آسيا العتروس تكتب .. سقوط “شرطة الأخلاق”
مشهدان لا يخفيان على ملاحظ أو زائر في المطارات الإيرانية , أما الأول فيبدأ قبل مغادرة الطائرة و مع إعلان قائدها الوصول الى محطتها النهائية لتبدأ المسافرات من مختلف الاعمار و الجنسيات البحث في حقائبهن عن غطاء للرأس فبدونه لا يمكن لا للايرانيات أو الاجنبيات مغادرة المطار … وأما المشهد الثاني فيبدأ مع نهاية الرحلة الى ايران عندما يحين موعد الرحيل وتتخذ المسافرات الموشحات بالجلابيب السوداء مقاعدهن استعدادا للاقلاع وما أن تتحرك الطائرة و قبل حتى أن تغادر الاجواء الايرانية تختفي تلك الصورة السوداء و تحل محلها صورة مختلفة لنساء في أحسن زينتهن واناقتهن وكأنهن ينتظرن لحظة التحرر من كل القيود بعيدا عن أعين الرقباء و الوشاة و عصا شرطة الاخلاق .
مشهدان وقفت عليهما وكنت شاهدة خلال زيارتين الى إيران آخرهما كانت في 2013 وكان للمرأة الإيرانية آنذاك فسحة للظهور في الشارع بمظهر متحرر و إبداء جزء من الشعر المصفف مع وضع كل ادوات الزينة وارتداء ملابس عصرية رغم أن عين الشرطة الاخلاقية حاضرة و احيانا تقتصر على غمزة للمرأة لتذكيرها بأنها تجاوزت الحد و احيانا اخرة بلكزة بعصا اقرب لعصا المؤدب … فيما كانت العباءة الكلاسيكية السوداء التي أكثر انتشارا في جنوب العاصمة الايرانية حيث ينتشر المتشددون الشيعة …والحقيقة أن الايرانيات و في أحيان كثيرة لا يخفين في احاديثهن حتى مع الغرباء أنهن مجبرات غير مخيرات مع هذا الوضع و أنه اذا فتح لهن المجال للسفر الى أي مكان في العالم فانهن لا يترددن في وضع ما يروق لهن من لباس واطلاق شعرهن لاشعة الشمس والتمتع بحرياتهن حتى وان كان ذلك لبضع أيام .
والحقيقة أن في ذلك ما كان يدفع للتساؤل اذا كان اقبال الايرانيات على الحجاب كرها لا طوعا خوفا من العقاب والاهانة ,والمسألة بالتأكيد معلومة للسلطات الايرانية فلماذا الاصرار على هذا الخيار ولماذا توخي مثل هذا المسارالمبني على النفاق والرياء بدعوى الحرص على تطبيق قواعد الاسلام , والحال أن النوايا غيرالافعال .. لقد سبق للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ان اعتبر في تصريحات لقناة سي بي اس “ان الحجاب سلوك ثقافي عفوي وطوعي بالكامل للنساء الايرانيات “ولكنه في أول مناسبة عمد خلال تواجده في نيويورك إلى فرض الحجاب على الصحفية الامريكية كريستين امانبور عندما ارادت محاورته على هامش اشغال الجمعية العامة للامم المتحدة فما كان منها الا أن رفضت الخضوع لشروطه و قررت عدم اجراء الحوار.
المسألة ليست بمن يكون على صواب أو على خطأ في هذه الحال , لكن الامر أعقد من ذلك بكثير و فيه تختزل الاخلاق و الدين في غطاء الرأس يفرض فرضا على صاحبته التي لا تملك أن ترفضه ولكنها ستتخلص منه في أول فرصة تتوفر لها خارج أسوارالوطن وبعيدا عن أعين شرطة الاخلاق و المراقبين و الاوصياء على سلامة تطبيق الدين الاسلامي وكأن تعرية شعر المرأة أخطر عند الله و أكثر إساءة للإسلام من الاف بل ملايين أجساد الاطفال العارية بسبب ظلم وجهل الحكام و فسادهم و صراعاتهم و حروبهم و انانيتهم .
