آسيا العتروس تكتب .. المكالمة التي لن تنهي الحرب في أوكرانيا
مع ان الامر لم يشكل مفاجأة كما أنه لم يكن حدثا متوقعا فقد أثار خبر الاتصال الهاتفي بين وزيري الدفاع الامريكي لويد اوستن ونظيره الروسي شويغو الكثير من نقاط الاستفهام حول ما اذا يمكن اعتبار هذا الاتصال الهاتفي النادر مؤشرا على امكانية انطلاق المفاوضات بشأن انهاء الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت شهرها الثامن على التوالي واستنزفت قدرات كل الاطراف من روسيا الى أوكرانيا و فرضت على اوربا وعلى العالم اعادة الحسابات و الاولويات بشأن مصادر وتكاليف الطاقة التي باتت شحيحة في هذه المرحلة و تنذر بأسوأ ازمة غذائية في العالم وأسوأ شتاء في اوروبا .
والحقيقة انه سيكون من السابق لاوانه اعتبار ان المكالمة مؤشر جيد او خطوة نحو انهاء الحرب كما انه سيكون من السذاجة و الانسياق وراء القراءات السطحية اعتبار أن في هذه المكالمة منعرج نحو عودة المفاوضات وتحقيق السلام و تجنيب العالم المنهك مزيد التداعيات الخطيرة لهذه الحرب التي دخلت مراحل متقدمة وباتت تثير المخاوف من امكانية استخدام السلاح النووي في لحظات من التشنج او الاستفزاز ..
فهذه المكالمة بين الرجلين و كلاهما له دوره و تاثيره سواء تعلق باوستن وزير الدفاع الامريكي المقرب من بايدن وهو الذي يعد أكبر مهندسي الحروب الامريكية من العراق الى افغانستان و سوريا أو كذلك بالنسبة لشويغو الذي يعد مهندس الحرب على القرم و مهندس الحرب الراهنة في اوكرانيا و ذراع بوتين في مختلف مخططاته العسكرية فضلا على انه الرجل الذي اعاد بناء وتدريب الجيش الروسي بعد وصول بوتين الى السلطة و ربما في هذين السببين ما جعل البعض يرفع سقف التوقعات بشان مكالمة الامس التي تكتم الطرفان بشأنها واقتصرت البيانات الرسمية على اختزالها في البحث عن القضايا الاستراتيجية و الحرب في اوكرانيا ..وهو يكاد يكون استنساخا لنفس الكلمات التي استعملت في صياغة البيان السابق بشأن اول مكالمة بين شويغو واوستن بما يجعل كل القراءات و التاويلات والسيناريوهات قائمة .
وللتذكير فقد كانت المكالمة الاولى بين المسؤولين العسكريين في شهر ماي الماضي و قيل ان المكالمة كانت بطلب من الوزير الامريكي الذي اعلن انذاك على انه يجب الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة واستمرت المكالمة ساعة كاملة و تم تحميلها ربما اكثر مما تحتمل من جانب الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين الذين تفاؤلوا بشأنها و لكن الاحداث كذبت كل الثراءات المتفائلة فقد استمرت الحرب و احتدت متجاوزة كل التوقعات .
حتى هذه المرحلة علينا الاكتفاء بهذه المعلومة التي تم تسريبها و هي أنه تم مناقشة عديد اللقاء في هذه المكالمة تتعلق بالامن الدولي و الوضع في اوكرانيا ..وعلى اعتبار أن الامن الدولي في قبضة موسكو وواشنطن سيتعين ترقب ما ستؤول اليه المحادثات لاحقا عندما تنقل الى مراكز صنع القرار ليتقرر البحث عن حل لانهاء الحرب او على العكس من ذلك المضي قدما نحو استمرار النزيف الحاصل الذي يبدو انه فتح المجال لاخضاع انواع جديدة من السلاح قيد الاختبار في ساحات المعارك و منح مصانع السلاح و سماسرة الحروب و تجار الدم مزيد الفرص لتطوير الة الحرب و توسيع دائرة الصفقات لترويج و تسويق ما لم يعد صالحا منها لدى الانظمة التي تعجز عن تصنيع السلاح و تجد فيما تستورده ما يكفي لترهيب شعوبها و تمنح بالتالي صناع الازمات و الحروب و الصراعات المجال للتمعش و رصد الثروات و تضخيم الارصدة بتوقيع دماء الضحايا .
صحيح ان واشنطن و موسكو حافظا على شعرة التواصل بينهما رغم كل الرسائل و التحذيرات و التهديدات المتبادلة منذ بداية الحرب و صحيح أن هناك خطوط حمراء لن يقدم احد من اطراف النزاع على تجاوزها و نقصد بذلك اللجوء الى السلاح النووي الذي سيكون فيه دمار الجميع و سيظل سلاح للردع تستعمله دول النادي النووي للحفاظ على دائرة مصالحها الاستراتيجية في لعبة اعادة رسم ملامح النظام العالمي الجديد الذي لن يكون بالتاكيد افضل مما نعيش على وقعه منذ عقود ..في كل الاحوال تبقى الحرب مهما كانت حدودها و فصولها و اسبابها و مبرراتها من اسوا و ابشع ما عرفت البشرية فغالبا ما يدفع الثمن الاضعف و هم النساء و الاطفال و المدنيون و اهل الفكر و الثقافة و الفن .
• نقلا عن جريدة الصباح التونسية