عشية توقيع الإتفاق الإطاري في السودان : هل سيمثل التوقيع بداية مرحلة جديدة أم حجر عثرة أكبر على طريق التحول الديمقراطي بالبلاد
القاهرة : صباح موسى
بعد ساعات يترقب الداخل السوداني توقيع الإتفاق الإطاري بين المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) غدا (الإثنين)، وذلك وسط رفض عدد كبير من القوى والأحزاب المدنية المختلفة في السودان، في وقت أعلنت فيه لجان المقاومة والحزب الشيوعي الدعوة لتظاهرات بالتزامن مع التوقيع رافضة له، وكانت قوى نداء السودان المكونة من الطرق الصوفية والإدارات الأهلية وعدد من الأحزاب الإسلامية قد أقامت تظاهرة قبل يومين، رافضة هي الأخرى للإتفاق، وتتسارع الخطى عشية التوقيع على ضرورة إقناع الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا، وحركتي العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي بالخصوص، واللذان يعلنان الرفض التام على التوقيع حتى اللحظة، بجانب رفاقهم في كتلة الوفاق الوطني بقيادة الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة جعفر عثمان الميرغني.
كما تذهب قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي للتوقيع على الإتفاق ومعها فصيل من حزب المؤتمر الشعبي، وبعض من أنصار السنة، اضافة إلى محمد الحسن الميرغني، والذي أعلن الإتحادي الأصل بقيادة أخيه جعفر الميرغني وفي حضور والدهما محمد عثمان الميرغني تجميد عضوية الحسن قبل ساعات قليلة من التوقيع مع المكون العسكري.
مفتوح للنقاش
ورغما عن تأكيدات المكون العسكري المستمرة بأن الإتفاق سيكون شاملا الجميع، وليس تسوية (ثنائية) كما يشاع عنها، إلا أن مجلس السيادة في السودان أكد في بيان له أن الإتفاق السياسي الإطاري، يشكل أساساً لحل الأزمة الراهنة بالبلاد، وأن الإتفاق سيظل مفتوحاً للنقاش، والمشاركة من الأطراف الأخرى، وصولاً لإتفاق نهائي وترتيبات دستورية انتقالية، في غضون أسابيع، ونوه البيان بأن الإتفاق يُعد تمهيداً لتشكيل سلطة مدنية تقود المرحلة الإنتقالية، وصولاً لإنتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يحكمه، بدورها قالت قوى الحرية والتغيير «المجلس المركزي»، إن الإتفاق الإطاري ستعقبه مرحلة إكمال تفاصيل بعض القضايا بأوسع مشاركة من قوى الثورة وأصحاب المصلحة، مشيرةً إلى أن مؤسسات السلطة الإنتقالية ستنشأ في فترة لا تتجاوز أسابيع محدودة.
ملامح الإتفاق
من جانبها أكدت الحرية والتغيير المجلس المركزي أن التوقيع سيكون بموعده صباح الإثنين، نافية ماتردد عن التأجيل ليوم واحد لمزيد من الحوار مع جيريل ومناوي، ورغم التسريبات الإعلامية لبنود الإتفاق، إلا أنه لم ينشر بشكل كامل حتى الآن، سوى بعض من ملامحه عن مدنية الدولة بقيادة رئيس وزراء مدني تتبع له القيادات الأمنية، والإصلاح الأمني والعسكري، والعدالة الإنتقالية ومراجعة إتفاق سلام جوبا، وتفكيك نظام البشير، وتشير المعلومات إلى أن الصياغة التي انتهت إليها مقترحات القانونيين في غرف التفاوض، جاءت كالتالي: لا يجوز اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة أعضاء قيادة القوات المسلحة أو قيادة الدعم السريع بحكم مناصبهم الدستورية بشأن أي مخالفات قانونية تم ارتكابها في الفترة من 11 أبريل 2019 وحتى تاريخ صدور هذا الدستور، بسبب فعل أو امتناع، قام به أعضاء القوات المسلحة أو أعضاء الدعم السريع، ما لم يكن ذلك الفعل أو الإمتناع موضوع المحاسبة ينطوي على اعتداء جسماني، أمر عضو قيادة القوات المسلحة أو عضو قيادة الدعم السريع منفذه بارتكابه، وبجانب قضية العدالة فإن المشروع