رامي زهدي يكتب .. « إفريقيا » : مستقبل الأعمال الأكثر إشراقاََ .. وموطن عوائد الإستثمار الأعلي في العالم
ظهر حديثا مصطلح « ريادة الأعمال » الذي أرتبط في أحياناً كثيرة بفكرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة, وكذلك المشروعات متناهية الصغر , بينما برز كثيرا في السنوات القريبة مستقبل أفريقيا الذي هو في الواقع جزء من مستقبل العالم , والواقع يؤكد أن أفريقيا ماضي العالم وصانعة حضارته قبل ان تلتفت لها الأعين علي انها مستقبل العالم، و القارة الأفريقية هي الأبرز من حيث الفرص والتحديات، و صاحبة الحظوظ التسويقية الأكبر، عدد سكان يتجاوز 1.4 مليار نسمة بنسبة تصل أحيانا الي 70٪ من السكان في عمر الشباب بمتوسط عمر 19.6 سنة وهي الفئة الأكثر قدرة علي التطوير وعلي كسب الأموال وبالتالي الفئة الأكثر إنفاقاََ، وهي أيضا الفئة التي تدير المال والأعمال.
نتناول من خلال النقاط الموجزة التالية شرح لفكرة , لماذا افريقيا ليست فقط هدفا للمستثمرين والشركات العابرة القارات لكنها ايضا هدفا مشرقا لرواد الأعمال والمغامريين الاقتصاديين ؟ ونوضح أسباب تجعل افريقيا بداية اكثر قوة لرواد الاعمال في تخصصات مختلفة، وكذلك هدفاََ للإستثمار المباشر وغير المباشر.
نسب النمو المتسارعة
من أهم الأسباب هي نسب النمو المتسارعة الكبيرة لعدد كبير من دول القارة ال 55 , وهو أمر لا يتوافر في قارات أخري، بالإضافة الي عدد السكان الكبير وهو 1.4 مليار نسمة , يمثل كل رقم منهم مشروع لمستهلكا ما لسلعة ما في وقت ومكان محدد, مما يعطي ميزة تسويقية فريدة، وكذلك القوة الديموغرافية في أفريقيا , حيث تأتي نسب الشباب في معظم دول القارة وفي مجمل عدد السكان للقارة بنسب هي الأكبر، ثم مدنية الحياة في معظم العواصم الإفريقية , فصورة إفريقيا الباهتة كما نتصورها من غابات وحيوانات وعراه وحفاة صورة خيالية في ذهن كثيرا منا، أيضا ارتفاع نسب التعليم والمتعلمين، و توافر المواد الخام علي كافة أنواعها ومصادرها, وهي نقطة جوهرية في صناعات كثيرة.
ضعف المنافسة
ضعف المنافسة لقلة عدد الشركات فلا يمكن أن تقارن عدد منافسي مشروعك أيا ما كان في دولة مثل مصر أو إيطاليا مثلا بنفس العدد في إحدي دول إفريقيا مثل تنزانيا أو الكونغو الديموقراطية علي سبيل المثال، كذلك تنوع المجالات المتاحة لريادة الأعمال وهو أمر نسبي مؤثر، و إرتفاع عوائد الربح والأعمال بالمقارنة مثلا بمنطقة الخليج بالتوازي مع إنخفاض أسعار متطلبات الحياة اليومية بالمقارنة بدول أخري مثل أوروبا مثلا.
الأسباب السابق ذكرها هي جزء من عدد لا نهائي من الدوافع التي قد تشجع رواد الأعمال في دول أخري للتفكير في البدء من هناك , وربما ليس الأمر فقط لرواد الاعمال ولكن أيضا أصحاب المهن المتخصصة مثل الأطباء أو المهندسين في مجالات مختلفة يمكنهم دراسة التفكير في البدء من هناك سواء في وظيفة مناسبة أو من خلال مشروع صغير لأنفسهم وبأنفسهم , إن حتي الأجور والمهايا هناك وعوائد ارباح المشروعات الصغيرة كبيرة بالمقارنة بدول اخري يجتهد كثيرا من الشباب في محاولة الهجرة اليها.
بقي لنا أن ندرك أن …. الفرص كثيرة … فقط علينا الدراسة الجيدة والتحلي بروح الحركة النشطة طلبا للعمل والرزق … حتي لو بعيدا هناك في أقصي القارة.
