مصر ترحب بالاتفاق الإطاري في السودان وتؤكد أنها على مسافة واحدة من الفرقاء بالبلاد
يحاول البعض تسويق أن القاهرة لا تريد تحولا ديمقراطيا في السودان
الأحداث في السودان تؤكد أن القاهرة ليست كما يروج البعض لكن المشكلة تكمن في بعض الجهات التي لا تريد تقاربا مع مصر
القاهرة: صباح موسى
مع كل إتفاق أو قرار مهم على صعيد التحول الديمقراطي بالسودان، تظهر القاهرة بكل ثقة للتأكيد على أمن واستقرار السودان، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، رغما عن حبال الشوك الطويلة في الإنتقال السوداني، إلا أن مصر دائما، تأتي مفندة لأي إتهامات بانحيازها في المشهد، بسياسية خارجية متزنة ومسؤولة ابان أي تحولات.
تسويق مغلوط
ويحاول البعض تسويق أن القاهرة لا تريد تحولا ديمقراطيا في السودان، وأنها لن تقبل بالإتفاق الإطاري الذي وقع مؤخرا في الخرطوم والذي يقود لهذا التحول وابتعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم بالبلاد، في وقت قطعت فيه العاصمة المصرية – مثل هذه الإتهامات- معلنة على الفور ترحيبها بالإتفاق، وأكدت الخارجية المصرية في بيان لها عشية التوقيع أن هذا الإتفاق يعد خطوة هامة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان، وأعربت مصر عن دعمها الكامل للاتفاق واستعدادها للتعاون مع مختلف الأطراف السودانية في جهودها للبناء عليه وصولاً لإتفاق نهائي يحقق تطلعات الشعب السوداني، ويعزز من دور السودان الداعم للسلام والاستقرار في المنطقة والقارة الإفريقية، كما أعربت مصر عن تمنياتها بأن يمثل الاتفاق بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار للشعب السوداني، في ظل الروابط التاريخية التي تربط البلدين ووحدة مصير شعبي وادي النيل، ودعت مصر أطراف المجتمع الدولي إلى توفير كل عناصر الدعم للسودان، وبما يمكنها من عبور المرحلة الانتقالية بكل نجاح، وتحقيق مصلحة الشعب السوداني بسائر أطيافه.
دعم مصر
وتأكيدا لموقف القاهرة أوضحت الرئاسة المصرية أن الرئيس السيسي لدى لقائه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بالرياض أمس ( الجمعه) على هامش القمة العربية الصينية أكد دعم مصر للإتفاق السياسي الإطاري الذي تم توقيعه مؤخراً خلال الشهر الجاري بشأن الفترة الإنتقالية في السودان، باعتباره خطوة هامة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان ودعم الدولة السودانية لإنجاح العملية السياسية عبر توافق سوداني خالص يضمن استقرار ورخاء السودان، كما شدد السيسي على ثبات موقف مصر من الحفاظ على أمن واستقرار السودان والحرص الدائم على دعم السودان إقليمياً ودولياً، وذلك في اطار العلاقات الأخوية المتينة والأزلية بين مصر والسودان، التى تتطلع مصر لتعزيزها وتطويرها في جميع المجالات، خاصة على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري، مؤكدا دعم مصر الكامل لجهود مجلس السيادة السوداني في تحقيق الإستقرار السياسي والأمني في السودان، وذلك انطلاقاً من الارتباط الوثيق للأمن القومي المصري والسوداني، والروابط التاريخية التي تجمع شعبي وادي النيل.
