أبي أحمد في الخرطوم : « أفرو نيوز 24 » تقدم قراءة لأسباب الزيارة ومآلاتها ومغزى التوقيت
هل أتى رئيس الوزراء الإثيوبي لانهاء الخلافات مع الخرطوم .. وهل سيستطيع حل الأزمة السودانية أم جاء لموطئ قدم وسط المبادرات ؟
القاهرة: صباح موسى
وصل رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي احمد إلى العاصمة السودانية الخرطوم اليوم (الخميس)، في زيارة يعيش فيها السودان تعقيدات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية بالغة، في وقت يشهد فيه الداخل الاثيوبي تعقيدا لا يقل بأي حال عما يحدث في السودان، كما تطغى على الزيارة ثلاثة ملفات متداخلة تشمل سد النهضة والخلافات الحدودية، إضافة إلى الأزمة السياسية في السودان.فما هو مغزى زيارة آبي أحمد للخرطوم في هذا التوقيت، وهل أتت لتسوية الخلافات بين الخرطوم وأديس أبابا، أم جاءت في اطار المبادرات الإقليمية التي ربما تراها اثيوبيا تقاطعا لمصالحها في السودان؟
(أفرو نيوز 24) تبحث في التقرير التالي أسباب الزيارة ومآلاتها على السودان وعلى البلدين والمنطقة.
توقيت الزيارة
بداية تأتي زيارة أبي أحمد للخرطوم في وقت يعيش فيه البلدان أوضاعا اقتصادية وسياسية وأمنية داخلية معقدة، ففي حين يواجه ابي أحمد تداعيات الحرب في إقليم تيجراي التي ألقت بتبعات أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة على إثيوبيا بالرغم من الهدوء النسبي الذي ساد الإقليم في أعقاب توقيع اتفاق سلام بين الحكومة الإثيوبية ومقاتلي جبهة التيغراي في أكتوبر 2022، وفي الجانب الآخر يعيش السودان أزمة سياسية في ظل الاحتجاجات المستمرة المناوئة للإجراءات التي اتخذها البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر قبل الماضي، والتي ألغت الشراكة التي كانت قائمة بين المدنيين والعسكريين منذ توقيع اتفاق الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019، والذي كان أبي أحمد أحد الوسطاء الرئيسيين له، ولعب أبي أحمد دوراً في ذلك الوقت في التوفيق بين المدنيين والعسكريين عقب ثورة ديسمبر، وأحداث فض اعتصام المدنيين من أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، وقادت بلاده وساطة أفضت إلى توقيع الوثيقة الدستورية التي تكونت بموجبها الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
أجندة الزيارة
كما تأتي الزيارة في وقت شهدت فيه العلاقة بين البلدين توترا ملحوظا على مدى العامين الماضيين، وشكلت الملفات الثلاثة أبرز محاور العلاقة بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، وتسبب ملفا سد النهضة والأزمة الحدودية في حالة من التوتر بين الجانبين، لكن منذ آخر لقاء بين أبي أحمد ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مدينة بحر دار الإثيوبية في منتصف أكتوبر 2022، سادت علاقة البلدان حالة من التهدئة.
وفي العام الماضي شهدت الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا توترا متصاعدا على إثر هجمات نفذتها مجموعات إثيوبية مسلحة تقول أديس أبابا إنها عصابات خارج سيطرتها، ونتيجة لتلك التوترات وقعت عدة اشتباكات راح ضحيتها عدد من المدنيين والعسكريين السودانيين.
قضايا الخلاف
من جانبها اعتبرت إثيوبيا الاشتباكات استغلالاً لظرف الحرب التي كانت تدور رحاها بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، فيما اعتبر السودان العمليات التي خاضها جيشه «مشروعة» وداخل أراضيه، والهدف منها استعادة منطقة «الفشقة» التي تسيطر عليها ميليشيات إثيوبية منذ أكثر من ربع قرن.
وظلت العلاقات متوترة بين البلدين لأكثر من عامين، بيد أن اللقاء الذي جمع البرهان وأحمد في مدينة (بحر دار) الإثيوبية في أكتوبر الماضي، في أثناء مشاركة الأول في (منتدى تانا حول قضايا الأمن والسلم في أفريقيا)، أدى بحسب تقارير صادرة عنه وقتها، إلى تعزيز إمكانية التوصل إلى اتفاق لحل القضايا المتعلقة بسد النهضة وقضايا الحدود عبر الحوار، ما أسفر عن انفراج نسبي في علاقات البلدين.
