“طفنيس قرية القرآن” .. مشاعر ألهبت أهالي الصعيد
وصفت في العصر الفرعوني بـ"وكر الأشرار".. وبفضل طيبة أهلها وتسامحهم أطلق عليها" عش الآولياء"
“طفنيس ” قرية مصرية تعود جذورها إلي العصر الفرعوني .. تقع علي الضفة الغربية لنهر النيل الخالد، تابعة لمركز إسنا بمحافظة الأقصر جنوب مصر ، يبلغ عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة، يتصف أهلها مسلمين ومسيحيين بصفات الود والتسامح وفعل الخير والتسابق في إنشاء المشاريع الخيرية، رغم صغر حجمها وقلة حيازتها الزراعية وفقر أهلها، ونجحت خلال السنوات الماضية من بناء وتشييد العديد من المشاريع التنموية والخدمية بالجهود الذاتية، وحازت مؤخراً علي لقب “قرية القرآن”.
إسمها الفرعوني القديم “طفنيوس” لكنه حرف الي طفنيس وتم إضافة لقب المطاعنة إليها لأن سكانها الحاليين جزء من قبيلة ” المطاعنة ” العربية التي تسكن هذه البلاد وتعيش في سبع قري أخري بخلاف التوابع من النجوع والعزب، كانت تُنعت قديما في العصر الفرعوني بـ “وكر الأشرار” لأنها كانت ملاذ للمارقين والخارجين عن القانون، لكنها بفضل طيبة أهلها وتسامحهم وتقبلهم للآخر، وحبهم للطيبين أُطلق عليها أسم ” عش الآولياء” أو “عش الصالحين” فقد عاش ودفن في ترابها نخبة من الآولياء في مقدمتهم قطب الأقطاب الشيخ أبودوح ونجله الشيح حسن، واحفادهما الطيبين مثل الشيخ الهادي دوح والشيخ الحسيني والشيخ يوسف دوح، والمفكر الاسلامي والسياسي حـســن دوح، كما عاش بها الشيخ أبوحميرة أبن قبيلة حمير اليمنية، والشيخ عبد الكريم صاحب المقام الموجود في شمالها، وأيضا الشيخ عبد الرحيم صاحب المقام الموجود في جنوب القرية، والشيخ مغربي والشيخ فراج الهبولي وفضيلة القطب الشيخ أحمد أبوالريس، ويسكن في القلب منها الشيخ أبو العدب، وأحفاده كما عاش بها الشيخ أبوعوف رائد المشاريع الخيرية وهو من قبيلة الحساسنة التي تسكن مدينة القرنة، وهي القبيلة التي خرج منها صاحب الفضيلة الأمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.
ويعتبر الشيخ” أبوعوف” زارع البذرة الأولي وواضع اللبنة الاسياسية لجيل من أبناء قرية طفنيس “قرية القرآن” الذين حملوا لواء إنشاء المشاريع الخيرية، وفي المقدمة منهم الشيخ عبد النعيم أو عايد رحمه الله، والذي سلم الراية من بعده لجيل الشباب الذين عملوا علي إنشاء المعاهد الأزهرية والمدارس والمنشآت الخدمية، ومنهم العمدة مجدي عبد الفتاح أبودياب والدكتور سعد المطعني كبير مذيعي إذاعة القرآن الكريم وأخيه صلاح المطعني، والمهندس يحيي وقاد، والحاج نبيل العويدي والحاج حسن عبد الحميد بليك، والحج محمد بكر، والمهندس السيد الصغير عيسي .. الخ، هؤلاء الذين قادوا المسيرة وقدموا الكثير لأبناء قريتهم طفنيس ولايزالون يقدمون بقدر إستطاعتهم.
لكن كيف تحولت “طفنيس” من “وكر للإشرار” الي “عش للآولياء” والآن الي “قرية القرآن”؟
الحكاية بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما تولي كوكبة من حفظة القرآن الكريم في إنشاء وتشغيل عدد من “الكتاتيب” في قرية طفنيس مثل كتاب الشيخ أحمد العسال” وكتاب الشيخ أحمد أبو رضوان الملحق بجامع الشيخ أبودوح، وكتاب الشيخ “صغير أبو عيسي “وكتاب الشيخ أبودوح أبو سعيد الملحق بالجامع العتيق بقرية طفنيس” وكتاب الشيخ عبد المنعم العريض بنجع محمد عامر، الذي أنشائه الحاج سليم محمود كراع، هذه الكوكبة القرآنية كان يقودها مرجع وعالم قرآني جليل هو الشيخ والعلامة الأمير الحفني التميمي، وهذه الكوكبة تعلمت أصول القراءات علي يد الشيخ محمد سليم والشيخ عبد الصبور البطيخي، اللذين خرج من تحت أيديهم أشهر المقرئين للقرآن الكريم ليس في مصر فحسب بل علي مستوي العالم الإسلامي أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود المنشاوي، والشيخ الرزيقي والزنكلاوني وغيرهم العشرات والعشرات.
طفنيس “قرية القرآن” محراب العلماء..
