رواية البوسطي هل ظلمت مصلحة البريد ومثقفي الصعيد- وثيقة تاريخية
هل صورت رائعة الأديب الكبير يحي حقــي ” البوسطجي ” أهل الصعيد ومصلحة البريد في صورتهم الواقعية في تلك الحقبة؟ أم أنه كان هناكـ واقع أخر مختلف عما سرده حقي في روايته، التي تحولت الي عمل درامي بطولة شكري سرحان، وزيزي مصطفي، والتي صور فيها مصلحة البريد في ذلك الوقت مصلحة مهملة وموظفوها لم يكونوا علي قدر المسؤولية والأمانة، بل إرتكبوا مخالفات أخلاقية ومهنية لا تغتفر، كما صورت أهل الصعيد بأنهم أُناس جهلاء ليس من بينهم رجل رشيد.
كشف شاعر العامية أحمد محمود محمد عبد النعيم سليم كراع، عن وثيقة تعود الي عام 1928، كانت عبارة عن خطاب مرسل من مصلحة البريد المصري، الي جده الذي كان يعيش في أقصي جنوب الصعيد، وبالتحديد في قرية “كيمان المطاعنة” مركز اسنا محافظة الأقصر” تعتذر وتتأسف له فيها عن التقصير الذي حدث من موظفها أو ساعي البريد أو ” المتسفر” كما كان يسمي في ذاك الوقت والذي لم يسلمه مظروف بريدي خاص به.
قال الحفيد أحمد أن جدي محمد عبد النعيم سليم كراع ،كان رجل متعلم ومثقف ودائم الاطلاع وممن درسوا في الجامع الازهر، وبالرغم من أنه كان كفيفاً ويسكن في قرية بمنطقة نائية، الا أن الصحف والمجلات والمطبوعات كانت تأتيه بشكل منتظم فيجلس في ديوان العائلة، ويقرأ له أحد أبناءه، ولأفراد عائلته والعائلات الأخرى الصحف والمجلات والجديد من المطبوعات، فكانوا علي دراية تامة بكل ما يدور من حولهم في متخلف مناحي الحياة، من أحداث سياسية وحركة ثقافية وعلمية وغيرها، لكن ذات مرة لم يصله العدد الجديد رقم 105 من جريدة الفتح التي كانت تصدر كل يوم جمعة في ذاك الوقت، ووصله العدد 104 بدلا من العدد الجديد.
ويضيف أن جده لم يسكت عن هذا الخطأ، فأرسل شكوي لمصلحة البريد، يشكوها بأنها أرسلت له عدد قديم، فما كان من مصلحة البريد الا أنها فتحت تحقيقاً في الشكوي، وأجرت تحرياتها، وتواصلت مع إدارة الجريدة، التي أقرت بدورها أنها أرتكبت خطأ، وهو أنها أرسلت العدد 104 الذي سبق وأن وصله بدلا من العدد 105 وهو معنون بخط كاتب إدارة الجريدة، لذا فقد أرسلت خطاب تتأسف فيه عن الخطأ، موقع عليه من أربعة من كبار المسؤولين بهذه المصلحة ومختوم بخاتم رئيس المصلحة محمد فؤاد في ذاك الوقت.
ويقول أن وقائع ما حدث تخالف ما جاء في رواية الأديب الكبير يحي حقي، من أن الصعيد كان مرتعا للجهل وأن موظفي مصلحة البريد كانوا ليسوا علي قدر المسؤولية، رغم أن رواية “البوسطجي” تم انتاجها في فيلم عام 1968 وواقعة جدي المولود 1888 كانت قبلها بنحو 40 عاماً، وأن ابناءه الثلاثة حصلوا جميعاً علي درجة العالمية من الأزهر الشريف والتي تعادل الآن درجة الماجستير، لذا فإن هذه الوثيقة تعتبر صفحة بيضاء في تاريخ البريد المصري الذي عرفته مصر بشكل الحديث عام 1865 .