تجاة الرقيق..80 مليون إفريقي أستعبدتهم أوروبا بمعاونة زعماء قبائل افارقة مات نصفهم في الطريق
تناولت الدكتورة دينا العشري مدير تحرير مجلة الدراسات الافريقية والعربية، في تقرير لها بعنوان ” الدور الافريقي في تجاة الرقيق وتأثيره الإنساني، معاناة القارة الأفريقية على مدى قرون عديدة من الإبادة الجماعية التي تمثلت في تجارة الرقيق.
واصفة إياها بأنها جريمة ضد الإنسانية، كمنت خطورتها في استهداف الإنسان الأفريقي، بلونه ووجدانه ونفسه وعقله بل ومصيره ومستقبله، قائلة: هذه الجريمة لم تقتصر فقط على ذلك المستعمر الأوروبي البغيض.
ولكن اللوم أيضا يقع على عاتق الأفريقي ذاته، الذي دفعه، الجشع والطمع إلى قتل وسرق ونهب شقيقه الأفريقي، فلطخوا الأفارقة، ايديهم بهذه الدماء باشتراكهم مع غيرهم من الأوربيين في هذه التجارة إذ لم يكن التاجر الاوروبي يجرؤ علي التوغل في الداخل الأفريقي خوفا من فقدان حياته.
فقام زعماء القبائل الافريقية التي عرفت بالقوة والشجاعة، بهذا الدور لتحقيق الارباح للتاجر الأوروبي، ووفرت عليه كل هذه المخاطر، فساقوا بني جنسهم بالألوف إلي الشواطئ تحت لهيب السياط، واحيانا أخرى بالقنص باستخدام الأسلحة النارية.
لذلك أطلق بعض المؤرخين علي عصر تجارة الرقيق بعصر البنادق، فقد حاول الأفريقي بشكل أو بأخر قهر إنسانيته، مما جعل لهذا العمل الإجرامي الوحشي تبعاته السلبية على المجتمع الأفريقي، واعاق تنميته وتقدمه.
واشارت في تقريرها الي أن تجارة الرق طوال ثلاث قرون (16،17،18) متواصلة والتجار الأوروبيين ومن عاونهم وشجعهم من الأفارقة على ممارسة هذه التجارة التي كانت تدر ارباحا طائلة حتى أواخر القرن الثامن عشر.
أولا: طرق الحصول على الرقيق:
اعتبر عام 1518 هو عام كئيب في تاريخ أفريقيا، حيث حمل الاسبان أول حمولتهم من الاسرى مباشرة من غرب افريقيا إلى جزر الهند الغربية وطوال القرن السادس عشر، ازدادت هذه التجارة بشكل واضح، واستمرت بعد ذلك.
وقد بدأ نظام التجارة في الرقيق، أواخر القرن السادس عشر، من خلال البرتغاليين وكانت وسيلتها في هذه التجارة أن تكون شركة يكون عمادها أحد الأشراف الذي يستطيع السفر اولا إلى الممتلكات الاسبانية في العالم الجديد، أو يستطع الاتصال بأحد الأشراف الاسبان في اسبانيا .
ثم يحصل منه على عقد بتوريد عدد من الرقيق، حتى اذا نجح في ذلك أسرع إلى البلاط البرتغالي ليحصل على مرسوم باحتكار التجارة في منطقة من المناطق على الساحل الأفريقي وكان ينجح في هذا بواسطة دفع مقدم كبير لهذا العقد أو عن طريق الرشوة، وصارت تجارة الرقيق عملا مشروعا في القرن السابع عشر وكان الحصول على الرقيق يتم بطريقتين:
1- طريقة داخلية:
أي داخل المجتمع الافريقي نفسه حيث يستعبد الشخص الذي يقترف أي جريمة، أو قد يبيع نفسه وذريته لوفاء دين عليه.
وقد شجع الأوروبيون الزعماء والحكام في أفريقيا بشكل عام وفي غرب إفريقيا خاصة على الحروب مع جيرانهم، وقدم رؤساء القبائل لهم مقابل ذلك الرقيق الذين يجلبونه من خلال أسر أعداد ضخمة من أعدائهم المتحاربين معهم.
ويتم نقل هؤلاء إلى السفن الراسية على الشواطيء في غرب إفريقيا، وتأخذ القبائل البديل من الأموال والبنادق والذخيرة لمتابعة الحروب مع أخوانهم، وعاشت غرب إفريقيا قرون عدة في حروب مدمرة من أجل تدبير هذا المورد البشري المتدفق من الرقيق للتجار الأوروبيين.
2- طريقة خارجية:
وهذه الطريقة تتم خارج المجتمع الأفريقي وفيها يتم الحصول على الرقيق عن طريق الأسر في الحروب وكان هؤلاء الرقيق يباعون إلى وكلاء الشركات الأوربية وفي غرب أفريقيا كان بعض الرقيق يعملون كعمال زراعيين في مزارع الملوك والامراء وفي بعض الحالات كانوا يعملون في التجارة أو الخدمة في الجيوش أو كموظفين في البلاط الملكي.