الأمنيات الطيبة ليست كافية أبدا لصنع النجاحات وتخطي التحديات
ثم بالإنتقال الي ملف فرص الإستثمار في القارة الإفريقية، نعرض فيما هو قادم رؤية خاصة لمشاكل ومعوقات الإستثمار فى أفريقيا وسبل الحل بشكل مبدئي، ويجب أن نشير إلي أن منهجية العرض بنيت علي تجارب عملية في مجالات الإستثمار والتجارة البينية في نطاقات جغرافية ممتدة وعديدة من القارة الإفريقية، وقد كانت بعض هذه التجارب مؤثرة وناجحة وبعضها مثل نتائج أقل إيجابية ومن هذا المنطلق، نوجز التالي:
بينما يتحدث العالم أجمع عن فرص عظيمة للإستثمار في قارة أفريقيا، نأتي هنا برؤية بنيت على دراسات متخصصة وخبرات طويلة في العمل في القارة السمراء لنوضح أن الأمنيات الطيبة ليست كافية أبدا لصنع النجاحات وتخطي التحديات، فعلى الرغم من الفرص العظيمة في القارة والتي لا يستطيع أي خبير أو محلل إقتصادي أن ينكرها، إلا أن التحديات عدة، وإدراك هذه المعوقات إن جاز لنا وصفها هكذا يحتاج لوقت وتفاعل على أرض الواقع بينما تأتي الحلول كتحدي أصعب.
وفي النقاط التالية وبشكل مختصر مركز وموجه ، نحدد عشرين تحدي أو معوق للإستثمار في أفريقيا، بينما في النقاط بعد التالية وبنفس درجة الإختصار والتركيز نضع بوادر حلول مقترحة للعشرين تحدي السابق الإشارة لها.
رؤية خاصة لمشاكل ومعوقات الإستثمار فى أفريقيا
يمكن تحديد أهم مشكلات ومعوقات الإستثمار فى أفريقيا فى النقاط العشرين التالية:
-غياب القوانين والتشريعات القوية التى تدعم وتيسر للإستثمار سواء الخارجى الإجنبى والمحلى الداخلى فى معظم دول القارة، وعدم توافق آليات القانون التجاري والمنظم للإستثمار في بعض الدول الإفريقية مع القوانين الأكثر إستخداما في الدول التي نجحت في إدارة ملفات إستثمار وتجارة بينية وإدارة إقتصادية جيدة لمواردها وإمكانياتها.
– البيروقراطية والروتين , وإستخدام دورات مستندية معقدة للتعامل مع الجهات الحكومية فى بعض الدول الأفريقية، وغياب الرؤية المستندية وإختلاط الأهداف الإدارية و تسيير وإدارة الملفات وبين التعقيد ورتابة الإدارة.
– الفساد والرشاوى والمحسوبية وإستغلال النفوذ, وغياب القدر المناسب من الرقابة والمتابعة من الجهات الحكومية، بينما يأخذ كل عنصر من هذه العناصر منهجا أكثر تعقيدا في دول معينة، ليصبح للفساد أنماط متعددة، وللمحسوبية وإستغلال النفوذ نطاقات غير محدودة، بينما تدرج الرشاوي في أنماط ممنهجة ومتعددة.
– انخفاض دعم الدول لحوافز الإستثمار وعدم وجود خطط استراتيجية لجذب الإستثمار الخارجى والداخلى، وعدم الإدراك الجيد والتفهم للإحتياجات الهامة سواء للمستثمر الأجنبي أو المحلي بالشكل الذي يدعم خططه في الإستثمار.
– ضعف البنية التحتية والإلكترونية فى القارة , وخاصة فى مجالات الطاقة والطرق وموانئ الشحن، وتراجع تجارة الخدمات، وتعطل آليات حركة تنقل الأفراد داخل القارة لأسباب منها ماهو أمني او قانوني.
– انخفاض معدلات الأمن والحماية فى دول كثيرة من دول القارة، بالتزامن مع صراعات متعددة، منها ماهو ثابت منذ عقود ومنها ماهو متكرر متجدد ما يلبث ان ينتهي حتي يبدأ.
– غياب الأيدى العاملة المدربة والكوادر الفنية المؤهلة، وتراجع خطط الدول في رفع القدرات البشرية، وتأهيل ثم تمكين الشباب في المراكز الإدارية والقيادية المتقدمة والمؤثرة.
– الظواهر الطبيعية والجغرافية فى بعض الدول والتى تعوق بناء المشروعات الإستثمارية، والتي تتعارض مع آليات عمل سلاسل الإمداد والتموين ونقل عناصر الإنتاج، وهي أيضا تمثل تحدي امام فكرة نقل مبادئي الصناعة والتكنولوجيا وتوطين الصناعات الإستراتيجية.
– عدم الإستقرار السياسى والإقتصادى فى بعض الدول الافريقية، ولا بوجود أصعب من هذا التحدي في تعطيل التنمية والإستثمار بالإضافة ايضا للأمن والسلم.