كان لا بد من سقوط اكثر من ثلاث مائة ضحية منذ وفاة الفتاة ” مهسا اميني ” في سبتمبر الماضي , و اعتقال ثلاثة الاف اخرين حتى تقبل ايران بالغاء “شرطة الاخلاق” أوهذا على الاقل ما يبدو حتى الان دون وجود ما يؤكد أو ينفي هذا التمشي , فهل اختارت ايران الانحناء للعاصفة و الاستجابة للمحتجين و سحب البساط امام من تعتبر انهم يدفعون بدعم الخارج الى زعزعة النظام الايراني على امل عودة الهدوء للبلاد أم أن إيران ادركت أنه لا مجال لمواصلة المكابرة و تاجيج غضب الشارع و دفعه الى ما قد لا يكون بالامكان مواجهته في زمن ثورة الاتصالات الرقمية و سقوط خيار القوة أمام سلاح التكنولوجيا ؟ … الأكيد حتى هذه المرحلة ان الاعلان عن الغاء دور شرطة الأخلاق في إيران لايزال محاط بكثير من الغموض ولا يزال اعلان المدعي العام جعفر منتظري حول حل شرطة الاخلاق ينظر اليه داخل و خارج ايران بكثير من الحذر والتشكيك ..فالحكومة الإيرانية لم تؤكد الاعلان و لكن لم تنفه ايضا فيما ذهبت بعض وسائل الاعلام الايرانيى الى أن تصريحات منتظري قد أسيء تفسيرها بما يعني أن الامر قد يكون مجرد بالون اختبار للنوايا لتجاوز حالة الاحتقان المستمرة منذ ثلاثة أشهر .
من مدينة قم المقدسة لدى الشيعة أعلن محمد جعفر منتظري السبت أن “مجلس الشورى والسلطة القضائية يعملان على مراجعة للقانون الذي يفرض على النساء وضع غطاء للرأس, وأن شرطة الأخلاق ليس لها علاقة بالقضاء وألغاها من أنشأها”… لا خلاف انه منذ وفاة الفتاة مهسا اميني بعد اعتقالها في طهران في سبتمبر الماضي بات في ايران مرحلة ما قبل وفاة مهسا اميني وما بعد مهسا أمين مع دخول الاحتجاجات الشعبية في ايران نقطة الاعودة واعلان الايرانيات التمرد على قانون الحجاب الذي فرض عليهن بعد أربع سنوات على ثورة 1979 وبات حرق الحجاب و حلق الرؤوس و استهداف اصحاب العمائم في الشوارع عنوان المرحلة التي باتت مفتوحة على كل السيناريوهات…السؤال الذي لن يحسم هل ان القيم والاخلاق هي التي تؤثث المجتمعات و تحميها ام ان الاخلاق في حاجة لشرطة تحرسها وبدونها لن يكون لها وجود ؟و هل ان الامم التي ليس لها شرطة للاخلاق عديمة الاخلاق والدين والقيم ؟
سيكون من السابق لاوانه اعتبار أن ايران دخلت مرحلة جديدة و أن النظام الايراني شارف على نهايته , فالاكيد أن لسلطة الملالي أوراق يمكن أن تلوح بها في المرحلة القادمة و أن تسعى بالتالي الى تخفيف بعض القيود على الايرانيات و على جيل الشباب من الجنسين مسألة محتملة تجنبا للاسوأ و ليس رغبة في التغيير أوالانتقال الى دولة القانون و المواطنة .
* آسيا العتروس .. كاتبة تونسية
• نقلا عن صحيفة الصباح التونسية
إقرأ أيضا :
آسيا العتروس تكتب .. ونصيبنا من القمة الصينية العربية؟ !..