وقد تطورت عملية الحصول على الرقيق بمضي الزمن بعد أن ازدادت الحاجة إليهم فنظمت عمليات القنص والشحن وعقدت عقود احتكار هذه التجارة، حيث كان الرقيق يؤخذون من جامبيا ومن وديان الانهار الواقعة في جنوبها حتى سيراليون، وبعد الحصول عليهم يقوموا بتسليمهم إلى التجار الهولنديين.
ونظرا لان هذه التجارة كانت تدر ارباحا طائلة فقد دخلت دول أخرى في مجالها فجاء الانجليز والفرنسيون وبدأوا يقيمون الحصون والمراكز التجارية لصالحهم. وتألفت الشركات البريطانية التي أخذت تحتكر التجارة في الرقيق.
وقالت العشري خير مثال على ما قام به الانجليز من جهود في تجارة الرقيق منذ القرن السادس عشر، والذي لا ينسى من ذاكرة التاريخ، القرصان الانجليز سيرجون هوكنز (Sir John Hawkins) أول بريطاني يؤمن بجدوى تجارة الرقيق التي تحقق ارباحا تفوق ارباح الاتجار في الذهب أو العاج.
وبدأ هوكنز مغامراته في هذا المجال عندما رسي في سيراليون، لأول مرة في الثامن من مايو 1511 واسر أربعمائة افريقي، ثم قام ببيعهم للأسبان في العالم الجديد وذلك مقابل 35 جنيها للأفريقي وتبعه في هذا المضار عددا اخر من التجار الانجليز.
وفي عام 1640 بدأ الانجليز يصدرون الرقيق إلى مستعمراتهم ومستعمرات الدول الأخرى في الأمريكيتين، حتى وصل عدد الرقيق الذين حصل عليهم البريطانيون في عام 1700 حوالي 15 ألف أفريقي، نقلهم الانجليز عبر الأطلسي وزاد هذا العدد إلى 40 ألف في عام 1800 .
وبلغ عدد السفن البريطانية التي كانت تعمل بنقل الرقيق حوالي 192 سفينة يتبع ليفربول وحدها 107 سفينة ويتبع لندن 58 سفينة بالإضافة إلى أربع سفن تخص لانكستر، وكان مع هذه السفن 5000 افريقي.
وصارت منطقة سيراليون أهم المصادر الرئيسية للرقيق في القارة الافريقية وكان تجار الرقيق يقيمون مخازن وحظائر لحفظ الرقيق المخطوفين وكانت تلك المخازن تقام داخل قلاع وصل عددهم في عام 1791 حوالي 40 قلعة،.
وبلغ عدد القلاه التي يملكها الهولنديون وحدهم 15 قلعة وللانجليز 14 قلعة، ولكل من البرتغاليين والدنماركيين 4 قلاع أما الفرنسيون فكانت لهم 3 قلاع.
من ثم، فقد كان دخول الدول الجديدة إلى ميدان تجارة الرقيق وبالاً على سكان افريقيا، اذ قامت هذه الدول مجتمعة بالعمل في الرق الجماعي واخذت بريطانيا مكان القمة في هذه التجارة حيث وصل عدد الرقيق الذين ارسلوا إلي الممتلكات البريطانية وحدها فيما بين اعوم 1680 , 1786 إلى مليونين ومائة وثلاثين الفا.
وكان يموت 10% منهم أثناء تنقلاتهم لعدم الاهتمام بطعامهم أو صحتهم فضلا عن ضربهم وتنكيلهم أو قتلهم وهم مقيدين بالسلاسل أو هاربين من جحيم الاسترقاق، واذا قدرنا ان ما وصل إلى المستعمرات كان نصف ماخرج من افريقيا، خلال القرن السابع عشر قدر ما وصل إلى المستعمرات الاوربية كلها حوالي اربعين مليونا وهذا يعني ان قارة افريقيا خسرت قرابة ثمانين مليونا على الأقل.
ثانيا: تأثير تجارة الرقيق على إنسانية الأفريقي:
لقد حاول الأوروبيون ترويض الأفارقة لسحق آدميتهم وتحويلهم إلى آلات بشرية بلا مشاعر ولا حقوق ولا لغة ولا دين ولا حياة روحية، فكانت الأساليب المتبعة في التعامل مع الرقيق هي الشنق على الأشجار وقطع الأيدي والمذابح الجماعية التي هلك فيها ما يزيد على عشرة ملايين إفريقي، فتجارة الرقيق الأوروبية لا يستطيع أحد أن يحصي ضحاياها على وجه التحديد.
وكانت تجارة الرقيق سيئة على سكان افريقيا واختلف هذا السوء من مكان لآخر، وازداد السوء على الضحايا حيث كان يموت واحد من بين كل ستة من الاسرى وقد أثرت تجارة الرقيق على الانتاج الافريقي في مجالين:
*المجال الاول:
انها أجبرت غرب افريقيا على تصدير أغلى مواردها الخام واعني بذلك الايدي العاملة البشرية حيث نقل الملايين من الفلاحين والحرفيين للعمل في المزارع والمناجم الامريكية وحققوا بذلك ارباحا طائلة وثروات ضخمة ليس لوطنهم ولا لأنفسهم بل لدول اوروبا وأمريكا .