تساؤلات مطروحة
التساؤلات التي تطرح نفسها هنا هل سيستطيع أبي أحمد انهاء الخلاف الحدودي مع السودان في منطقة الفشقة، وكيف سيتعامل الرجل مع أطماع إقليم الأمهرة في المنطقة، وهل سيستطيع التوفيق بين انهاء الخلاف مع الخرطوم وأطماع الأمهرة، أم أنه جاء للسودان بهدف حل الأزمة السودانية، كي ينسى السودانيون أزمة النزاع الحدودي ولو بشكل مؤقت، إلى أن يستطيع توفيق أوضاعه الداخلية، مع ضمان بعض الولاء السوداني الداخلي لأديس أبابا يجعل الوضع كما هو عليه في الفشقة قبل الاشتباكات العسكرية بين البلدين؟، وما الذي يجعل لأبي أحمد أحقية حل الخلافات السودانية في الوقت الذي رفض فيه من قبل وساطة السودان في نزاعه مع إقليم التيجراي، رغم قبوله لجنوب أفريقيا وغيرها للتدخل في هذه الوساطة، وإلى أي مدى سينسحب ذلك على ملف سد النهضة، هل سيوافق أبي أحمد على التوقيع على إتفاق قانوني ملزم قبل الملء الرابع للسد، هل سيقوم بتبادل المعلومات مع السودان قبل التخزين القادم، أم أنها مجرد تصريحات تطمينية يطلقها الرجل دون خطوات عملية في هذا الملف؟
لقاء القمة
فور وصول آبي أحمد للخرطوم، عقد البرهان معه قمة ثنائية صباح اليوم (الخميس)، وتناولت القمة العلاقات الثنائية بين البلدين ، وسبل دعمها وتطويرها وتعزيز التعاون المشترك بين الخرطوم وأديس أبابا، بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، وبحثت القمة سبل تقوية آليات التنسيق المشترك بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك، إقليمياً ودولياً، وأعرب البرهان عن شكره وتقديره لزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى السودان، والتي تأتي في إطار العلاقات المتميزة بين البلدين، إلى ذلك عبّر آبي أحمد عن سعادته بزيارة السودان، مشيراً إلى عُمق ومتانة العلاقات السودانية الإثيوبية، وحرص بلاده على دعمها وتطويرها.
تعزيز العلاقات
في الوقت نفسه استقبل نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان حميدتي رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي، وبحث اللقاء العلاقات الثنائية الوثيقة بين السودان وإثيوبيا وسُبل تطويرها وتعزيزها بما يخدم مصالح شعبي البلدين وشعوب المنطقة، الى جانب التطورات السياسية الراهنة التي يشهدها السودان والمنطقة، وأعلن حميدتي ترحيبه بزيارة آبي أحمد للسودان، مؤكداً أزلية واستراتيجية العلاقات بين البلدين، بحكم الروابط الأخوية العميقة، والحرص المتبادل على تعزيزها وتطويرها بما يحقق المصلحة المشتركة للدولتين، وأكد ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق المُشترك بين الجانبين في المحافل الإقليمية والدولية، إلى جانب العمل على ترقية وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية لمصلحة البلدين ودول المنطقة، وقدم حميدتي، شرحاً مفصلاً حول التطورات السياسية الراهنة التي تشهدها البلاد، والجهود المبذولة على ضوء الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي، معلناً التزامهم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه لتحقيق الاستقرار في البلاد، مشدداً على ضرورة تعاون الأطراف على تنفيذ الاتفاق لتجاوز الأزمة السياسية واستكمال الفترة الانتقالية، إلى ذلك، أعرب رئيس الوزراء الإثيوبي، عن سعادته البالغة لزيارة السودان، مؤكداً عمق ومتانة العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، بحكم الجوار والاحترام المتبادل الذي يرتكز على التعاون والتنسيق المشترك في المجالات كافة، مؤكداً حرص بلاده على استقرار السودان الذي يشكل دعامة أساسية لتحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة، لما يتمتع به من إمكانات كبيرة في المجالات كافة، مشيراً الى تطلعهم لتعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وساطة أبي أحمد
آبي أحمد جاء للخرطوم ليقود وساطة جديدة لحل الأزمة السياسية السودانية، والتقى القوى المدنية المختلفة في السودان ريثما ينجح فيما فشلت فيه وساطته من قبل وأدت إلى توقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين المدني والعسكري في عام 2019، وقد يكون لخلق دور لأديس أبابا يساعدها في خلق علاقات استراتيجية بين البلدين، وربما جاء آبي أحمد وفي مخيلته قطع الطريق على المبادرة المصرية التي أعلنتها القاهرة مؤخرا بين الفرقاء السودانيون، ما يؤكد صحة هذا السيناريو هو توقيت زيارة أبي أحمد نفسه للخرطوم، والتي جاءت بعد المبادرة المصرية، ولم تأتي بعد توقيع الإتفاق الإطاري أو بعد المبادرات الإقليمية والدولية المختلفة بالسودان.