روابط ممتدة
من جانبه، أعرب البرهان عن التقدير العميق الذي تكنه السودان لمصر على المستويين الرسمي والشعبي، واعتزازه بالروابط الممتدة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، والتقارب الشعبي والحكومي الراسخ بين مصر والسودان، مشيداً في هذا الصدد بالجهود المتبادلة للارتقاء بأواصر التعاون المشترك بين البلدين، والدعم المصري غير المحدود من خلال مختلف المحافل للحفاظ على سلامة واستقرار السودان، مؤكداً وجود آفاق رحبة لتطوير التعاون المشترك بين البلدين، وحرص السودان على توفير المناخ الداعم لذلك في مختلف المجالات التنموية الاستراتيجية. وقد شهد اللقاء استعراضاً لمجمل العلاقات الثنائية بين مصر والسودان، حيث تم الإعراب عن الارتياح لمستوى التنسيق القائم بين البلدين، كما شهد اللقاء كذلك استعراض آخر مستجدات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، حيث تم التوافق حول استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل في هذا السياق خلال الفترة المقبلة لما فيه المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين. أيضا تبادل السيسي والبرهان الرؤى فيما يخص تطورات ملف سد النهضة، وتم تأكيد التوافق حول الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني باعتبارها مسألة أمن قومي، ومن ثم تمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
موقف ثابت
ورغم تصريحات مصر (المتزنة) تجاه السودان، والتي تعكس موقفا ثابتا تجاه ما يحدث به، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السودانين للوصول ببلادهم إلى بر السلام والإستقرار، إلا أن نفس الجهات تحاول الترويج من آن لآخر بعدم الأمان تجاه القاهرة في الحالة السياسية السودانية والمشهد المرتبك بالبلاد، وذلك وسط تدخلات اقليمية ودولية صريحة في الأوضاع السودانية، وابتعاد ملحوظ من القاهرة من كل التكتلات التي تقود الحوار في المشهد السوداني، سواء على مستوى الآلية الثلاثية التي تضم ( الأمم المتحدة- الإتحاد الأفريقي- الإيقاد)، وحتى على مستوى رباعية ( الإمارات والسعودية وأمريكا وبريطانيا)، وتفضل القاهرة دائما ألا تقحم نفسها في الوضع الحساس بالبلاد، في وقت لا ترى فيه (بد) من ضرورة الترحيب بأي عمل يقود إلى استقرار الأوضاع.
طالع أيضا :
” أفرونيوز 24 ” تقدم قراءة لبنود الإتفاق الإطاري الذي وقع بالخرطوم اليوم
هشاشة الأوضاع
ومع الزيارات المكوكية التي تحدث على مدار اليوم بين الكيانات السودانية المختلفة للسفارات الأجنبية وبيوت السفراء بالخرطوم، نرى القاهرة بعيدة كل البعد عن هذه الزيارات، وسط استغراب كثيرون مالذي يجعل القاهرة تتعامل بهذه الطريقة، وهي أهم الدول وأقربها للسودان، هل القاهرة لا تريد مزيدا من اتهامها بتدخلها في الشأن الداخلي السوداني؟ أم أنها ترى من الأفضل أن يحل السودانيون مشاكلهم بأنفسهم؟ أحد المصادر القريبة من دوائر صنع القرار المصرية أكد من جانبه لـ ( أفرونيوز 24) أن مصر تعلم جيدا هشاشة الوضع بالسودان، وأنها لا تريد التدخل حتى لا تزيد من هذه الهشاشة، والتي ستزيد بدورها من تدهور الأوضاع والتي ستنعكس بالطبع على أمن واستقرار مصر لارتباط أمن واستقرار البلدين بعضهما البعض.
اتهامات الشيوعي
قبل أسبوعين جاء اتهام الحزب الشيوعي السوداني صريحا للجانب المصري بالتدخل في شؤون البلاد ودعمه للانقلاب العسكري، ضد إرادة الشعب السوداني، وقالت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب، في بيان صحفي، إن التدخل الخارجي المصري يظهر في دعم الانقلاب العسكري، وتحالف الإتحادي الأصل مع حركات جوبا، كما في تكوين القيادة الموحدة لقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) برئاسة جعفر الميرغني، وجاء بيان الشيوعي بعد يومين فقط من عودة مولانا محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الإتحادي السوداني بطائرة مصرية خاصة بتوجيه من الرئيس السيسي.
مردود عليها
المتابع للشأن السوداني يلاحظ تبني الحزب الشيوعي السوداني مثل هذه الإتهامات تجاه مصر، إلا أن اتهامات الشيوعي مردود عليها بكل حال، ففي اتهام أن مصر هي التي أعادت الميرغني للبلاد ليقف أمام نجله الحسن كي لا يوقع على الإتفاق الإطاري تناقضا واضحا، فكيف للقاهرة التي تريد حكما عسكريا للسودان لمعارضة إتفاق وقع عليه المكون العسكري نفسه، هل تقف مصر ضد رغبة البرهان الذي دعمته في قرارات 25 أكتوبر -كما يروج البعض-؟، ولماذا لا يفسر ذلك بالعلاقات التاريخية بين مصر والحزب الإتحادي، وتقديرا لزعيمه الذي عاش سنين طويلة مع المصريين، واذا كان كذلك مالذي يجعل القاهرة توجه دعوة لوفد رفيع من حزب الأمة الذي له اليد الطولى في توقيع هذا الإتفاق، وعلى مدى أسبوع كانت هناك مناقشات جادة بين الأمة والقيادة المصرية حول استقرار الأوضاع بالسودان، مالذي أقنع قيادات حزب الأمة بأن مصر مهمة جدا في المعادلة السياسية ولا يمكن تخطيها، في وقت يشهد فيه الداخل السوداني أيضا تواصلا مصريا مع كل الفرقاء في السودان بغية الوصول إلى نقطة حوار يلتف حولها الجميع، ولا ينكر هذا التواصل المصري مع الجميع إلا مكابر.