*المجال الثاني:
أن أفريقيا مقابل تصدير أغلى شبابها كانت تحصل على سلع مصنعة في اوروبا وهذا ما ساعد على تدمير افريقيا، ناهيك عن استيراد كميات ضخمة من البنادق والبارود وكان المقابل لهذه الاسلحة هو الرقيق وقد ساعد ادخال الاسلحة النارية على احداث ثورة في مجال القنص والقبض على الرقيق.
لان الاسلحة النارية كانت اكثر يسرا جنبا إلي جنب مع الطلب على الأسلحة النارية، وقد ساعد هذا الازدواج على انتشار الحروب والصراع بين القبائل الافريقية فأحدث دمارا في الانتاج وفتكا بالقوى البشرية وتشتيتا للسكان.
كما أثار الفزع والخوف في نفوس الناس، وعندما بدأ التكالب الاوروبي على غرب أفريقيا كغيره من المناطق الأخرى كان الانقسام والتشتت هو طابع الجماعات البشرية في افريقيا مما سهل على الغزاة الاوربيين مهمتهم في السيطرة على أجزاء القارة المختلفة وكان هذا من أسوأ الاثار التي نجمت عن تجارة الرقيق .
ثالثا: التأثير الاجتماعي:
ومع قدوم الأوروبيين إلى افريقيا منذ القرن الخامس عشر حدثت تطورات هامة في غرب افريقيا حيث كانت تجارة الرقيق ورواجها بمثابة عامل جديد برز ليؤثر على شكل الحياة في المنطقة وليمثل عامل هدم سكاني فيها.
وفي الوقت ذاته كان يشهد فيه السكان تطورا في نواحي حياتهم المختلفة، فلقد ترتب على تجارة الرقيق ورواجها نقص خطر في عدد السكان أدى تدمير الهيكل السكاني بعد نقل عدد كبير من الجنسين إلى العالم الجديد.
وكانت الاثار الديمغرافية اخطر مما يمكن تصوره بسبب النقص الخطير في عدد سكان المنطقة من جهة، وبسبب الاساليب التي اتبعت في جلب الرقيق نفسه وحرق القرى وتدمير مساحات واسعة في انحاء المنطقة من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك الأمراض التي انتشرت بين السكان نتيجة لذلك أو لما نقله الاوربيون انفسهم من امراض لم تكن تعرفها المنطقة قبل وصولهم إليها .
ولعل من أهم الاثار التي احدثتها تجارة الرقيق هي تلك الفوضى والحروب بين السكان أنفسهم وفقر في الأيدي العاملة والإنتاج وانهيار العديد من الإمارات الإفريقية، بسبب الأسلحة النارية التي استخدمت في عمليات القنص وتعقب الرقيق وما اعقب ذلك من خلافات بين الزعماء الوطنيين وشن الحروب ضد بعضهم البعض وحرق القرى دون اسباب.
وكانت تنشب الحروب بين السكان وزعماء القبائل ومحاربة بعضهم بعضا للقبض على أكبر عدد من الرقيق لإرسالهم إلى العالم الجديد وقد أدى هذا إلى تدمير السكان من الداخل والقضاء على مجتمعهم القبلي وبالطبع ترتب على هذا وجود حالة من القلق والفوضى وعدم الاطمئنان بين سكان هذه المجتمعات،.
كما انتهك الاسترقاق الحرمات ودمر المقدسات وأفسد أخلاق حكام إفريقيا وأهاليها وشوه كذلك الحياة الاجتماعية وأغرق الكثير من الأفارقة في الجهل والفقر والمرض، والتي لم تفق منها أفريقيا تماما حتى الآن.
وحتي عندما تم تحرير العبيد تركوا بلا تجارب وبدون تعليم بعد قرون من العبودية ، فخلقت فيهم التبعية والخوف، هذه المؤثرات هي التي ولدت العجز والإهمال اللتين امتاز بهما الكثير من الأفارقة، حتى يومنا هذا.
في نهاية القول فقد شهدت افريقيا بعد الكشوف الجغرافية قيام تجارة الرقيق في اثمن شيء بها الا هو سكانها طوال ثلاثة قرون ونصف، حققت خلالها أوروبا أرباحا خيالية،.
وأصبحت هذه السلعة هي الأساس الذي بنت عليه تلك الدول الاستعمارية اقتصادها ورخاءها، كما بنيت شهرة موانئ ومدن كميناء لشبونة في البرتغال وميناء ليفربول في انجلترا، على عظام الرقيق الأفريقي ودمائه.
إقرأ أيضا
“الهوتو”..يشكلون 85% من سكان بورندي.. تعرف علي عاداتهم وتقاليدهم والنزاعات العرقية التي خاضوها
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.