“ديبيدو فرانسيس كيري” الافريقي رمز النبوغ في الهندسة المعمارية العالمية
كثيرة هي أسماء المعمارين التي برزت منذ فجر التاريخ وسطرت تاريخها بحروف من ذهب، مثل أمحوتب الذي عاش في القرن 30 ق . م )هو باني هرم زوسر المدرج وهو أول مهندس معماري في التاريخ، وكذلك أول طبيب، وأحد أشهر المهندسين في مصر القديمة، رفع إلى درجة معبود بعد وفاته وأصبح إله الطب، وفي العصر الحديث برز أيضا أسم ” زها حديد” العراقية العربية ربة المعمار الفولازي التي شيدت الكثير من البنايات والجسور والمطارات العالمية، ومؤخراً برز أسم ديبيدو فرانسيس كيري ذلك المعماري الافريقي الفذ الذي نال العديد من الجوائو العالمية من بينها جائزة الآغا خان للعمارة (2004) لمبناه الأول، ومدرسة غاندو الابتدائية في بوركينا فاسو، وجائزة جلوبال هولسيم الذهبية 2012، وفي عام 2022 فاز بجائزة بريتزكر للهندسة المعمارية، وهو أول شخص من إفريقي وأول شخص أسود يحصل علي هذه الجائزة.
ولد كيري في قرية غاندو، في بوركينا فاسو في 10 ابريل عام 1965 وكان أول طفل في غاندو تلك القرية البالغة عدد سكانها نحو 3 الآف نسمة، في أكواخ صغيرة من الطين مع أسقف من الصفيح أو القش، ولا توجد بها مياه نظيفة أو كهرباء، وفي بداية طفولته تم إرساله إلى المدرسة في المدينة، حيث كانت كل أحلام وغاية والده عمدة القرية أن يعلم أبنه الأكبر القراءة والكتابة لقراءة رسائله وترجمتها فقط، لذا اضطر كيري إلى ترك عائلته عندما كان في السابعة من عمره ليعيش مع عمه في المدينة.
بعد الانتهاء من مرحلة التعليم بالمدرسة عمل كيري نجاراً لكنه حصل على منحة دراسية من جمعية Carl Duisberg للتدريب المهني فسافر الي ألمانيا ومن هناك كانت البداية، لأنه عقب مدة التدريب المهني ذهب لدراسة الهندسة المعمارية في الجامعة التقنية في برلين، وتخرج فيها عام 2004، لكن خلال مدة دراسته شعر أن عليه واجب ودين كبير تجاه عائلته ومجتمعه الفقير الذي دعمه، وفي عام 1998 أنشأ بمساعدة أصدقائه جمعية Schulbausteine für Gando e. V. ( التي هي الآن مؤسسة باسم Kéré)) كانت الجمعية في بدايتها تهدف الي جمع تمويل لبناء مدرسة ابتدائية في قريته، يجمع فيها بين المعرفة التي اكتسبها في أوروبا وأساليب البناء التقليدية في بوركينا فاسو.
وبالتوازي أكمل دراسته ونجح في بناء أول مدرسة في قريته “غاندو” كمشروع دبلومه في عام 2004، ونجح أيضا في إفتتاح مكتبه الهندسي الخاص بهKéré Architecture ، لم تقف طموحات كيري عند قريته غاندو أو بلده بوركينا فاسو بل أمتدت أعماله في عدد من البلدان الافريقية، فنفذ عددا من المشاريع في مالي وألمانيا والولايات المتحدة وكينيا وأوغندا، وكان عام 2017 نقطة فارقه في حياته المعمارية حيث كلفه معرض سربنتين بتصميم هيكل سربنتين في لندن.
وبفضل نبوغه وتطوره شغل مناصب أستاذية كثيرة منها استاذ في كلية هارفارد للدراسات العليا للتصميم وكلية ييل للهندسة المعمارية والأكاديمية السويسرية للمهندسين المعماريين، في عام 2017 قبل الأستاذية في «التصميم المعماري والمشاركة» في TU München (ألمانيا، وبفضل العمليات التعاونية التي طورها كيري مع سكان غاندو والتقنيات والمواد المبتكرة والمحلية والبيئية التي ابتكروها حصل على جائزة عالمية للهندسة المعمارية المستدامة عام 2009.
مدرسة جاندو الابتدائية
تم الانتهاء من بناء المدرسة في عام 2001 ، وعلي من أن جميع المدارس في بوركينا فاسو تقريبًا مبنية من الخرسانة والتي تعد غير مناسبة لظروف المناخ في بوركينا فاسو ، حيث ترتفع درجة الحرارة في غالبية ايام السنة، كما أن البناء الخرساني في هذه البلاد مكلف ويتطلب الكثير من الكهرباء اللازمة للإضاء والتهوية لذا فكر كيري في بناء مدرسة جاندو من الطوب اللبن، وهو أمر كان المجتمع في البداية متشككًا فيه إلى حد ما، كانوا قلقين من أن البناء المبني من الطوب اللبن لن يصمد في موسم الأمطار، لكن تصميم Kéré المبتكر قدم الحل، لانه السقف العريض والمرتفع والمعد من الصفيح حمي الجدران من المطر، وسمح للهواء بالدوران تحته من أجل الحفاظ على برودة المبنى.، كان المجتمع مسرورًا لأن المدرسة لا تزال قائمة بعد عشر سنوات، والمبنى أكثر برودة وأكثر راحة للعمل فيه على عكس مباني المدرسة التقليدية الخرسانية، لذا فقد أنتشر تصميم كيري في جميع أنحاء بوركينا فاسو، وفاز عن هذا التصميم بجائزة الآغا خان للعمارة في عام 2004.
ولم تتوقف مشروعات كيري عند هذا الحد في شرع في بناء الحدائق والمزارع الكبير لمقاومة أعمال التصحر والحفاظ علي التربة والطبيعة في بوركينا فاسو، ومن هناك أمتدت ولا تزال تمتد عبقرية ذلك المهندس المعماري الافريقي الي العالم أجمع.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.