جهات لا ترغب
الأحداث في السودان تؤكد أن القاهرة ليست كما يروج البعض، لكن المشكلة تكمن في أن بعض الجهات هي التي لا تريد تقاربا مع مصر، ظهر ذلك جليا في الإجتماعات التمهيدية لاتفاق السلام مع الحركات المسلحة، حين استضافت القاهرة قادة الحركات في دارفور والنيل الأزرق وقيادات الحرية والتغيير إليها قبل بدء المفاوضات بجوبا، وحاولت القيادة المصرية من جانبها تقريب وجهات النظر والتي كانت متباعدة جدا بينهم، وكانت القاهرة مرشحة بقوة لاستضافة التفاوض، الا أن قيادات الحرية والتغيير هي التي كانت لا ترغب في هذه الإستضافة، وفضلت عاصمة جنوب السودان، وقتها لم تنزعج القاهرة، وظلت على تواصل وتنسيق مع جوبا لإتمام التوقيع على الإتفاق بل كانت شاهدة عليه، أيضا لم تبتعد القاهرة عن التوقيع على الوثيقة الدستورية بين الحرية والتغيير والمكون العسكري، رغم الترحيب السوداني الملحوظ بالوجود الأثيوبي في هذه الإتفاقية، إلا أن مصر شاركت برئيس وزرائها الدكتور مصطفى مدبولي. ومن الإتهامات التي تطال مصر أيضا أنها تدعم مبادرة نداء السودان، ورغم التناقض الملحوظ في هذا الإتهام، إلا أن هناك جهات تروج له، ونست هذه الجهات أو تناست اتهامها لنداء السودان بأن خلفها نظام البشير والإسلاميين، فكيف للقاهرة دعمها في هذه الحالة؟
غير استراتيجية
ويبقى أن الإتهامات كثيرة لمصر في السودان، وتظل الحقيقة أن الجهات التي تقف خلف هذه الإتهامات هي التي لا تريد علاقات جيدة مع القاهرة، ولذلك تحاول شيطنة الدور المصري بالبلاد في نظرة غير استراتيجية لبلد قد تكون له مصالح كبيرة بالسودان، إلا أن هذه المصالح مربوطة بأمن قومي مشروط باستقرار الأوضاع في السودان، مقارنة بدول إقليمية ودولية لا يهمها إلا المصلحة فقط، ولا تربطها حدود ولا علاقات ممتدة بين شعب واحد في بلدين، ويظل هذا النزوح الكبير للسودانين للمحروسة والتسهيلات الكبيرة التي يجدها السودانيون بها دليلا دامغا على أن مصر هي الملجأ الآمن للشعب السوداني وقت الأزمات.
الخلاصة
الخلاصة أن هذه الإتهامات مبنية على إرث تاريخي في العلاقة بين البلدين يرى البعض ضرورة مراجعته والبناء من جديد لعلاقات صحية سليمة مبنية على المصالح المشتركة والندية، ويرى آخرون أن الرجوع إلى الماضي لا يمكن بأي حال أن يؤسس لعلاقات جيدة بين الطرفين، منطلقين في ذلك بأن مراجعة الماضي تغرق الجميع في أخطاء ومحاولة تصحيحها، قد يأخذ الأمور إلى خلافات أبعد، ومابين الفريقين لا يمكن أبدا التبرير بأن التواصل المصري في السودان تدخلا أجنبيا، في وقت تأخذ فيه جهات إقليمية ودولية أدوارا حولها كثير من الأسئلة، ومع ذلك يفسرها البعض على أنها دعم وضامن للسودانين.
إقرأ أيضا :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.