اسيا العتروس تكتب .. نوبل بدون سلام
انتهى موسم الجوائز .. حضر نوبل ولم يتحقق السلام ولا يمكن الا لساذج او غبي ان يتوقع ان يعم السلام قريبا في عالم لم يسجل يوما واحدا بين ايام السنة دون صراعات اوحروب او اقتتال او مواجهات أواوبئة او كوارث من صنع الانسان .
رغم اهدافها النبيلة تبقى جائزة نوبل للسلام مجرد موعد لاقتسام عائدات جائزة كبرى و لكن دون ان ترتبط عمليا بانتصار قيم و ثقافة السلام في عالم يسوده التوتر والاحتقان ..جائزة نوبل للسلام هذا العام تحتمل اكثر من قراءة واكثرمن تاويل حول ما اذا باتت جوائز نوبل خاضعة بدورها لاعتبارات سياسية وحسابات القوى المتنفذة في المشهد الراهن و تحديدا فيما يتعلق بالحرب الروسية في اوكرانيا التي تدخل شهرها الثامن على التوالي دون ادنى مؤشرات بشأن هدنة تهيئ الارضية نحو انهاء الحرب و اعلان السلام ..ذلك ان تطورات الاحداث لا تعكس وجود رغبة في كتم اصوات الصواريخ و القنابل او في دفع الاطراف المعنية الى التفاوض و الحوار لانهاء النزيف المستمر الذي تجاوزت تداعياته حدود اوكرانيا و امتدت لتشمل كل دول العالم الذي يعيش ازمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب تراجع امدادات الغاز و النفط و تراجع امدادات القمح بكل ما يعنيه ذلك من تهديدات و مخاوف من مجاعة وشيكة تهدد ملايين الشعوب التي تفتقر للامن الغذائي …وهو العالم ذاته الذي يسجل استهداف المرأة في حياتها وجسدها بسبب خصلة شهرظهرت من تحت حجابها ولا يهتز لمقتل الاف الاطفال المشردين بردا لانهم لا يملكون خرقة تغطي اجسادهم الجائعة النحيلة .
مع كل موسم نوبل ننتظرالاعلان عن الاسماء نبحث عن اسم عربي يتوج بجائزة نوبل للاداب فنجد ان نجيب محفوظ الفائز بالجائزة منذ 1988 لا يزال وحيدا في القائمة ..وهذا طبعا لا يعني عدم وجود اسماء ادباء عرب يستحقون هذا التتويج .
في المقابل فان جائزة نوبل للسلام شملت عددا من الاسماء و بينهم الرئيس المصري الراحل انورالسادات و الزعيم الفلسطيني ياسرعرفات و العالم المصري محمد البرادعي و الناشطة اليمنية توكل كرمان والرباعي الراعي للحوار في تونس ..و من يدري فقد تتمدد القائمة مستقبلا لو توقفت كل الحروب في المنطقة العربية من ليبيا الى سوريا والعراق واليمن وفلسطين حيث يستحق اطفال المخيمات و الملاجئ ان يتوجوا بالجائزة .
ولكن حتى هذه المرحلة تبقى جائزة نوبل للسلام معلقة في انتظارسلام يأبى أن يأتي لان صناع القرار في العالم لم ينتبهوا بعد لتكلفة الحروب على ماضي و حاضر و مستقبل الشعوب و ما يمكن ان يكون عليه العالم لو توقفت مصانع السلاح و توقف معها كل اسباب الخراب و الدمار.
بالامس أسدل الستار على موسم جائزة نوبل بعناوينها الخمس بالاعلان عن الثلاثي الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد التي تبقى مسك الختام في قائمة جوائز نوبل للسلام كما جرت العادة منذ تم استحداث هذه الجائزة لاحقا باعتبار انها لم تكن ضمن قائمة الجوائزالاصلية التي اقرها الفريد نوبل في 1895 والتي اراد لها ان تكون تحت مظلة نوبل للسلام في خطوة يعتبر الكثيرون انها جاءت للتقليل من مشاعر الاحساس بالذنب بعد اختراع الديناميت والمخاوف من أن يلحق ذلك بالشعوب والامم مخاطرلا تحصى ولا تعد …وكانت رغبة نوبل ان تمنح الجائزة لمن قاموا بافضل عمل من اجل تعزيز الحفاظ على السلام وتعزيزه .
أول الملاحظات بعد ان كشفت نوبل عن قائمة الفائزين غياب المفاجات بغياب اسماء عربية ضمن القائمة المعلنة العرب لهذه الجوائز بمختلف عناوينها بما يكرس القناعة بأن سنوات ضوئية تفصلنا عن بقية العالم في مجلات الاقتصاد والكيمياء و الفيزياء والطب على عكس نوبل للادب التي تم ترشيح عشرات الاسماء وبينها اسماء عربية لا يبدو أنها استأثرت بدعم اللجنة المكلفة باختيار الفائزين و هو ما يعني ايضا ان اختيار قد يخضع احيانا لاعتبارات كثيرة ترجح كفة أسماء على حساب غيرها على اخر ..
جائزة نوبل للسلام هذا العام كانت من نصيب نشطاء حقوقيين من روسيا و اوركرانيا و بيلاروسيا ثلاث دول متجاورة نعيش احوال حرب ترفض ان تنتهي , حيث تقاسم كل من المدافع البيلاروسي عن حقوق الإنسان، أليس بيالياتسكي، مع منظمتين روسية وأوكرانية، هما تباعًا ومنظمة “ميموريال” أو الذاكرة لحقوق الإنسان الروسية، ومنظمة حقوق الإنسان الأوكرانية “مركز الحريات المدنية”..
لجنة نوبل النرويجية اعلنت ان الاختيارسببه ان هذا الثلاثي يمثلون المجتمع المدني في دولهم الأصلية..و انهم روّجوا على مدى سنوات، للحق بانتقاد السلطة وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين وبذلوا جهدًا رائعًا لتوثيق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وإساءة استخدام السلطة… اختيار لم يكن ليمر دون ان يثير حفيظة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تحمله الجائزة بشكل مباشراوغير مباشر مسؤولية ما يحدث من دمار في اوكرانيا و من خسائر في اوروبا ..من الواضح ان الجائزة حملت رسالة واضحة حول دور و مكانة و اهمية المجتمع من أجل السلام والديمقراطية..المؤسف فعلا ان فوز صحافيين العام الماضي بنوبل للسلام لم يعز مكانة الاعلام و قيمته في المجتمعات ولم يحفز الحكومات و الانظمة على احترام شان السلطة الرابعة …
• نقلا عن جريدة الصباح التونسية