الذي يمضي بتكتم شديد يرى الخبراء أن ذلك يمنح قوات الدعم السريع استقلالية مضاعفة عما كان عليه الحال في وثيقة الشراكة العسكرية المدنية لعام 2019، إذ يتبع الدعم السريع جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة السودانية لرأس الدولة المدني، ما يعني أن المقترح يلغي ما تبقى من تبعية الدعم السريع للقوات المسلحة، كما لم يَحسم التفاوضُ بعد — وفق مصادر- مسألةَ تبعيةِ مؤسسات الجيش لوزارة المالية، ومعلومٌ أن الجيش يتمتع باستقلالية إقتصادية لا ولاية لوزارة المالية عليها، وهو أمر كان ولا يزال مطلباً رئيسياً، وذلك وسط تصريحات متضاربة حول تأجيل القضايا الرئيسية الأربعة للإتفاق لمزيد من النقاش حولها، وأخرى تؤكد أن المركزي قد أنجز 85% من القضايا الخلافية مع العسكري، إلا أنهم لم يستطيعوا إزاحة رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي من المشهد، وسط الإستغراب عن كيفية تحقيق مدنية الدولة مع هذا الفشل في هذا الإبعاد.
إتهامات متبادلة
وسط هذا المشهد المنقسم تتبادل الإتهامات بين المكونات التي ستوقع والتي ترفض، ففي الوقت الذي تتهم فيه القوى الرافضة بسماح الموقعة للتدخل الأجنبي في البلاد، متهمة دستور تسيرية نقابة المحامين الذي تقره الحرية والتغيير المجلس المركزي بأنه صنيعة غربية، فيما تتهم القوى الموقعة الرافضة بأنهم أتباع للنظام السابق والثورة المضادة، وفي الوقت الذي يجب أن تقف فيه قيادات المكون العسكري على مسافة واحدة من الجميع، إلا أنه حتى اللحظة لم يتبين سر انحيازهم لرؤية المجلس المركزي دون غيرها، بعد شهور طويلة من العداء بينهما، أدى إلى حدوث قرارات أكتوبر المعروفة بفض الشراكة مع المركزي، رغم تأكيد المكون العسكري بأن الإتفاق سيظل مفتوحا للجميع للتوقيع عليه، إلا أن حلفاء العسكري السابقيين باتوا على شفا حفرة من إعلان العداء معه بعد الإصطفاف بجانبه ابان قرارات أكتوبر.
قراءة للمشهد
وبقراءة دقيقة للمشهد في السودان، نجد أنه منذ أن اتخذ الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، قراراته في الخامس والعشرين من أكتوبر قبل الماضي، وبمتابعة لقاءات ومشاورات عاصفة داخل الحرية والتغيير (المجلس المركزي) كان الإتفاق بعد شد وجذب بين صقور وحمائم (المركزي) خلص النقاش إلى ضرورة إنهاء الإنقلاب، بالتحرك على ثلاث محاور بالتوازي في نفس الوقت، لمحاصرة الإنقلاب من الداخل والخارج، بالحديث مع المدنيين الذين تم تصنيفهم مابين حلفاء الحرية والتغيير المركزي وهم (لجان المقاومة وأسر الشهداء والمهنيين)وهم القوى التي تتشابه معهم في الأفكار، ومع القوى التي لها وجود حقيقي على الساحة (كالاتحاديين والشعبي وغيرهم)، مع مساندة الفعل الثوري في الشارع، أما الحصار الخارجي فيكون بالحديث مع دول مثل روسيا والصين ومصر، وطمأنتهم بأن الخلاف ليس مع الجيش نفسه بل مع القيادات فقط، وأن الجيش في النهاية هو جيش السودان، هذا الفكر كان يقوده حزب الأمة، أو بمعنى أدق من مجموعة محددة بداخله، لأن هناك مجموعة أخرى كانت تعترض مثل باقي الحرية والتغيير، والملاحظ أن المحاور الثلاثة سارت في طريقها الذي رسم لها، صحيح ببطء، نتيجة التحديات التي واجهتها، إلا أنها لم تحقق النجاح المطلوب منها -كما يرى المراقبون-، فهاهي القوة الثورية بالشارع ترفض الإتفاق، حتى التي تشارك المركزي في الأفكار باتت منقسمة على بعضها، ولم يتضح حتى الآن المواقف الإقليمية والدولية حول الإتفاق، رغم دعمه من بعض القوى الإقليمية والدولية، لكن يبدو أنه هناك قوى أخرى تفضل الإنتظار لما سيسفر عنه هذا التوقيع.