لقاءات مختلفة
وبالفعل التقى وفد من لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية بقوى الحرية والتغيير أبي أحمد، وشرح وفد الحرية والتغيير، تطورات الوضع الراهن في السودان بعد توقيع الاتفاق الإطاري وبداية المرحلة النهائية من العملية السلمية، وأعرب رئيس الوزراء الإثيوبي، دعمه لكل ما يتوافق عليه أهل السودان، واستعداده لتقديم كل السند لما ستسفر عنه العملية السياسية، مُشدداً على أهمية أن تكون العملية سودانية بالكامل دون السماح لأي طرف خارجي بالتدخُّل أو فرض أي حلول، في خاتمة اللقاء، رحب رئيس الوزراء الإثيوبي بزيارة قيادات الحرية والتغيير للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في أقرب وقت ممكن، للقائه وتعميق الحوار في هذا الوقت المفصلي الذي يمر به البلدان.
دعم التوافق
وقال الأمين السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وعضو تحالف (الكتلة الديمقراطية) معتز الفحل، إن لقائهم الخميس برئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد، تطرق إلى موقف الكتلة من العملية السياسية، وأوضح الفحل في تصريحات صحفية أن آبي أحمد أكد على دعم اي عمل سياسي يحدث التوافق بين السودانيين، وأضاف أن الكتلة الديمقراطية شددت على ضرورة حوار سوداني-سوداني شامل من دون إقصاء، وذكر بأن الكتلة مع عملية سياسية تشمل كافة السودانيين، تتطرق لمناقشة قضايا المجتمعات بدأ من إرتفاع تكاليف المعيشة، وهياكل الحكم، والسلام، مشيرا الى انهم على استعداد تام للوقوف على كافة المبادرات الداعمة لاستقرار السودان، باعتبار انه بلدله تأثير على بقية دول المحيط الاقليمي.
حل الأزمة
كما إلتقى رئيس الوزراء الإثيوبي وفد من كتلة التراضي الوطني برئاسة مبارك الفاضل وكتلة الحراك الوطني برئاسة التيجاني سيسي، وقال مبارك الفاضل في تصريح صحفي إن اللقاء تطرق للأوضاع السياسية بالبلاد، مبينا أن الوفد قدم شرحاً لرئيس الوزراء الإثيوبي متضمنا رؤية الكتلة لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد، وأضاف أنه لا ينبغي أن تكون الفترة الإنتقالية ساحة للصراعات والتجاذبات بإعتبار أنها فترة يجب أن تكون جسرا للإنتقال نحو حكومة منتخبة. مشيرا إلى الفشل الذي لازم الفترة الإنتقالية، وقال ينبغي على أهل السودان أن يتفقوا علي صيغة لحكومة مستقلة تقود لإنتخابات، وأبان أن رئيس الوزراء الإثيوبي أكد خلال اللقاء على قدرة السودانيين على حل مشاكلهم بأنفسهم. معربا عن شكره لرئيس الوزراء الإثيوبي على حسن نواياه تجاه السودان. وأضاف أن أبى أحمد تحدث لهم عن التجربة الإثيوبية في حل الخلافات من خلال جمع كل الأطراف في حكومة وحدة وطنية تقود إثيوبيا حاليا، من جانبه أوضح التيجاني سيسي رئيس كتلة الحراك الوطني أن الوفد طرح بعض المؤشرات التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة السياسية في السودان، مبينا أن ما يحدث في البلاد أمر مثير للقلق خاصة في ظل الإستقطابات السياسية والجهوية والقبلية التي تشهدها البلاد، وأضاف أنه بمقدور السودانيين أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه حل قضايا الوطن، وقال إن الظروف الحالية التي يمر بها السودان لاتمكن أي طرف بحكم السودان بمفرده وإقصاء الآخرين، وقال الثلاثة أعوام الماضية قد أثبتت هذا القول، مبينا أن السودان وطن يسع الجميع وأن الكل شركاء في الهم الوطني، مؤكدا أهمية التوافق حول برنامج لإدارة الفترة الإنتقالية.