– إنتشار ظواهر الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة فى بعض الدول، وكذلك تنامي تحرك الجماعات الإرهابية وتداخلها في الإقتصاد والمشروعات وإدارة الأصول بهدف التربح الغير شرعي وكمصدر لتمويل محلي لنشاطها الإرهابي، ودعما للجريمة والجريمة المنظمة والجريمة عابرة الحدود وكلها تمثل غطاء داعم لنشاط العمل الإرهابي في القارة والتي تعتبر بعض دولها مسرح عمليات حر للعمل الإرهابي ضد القارة والعالم والإنسانية بصفة عامة.
– عدم وجود قواعد بيانات واضحة وقوية عن الإستثمار والإقتصاد الأفريقي.، وغياب الدعم الرقمي وحلول الرقمنة المتطورة، وتدوال منظم للمعلومة فيما بين المصدر والمستخدم.
– غياب حملات التسويق للإستثمار فى أفريقيا للعالم وهو ما يجعل أفريقيا مازالت مصير غير معلوم للكثيرين، ولا يمكن ابدا للكيانات الإقتصادية الكبري التحرك في إتجاه مجهول.
– غياب الشركات الكبرى والتحالفات الإقتصادية الأفريقية والتى تستطيع الدخول فى شراكة وتعاون مع المستثمرين الأجانب، فتكون أحد مشكلات راغبي الإستثمار او التجارة البينية في افريقيا هي ايجاد الشركاء الملائمين لطبيعة اعمالهم.
– ضعف أسواق المال والبورصات الأفريقية فى معظم دول القارة، وبصفة عامة وجود سوق مالي قوي في اي من الدول يعظم الفرص الإقتصادية ويحل جزء من مشكلات التمويل.
– ضعف العملات فى بعض البلدان الأفريقية وعدم وضوح سياسية نقدية وبنكية قوية تدعم الإستثمار وتدوال وتحرك الأموال من وإلي الدول بما في ذلك آليات التخارج أو الإفلاس.
– ارتفاع نسب الجمارك فى العديد من البلاد الأفريقية وعدم وجود توصيف دقيق للفرق بين المنتجات النهائية والمنتجات الوسيطة وعوامل الإنتاج وكذلك المنتج النهائى التام الصنع.
– عدم تطبيق الإتفاقات التجارية الثنائية او الدولية من قبل بعد الدول الأفريقية.
– ضعف قطاعي التعليم والصحة فى بعض الدول وهو ما يؤدى لنقص فى الكوادر المطلوبة فى تخصصات ومجالات معينة، وضعف الأداء الإنتاجي للموارد البشرية المتاحة، ويقترن ذلك ايضا بضعف موازنات التعليم والصحة في عدد من الدول وربما إعلاء موازنة التسليح العسكري او الأمني فوق التعليم والصحة.
– غياب التنسيق بين دول عديدة فى القارة وخاصة فى المشاريع الكبرى التى تشمل عدة دول أفريقية .
وتحتاج لقدر من تضافر الجهود، وعدم توافر سلاسل امداد وتموين ثنائية او ثلاثية علي الاقل بين عدد من الدول والتي تستطيع ادارة ملف علاقات اقتصادية متكاملة يتم فيه الربط فيما بين عوامل الإنتاج، وعملية الإنتاج وأماكن التوزيع والإستخدام.
– غياب الرؤية الموحدة وعدم وجود كيانات كبرى تدعم الإستثمار فى أفريقيا , سواء الإستثمار الأجنبى الخارجى او الإستثمار داخل القارة ما بين الدول الأفريقية بعضها البعض وتبادل المنفعة وخاصة فى مجالات التصنيع والمواد الخام وكذلك تصدير واستيراد الطاقة المشغلة و الأيدى العاملة المدربة.، وعدم وجود توصيف دقيق لآليات عمل الهيئات الإقتصادية في الدول الإفريقية.
كلما زادت التحديات كلما تعظم العائد المتوقع
مبادئ مقترحات وتوصيات لتجاوز مشكلات ومعوقات الإستثمار فى أفريقيا أو للتعاطي معها لحين التجاوز بشكل كامل او جزئي مؤثر، إذ لا يجب للمستثمر أن ينتظر لحلول جذرية لهذه المشكلات علي المدي القصير، لأن بعض هذه الأزمات هي مشكلات مزمنة تحتاج لعهود، لكن يمكن التعاطي والتكيف مع الوضع الحالي للوصول لأفضل صيغة إستثمار، ويكفي أن ندرك أنه كلما زادت التحديات كلما تعظم العائد المتوقع.