لم يتوقف عطاء قرية القرآن عند هذا الحد بل كانت ولا زالت قبلة ومحراب أهل العلم والقرآن، فقد استقبلت علماء من شتي بقاع مصر وكان في مقدمتهم الشيخ العلامة الجليل محمد علي سلامة رحمه الله، مؤسس جمعية الدعوة الي الله، الذي ألتف حول اهل القرية رجال ونساء وشباب وشابات، وبرحيله سلم الراية من بعده لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد الذي يحرص علي تنظيم قافلة دعوية دينية للقرية كل عام يحضرها المئات من مختلف محافظات مصر، وينضم إليها كوكبة من علماء القرية أمثال الشيخ يسري محمد حسن أبوكراع والشيخ عبد الرحمن الليثي الهبولي وأخيه العلامة الشيخ محمد الليثي الهبولي والشيخ أبودوح مصطفي الغيشي، والشيخ يسري محمد زرزور والشيخ محمد عبد العظيم أبوسته والشيخ أبوالعارف زيدان ….وآخرين.
سر الأسرار في “قرية القرآن”
في الوقت الذي يهتم فيه أولياء الأمور في عموم مصر بتعليم أبنائهم في مدارس لغات، أهتم أهالي القرية أيضا بتعليم أبناءهم مثل بقية عموم الناس، لكنهم حرصوا أيضا علي التعليم داخل الكتاتيب فالتلميذ يأتي من المدرسة عقب انتهاء الدوام ليذهب مباشرة الي “الكتاب” والغريب في الأمر أن معظم هذه الكتاتيب لا تتقاضي أجور وبعضها يحصل علي أجور زهيدة لا تتخطي جنيهين في الأسبوع، ومن هنا جاءت الفكرة لبعض أهل القرية من المقتدرين بضرورة تشجيع النشىء والصبية علي علي التسابق في حفظ القرآن وكل عام يتم رصد مبالغ مالية كبيرة توزع في صورة جوائز علي الفائزين، لكن الغريب في الأمر أن الذين يتولون دفع قيمة هذه الجوائز غير معروفين وأن محاولة معرفة هؤلاء يعتبر سر من الأسرار التي لا يجب التطرق إليها في “قرية القران .. طفنيس “.
العيد السنوي.. لـ”قرية القرآن” طفنيس.
أمس الأول كانت “قرية القرآن” طفنيس علي موعد مع عيدها السنوي، وأحتفت بتكريم ألف وستمائة طفل وطفلة من حفظة القرآن الكريم أو أجزاء منه، ووفقاً لتعداد القرية يمثل هؤلاء الحفظة نحو 70% من الشباب والشابات، وفي الإحتفالية السنوية التي ينظمها شباب القرية تزينت القرية وخرج الآباء والمهات الي السرادق الذي أقيم للإحتفاء بأبنائهم الحفظة الكرام البررة.
معلم اللغة العربية، والعالم بالقراءات السبع للقرآن الكريم، يحيى عبدالعظيم المطعني، معلم اللغة العربية، المشرف العام علي المسابقة قال أنه بدأ عقد المسابقة لأول مرة في أغسطس 2018، واستمر تطوير آليات عقدها وحفل التكريم على مدار الـ 5 سنوات الماضية، وصولاً إلى العام الجاري، ليزيد عدد المتقدمين عن 2000 طالب، ونجح في الاختبارات 1600 وتم رصد 750 ألف جنيه للتكريم.
أما ياسر الجلالي، أحد محفظي القرآن بالقرية، وأحد المتطوعين لخدمة حفل التكريم، فقال : أن صاحب المركز الأول حصل على جائزة بقيمة 40 ألف جنيه، وحصل صاحب المركز الثاني على جائزة بقيمة 30 ألف جنيه، وحصل كل فائز في حفظ القرآن الكريم دون هذين المركزين على 20 ألف جنيه، بشرط ألا يتجاوز عمر المتقدم للإمتحان في حفظ القرآن كاملاً عن 18 عاماً، وأن لا يقل معدل درجات النجاح عن 70%.
وتابع الجلالي، أن قيمة الجوائز إجمالاً تتجاوز 750 ألف جنيه، مقدمة كمساهمات من أهل القرية بمعرفة القائمين على الحفل وبإشراف من إحدى الجمعيات الأهلية، ويتم عقد المسابقة والتكريم منذ 2018.
شروط المسابقة:
ويشترط للتقدم للمسابقة ألا يزيد عمر الممتحن في الجزء الأول عن 7 سنوات، ولجزأي عم وتبارك عن 8 سنوات، ولـ 3 أجزاء عن 9 سنوات، ويشترط لراغب الامتحان في 5 أجزاء ألا يزيد عمره عن 11 سنة، ولربع القرآن عن 13 سنة، ولنصف القرآن عن 15 سنة، ويشترط للامتحان في المسابقة ألا يزيد عمر الحافظ لـ 3 أرباع القرآن والقرآن كاملاً عن 18 سنة.
إقرأ أيضا: –
قرية طفنيس تحتفي بـ 750 حافظًا لكتاب الله بجوائز تتجاوز الربع مليون جنيه
الشيخ إسماعيل الهواري المفتري عليه
رواية البوسطي هل ظلمت مصلحة البريد ومثقفي الصعيد- وثيقة تاريخية
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.