أبي أحمد التقى أيضا الآلية الثلاثية (الإتحاد الأفريقي- الأمم المتحدة- الإيقاد)، وكذلك وفد من لجان المقاومة، فما هي فرص آبي أحمد في لم الشتات السوداني في هذا التوقيت، وهل تنجح مساعيه هذه المرة فيما فشلت فيه سابقا، وهل ستتجاوب الحرية والتغيير المجلس المركزي مع مساعي أبي أحمد، وكيف سيفسر المراقبون قبول مركزي الحرية والتغيير لهذا المسعى، في الوقت الذي رفضت فيه المساعي المصرية؟
سد النهضة
الدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ترى من جانبها أن زيارة أبي أحمد للخرطوم تتأتي في المقام الأول لسد النهضة، وذلك في إطار التطورات المتعلقة لجولة وزير الخارجية الصيني، وزيارة وزير الموارد المائية والري للخرطوم موخرا.
وقالت الطويل لـ (أفرويونيوز 24) : إننا على وشك الملء الرابع لسد النهضة، وهناك تفاهمات في هذا الصدد، مضيفة ربما يكون هناك نوع من التفاهم بين القاهرة والخرطوم يمكن أن تنقل للطرف الإثيوبي، وتابعت أشك أن تكون الزيارة مرتبطة بالمعادلات السياسية الداخلية في السودان، لتعقد الأوضاع، وعدم مقدرة إثيوبيا، ومقدرة أي طرف في تحقيق اختراق في هذه الأوضاع، ولفتت أن المسار المصري في الأوضاع السودانية ليس مستقرا حتى اللحظة وحوله جدل كثير.
وقالت “إن إثيوبيا ترى داع في تدخلها في هذه الأوضاع، كما ترى مصر أيضا.
تصفير المشاكل
أما إبراهيم ناصر الخبير السوداني في القرن الأفريقي فيرى من جهته أن أبي أحمد يتحرك بعد تصفير مشاكله الداخلية، وقال ناصر لـ (أفرونيوز 24) أعتقد أن رئيس الوزراء الإثيوبي يتحرك في المشهد السوداني برغبة من البرهان نفسه، مضيفا أن أبي أحمد لا ينسى قضايا الحدود في زيارته، وقد صرح بأنه يسعى للحل بمراجعة الاتفاقيات التاريخية وأن هذا قد يكون مطمئنا للخرطوم، مشيرا أن أوضاع أبي أحمد الداخلية مازالت غير مستقر، وأنه مازالت هناك محاولات للإنقلاب عليه، مضيفا أنه يحاول تحييد الخرطوم برفع يدها عن أوضاعه الداخلية .
وعن سد النهضة قال إن تصريح البرهان بتطابق الرؤى مع اثيوبيا في الملف يعكس أن هناك تفاهمات، منوها إلى أن هناك وساطة اماراتية ولقاءات سرية في هذا الموضوع تجرى في الفترة الأخيرة بعيدة عن الإعلام، وتابع ” من الضروري أن يروج لاسطوانته (المشروخة) بأن السد مفيد للسودان، لافتا إلى أن مصر قد تأهبت لمضار سد النهضة، خصوصا أن عمليات التخزين السابقة للسد جاءت خجولة.
إقرأ المزيد :
بالصور .. رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد يصل السودان في زيارة رسمية
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.