يمكن، العمل على مراجعة القوانين والتشريعات المعمول بها حاليا ومحاولة التخلص من كافة معوقات الإستثمار فى الدول الأفريقية , وإصدار قوانين إستثمار وصيغ تنفيذية معاصرة تتماشى مع تلك الصيغ والقوانين المستخدمة فى الدول ذات الريادة فى جذب الإستثمار فى العالم.
و فى مجال محاربة البيروقراطية والروتين , يقترح الإستعانة بمؤسسات دولية خارجية ذات خبرات فى هذا الشأن للتقييم والعمل على تجنب البيروقراطية والروتين، وكذلك تقوية الجهات الرقابية ووضع المزيد من الخطط من أجل إحكام الرقابة لمنع ومحاربة كافة أشكال الفساد والرشاوى والمحسوبية وإستغلال النفوذ بأشكاله السياسية والوظيفية المتعددة.
أيضا عمل دراسات متخصصة لدراسة المنح والمزايا التى تقدمها الدول المختلفة من أجل جذب وتنمية الإستثمار و اختيار المناسب منها للتطبيق، ووضع آليات لتبادل الخبرات بين دول القارة المختلفة، و العمل على تحسين البنية التحتية والإلكترونية فى القارة. وكذلك العمل على تحسين وتقوية الأمن فى القارة الأفريقية خاصة المناطق المستهدفة فى مجالات الإستثمار المختلفة، و العمل على رفع كفاءة الأيدى العاملة المدربة ووضع آليات تعاون وتبادل للخبرات بين الدول الأفريقية. بالإضافة لوضع تصور جغرافى لأهم الظواهر الطبيعية والجغرافية فى القارة والتى تعوق الإستثمار ثم عمل الدراسات الفنية والمالية و التمويلية الخاصة للتغلب على هذه العوائق إن أمكن ذلك والإدراك الجيد أن الإستقرار السياسى والإقتصادى لابد وان يظل هدفا أساسيا للدول الأفريقية وهو ما ينعكس بوضوح على معدلات جذب ونمو الإستثمار. بالتوازي مع إستخدام كافة السبل الفكرية والأيدلويجية والأمنية للقضاء على الأرهاب الذى يمثل أحد اهم عوائق الإستثمار، و إستخدام خطط علمية محترفة للوصول الى قواعد بيانات واضحة وقوية عن الإستثمار والإقتصاد الأفريقي، و تنظيم حملات التسويق للإستثمار فى أفريقيا للعالم ولا مانع من الإستعانة بخبرات عالمية محترفة فى هذا المجال، والتركيز علي تشجيع قيام الشركات الكبرى والتحالفات الإقتصادية الأفريقية والتى تستطيع الدخول فى شراكة وتعاون مع المستثمرين الأجانب ، وفي نفس الوقت العمل على رفع كفاءة أسواق المال والبورصات الأفريقية، والعمل على إصلاح السياسات النقدية والبنكية فى الدول الافريقية.
لايمكن أيضا إغفال ضرورة وضع خطط للإصلاح الجمركى مع وضع توصيف دقيق للفرق بين المنتجات النهائية والمنتجات الوسيطة وعوامل الإنتاج وكذلك المنتج النهائى التام الصنع، و مراجعة الإتفاقات التجارية الثنائية او الدولية القائمة وإصلاح او تطوير اى قصور واضح فيها.
و العمل على إصلاح وتطوير التعليم والصحة و الإهتمام بمجالات العمل المطلوبة، و وضع آليات التنسيق بين الدول فى القارة وخاصة فى المشاريع الكبرى التى تشمل عدة دول أفريقية وتحتاج لقدر من تضافر الجهود.
وبشكل عام العمل على إيجاد الرؤية الموحدة وبناء كيانات كبرى تدعم الإستثمار فى أفريقيا , سواء الإستثمار الأجنبى الخارجى او الإستثمار داخل القارة ما بين الدول الأفريقية بعضها البعض وتبادل المنفعة وخاصة فى مجالات التصنيع والمواد الخام وكذلك تصدير واستيراد الطاقة المشغلة والأيدى العاملة المدربة.
حلم ممكن
في النهاية، الإستثمار بالنسبة لدول القارة الأفريقية هو حلم ممكن، وأمل مشروع ومشروع أمل للمستقبل وضرورة لنمو وتقدم هذه الدول فيما يحقق آمال وطموحات شعوبها، فقط علينا جميعاً التكاتف ووضع الإستراتيجية الملائمة لتحقيق الأمل المنشود.
• رامي زهدي : خبير في الشؤون الإفريقية والإستثمار والتجارة البينية في القارة الإفريقية
إقرأ أيضا :
عبد المنعم ابو ادريس يكتب.. انعكاسات معركة غرب التيغراي على السودان