج القوى السياسية من المشاركة في حكومة الفترة الإنتقالية، استجابة لمطلب الثوار تكون الحكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة ” ، وهنا وضع عقدة يعلمها البرهان جيدا، بأن القوى المدنية من الصعوبة الإتفاق فيما بينها، وخصوصا على المناصب، مع تأكيدات بأن القوى المتصدرة المشهد للحرية والتغيير المركزي الأربعة المعروفة هي التي ستختار رئيس مجلس الوزراء، ولن تتشاور حتى مع القوى المدنية الأخرى المشاركة معها في التوقيع.
وأضاف البرهان ” الإقرار بأن السلطة المدنية هي المسؤولة عن وضع غايات الأمن الوطني وربطها بالسياسة الخارجية والسياسة العسكرية، مشيرًا إلى أن ذلك يستوجب على السلطة المدنية أن تحترم المهنية العسكرية ولا تتدخّل في الشؤون العسكرية الفنية وتترك للقوات المسلحة مسؤولية تحديد التفاصيل والأعمال المطلوبة لإنفاذ سياسات وغايـات الأمـن الوطنـي ” ، وهذا ما أوضحناه سالفا بأن احكموا كما شئتم لكن دعوا أمور الجيش للجيش، ولا ننسى هنا أن البرهان هو القائد العام للقوات المسلحة سيكون رئيسا للدولة — وفق الإتفاق- الموقع عليه.
تراجع حميدتي
أما الصورة التي ظهر بها قائد قوات الدعم السريع نائب رئيس مجلس رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو (حميدتي) كانت مؤشرا قويا على تراجع ملحوظ عما كان عليه في السابق، فهاهو الرجل الذي كان يقسم بأنهم لن يجلسوا مع الحرية والتغيير مرة أخرى على طاولة واحدة، وكثير من التصريحات الهجومية عليها، يتحدث الآن معتذرا بخطأ إنقلاب ٢٥ اكتوبر .
وقال ” إنه فتح الباب لعودة القوة المضادة للثورة ” ، مضيفا ” يجب علينا جميعا أن نقدم إعتذارا للشعب عن القتل الذي وقع ، مؤكدا حمياتهم لهذا الاتفاق كما حموا التغيير الذي حدث في ابربل ٢٠١٩ ” ، وبدا الخطاب الذي تلاه حميدتي وكأنه من كتابة وصياغة أحد النافذين في الحرية والتغيير أنفسهم!، كما عكست هذه الطريقة التي ظهر بها حميدتي عدول حاد عن المواقف، ما يؤشر لعدم الإطمئنان لحديثه الذي ربما يتغير وبنفس الحدة والتطرف الذي كان عليه من قبل.
كأنه إنتصار
الحرية والتغيير المركزي من جانبها أكدت أنه بتوقيع الإتفاق الإطاري سيكون السودان قد طوى صفحة من عمر الاستبداَد والقمع والانقلابات، وقال جعفر حسن الناطق الرسمي باسمها في تصريحات صحفية بعد التوقيع ” إن الإطاري يؤسس لمرحلة جديدة، استعادت فيها السلطة المدنية شرعيتها بشكل كامل” ، مضيفا ” أن مابعد هذة الخطوة، أمامنا عده مهام أبرزها إعادة هيكلة مؤسسات الدولة عبر السلطة المدنية، ورئيس الوزراء ” ، وزاد بأن قضية (العدالة) — التي تم إرجاؤها- ستكون هي الهم الشاغل بالنسبة للحكومة المدنية القادمة وفقا لمبدأ اصلاح المؤسسة العدلية، مؤكدا أن اكبر المكاسب التي نتجت هي خروج (الجيش) من العملية السياسية، وإعادة مسار التحول الديمقراطي في السودان.
ورغم أن وصول المجلس المركزي للحرية والتغيير وإعتذار المكون العسكري على لسان حميدتي يعد إنتصارا لها، إلا أن الناظر لوجوه بعض قيادات المركزي في قاعة التوقيع اليوم، يرى أن ذلك لا يدل بأي حال على أن هناك إنتصارا قد تحقق بهزيمة الإنقلاب كما كانوا يسعون، وبنظرة عابرة للدكتورة مريم الصادق المهدي والحسن الميرغني وغيرهم تستطيع أن تكشف كواليس ماوراء الصورة العامة، والتي يبدو أنها كانت صدامية ولم تكن كما تمنوها.
رهان خاسر
وفي أول تعليق له على الإتفاق قال رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم — أحد أهم الرافضين- ” إن الإتفاق الاطاري بين قوى الحرية والتغيير والعسكر لن يحقق الإستقرار في الفترة الإنتقالية ” ، ووصف جبريل في تغريدة له على تويترالإتفاق بالرهان الخاسر، مضيفا ” أن فاقد الشيء لا يعطيه ” .
واستبعد جبريل أن يفضي الإتفاق الاطاري إلى إنتخابات حرة أو يحقق التحول الديمقراطي في المستقبل المأمول.
كما شهدت شوارع الخرطوم اليوم أيضا تظاهرات من لجان المقاومة والحزب الشيوعي وعدد مقدر من شباب الثورة منددة بالإتفاق وإعتراضا عليه، ما يعكس أن الأرض التي سينزل إليها الإتفاق غير ممهدة بالمرة.
شيطان التفاصيل
ويبقى أن توقيع الإتفاق الذي تم اليوم في الخرطوم في صورته العامة أسقط إنقلاب وقرارات ٢٥ أكتوبر قبل الماضي في السودان، وأن بنود الإتفاق بدت ( مثالية) من الوهلة الأولى في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، لكن يبقى شيطان التفاصيل والتنفيذ على الأرض، ومدى استعداد الواقع السوداني لتنزيل هذه البنود إلى أرض الفعل.
ويمكن القول أن الإتفاق خطوة جيدة يمكن البناء عليها لو خلصت النوايا وتحققت الإرادة السياسية، وعدم الخضوع للضغوط والعدول عن المواقف، وعودة السودان مرة أخرى لمربع الصفر.
الخلاصة أن الإتفاق مازال إطاريا ويحتاج لتوقيع نهائي مع تمهيد الوضع السياسي المعقد جدا في السودان لتنفيذ هذه البنود، إلا أن الأمر ليس سهلا على الإطلاق، وأن إتفاق اليوم ستواجهه تحديات وعقبات كبيرة وكثيرة.
إقرأ أيضا :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.