تحديات كبيرة
المتابع للواقع السوداني يرى أن الإنتقال بالبلاد مازالت تواجهه تحديات جمة، وأنه رغم الإتفاق المزمع توقيعه غدا، إلا أنه يواجه اعتراضات كبيرة من قوى لها وزنها في السودان، وقد يمثل هذا الإتفاق بداية انضمام لقوى أخرى لها وزن في المشهد، إلا أن الخبراء يرون أن الضغائن الشخصية ليست بعيدة، وأن تمييز قوى على أخرى، بالتصنيف لقوى صاحبة الثورة لها الحق في رسم المشهد وانضمام الآخرون لها بعد ذلك، قد يؤخر الإنتقال في السودان، و الذي قد يواكبه سيناريوهات محتملة وغير محسوبة، وبنظرة قريبة نرى أن الحرية والتغيير المركزي تجد لنفسها الحق في ضربة البداية وقيادة الأمور، مايجعلها في مرمى الإتهام المضاد بأنها باعت دم الشهداء بالجلوس ثانية مع المكون العسكري الذي كانت تصر على اسقاطه، وعدم التفاوض والجلوس معه بعد قرارات أكتوبر والإنقلاب عليها، إضافة على إصرارها مراجعة إتفاق السلام الموقع في جوبا أكتوبر 2020، الأمر الذي ترفضه الحركات الموقعة، وتفسره على أنه تصفية حسابات لاصطفاف الحركات مع العسكري في قرارات أكتوبر وتوصيفهم من قبل المركزي بـ (القوى الإنقلابية)، في الأثناء طالت الإتهامات الآلية الثلاثية ( الأمم المتحدة- الإتحاد الأفريقي- الإيقاد) بقيادة فولكر بيرتس بأنها تتدخل وتنحاز للمركزي، وتتخطى دورها في مجرد تسهيل العملية السياسية بالبلاد، في المقابل يلاحظ أن المكون العسكري يعلن قرارات يراها البعض أنها متناقضة من الإنقلاب على المركزي في أكتوبر، مرورا بالإنسحاب من العملية السياسية تماما، انتهاءا بالعودة للتوقيع معهم مرة أخرى، وسط حالة ظاهرة من التباينات في قيادة المؤسسة العسكرية بين رئيسها الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يراه البعض خلاف بين الرجلين، ويراه آخرون ربما مناورة سياسية لمزيد من السيطرة على المشهد السياسي.
الخلاصة
الخلاصة أن حلول الأزمة السياسية في السودان بعد ثورة ديسمبر قد تكون واضحة ومعلومة للجميع من الفرقاء، وأن الفروق قد تكون بسيطة في رؤية كل طرف، ويمكن تقريب وجهات النظر بينها لو توفرت الإرادة السياسية الخالصة للجميع من أجل الوطن، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في أصحاب الرؤى والحلول، والخلافات التي لا تخلو من (الشخصنة) فيما بينها، وينبغي على المكون العسكري أن يكون رمانة الميزان في هذه الأزمة، وأن يظل حارسا أمينا للمرحلة حتى يتم بلوغ التحول الديمقراطي المنشود بالبلاد. ليبقى السؤال هل سيمثل توقيع الإتفاق الإطاري بداية إنطلاقة لحل الأزمة السياسية، أم أنه سيكون حجرى عثرة جديد على طريق التحول في السودان؟ .
إقرأ أيضا :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.