آسيا العتروس تكتب : اجتماع حاسم للتعاون الخليجي لإنهاء عزلة سوريا.. ديبلوماسية الكوارث تأتي أكلها؟
إذا لم يحدث طارئ يمكن أن يعطل ذلك أو يؤجل الأمر فقد بات جليا أن عنوان القمة العربية المرتقبة في التاسع عشر من ماي القادم في العاصمة السعودية الرياض سيكون تحت شعار “عودة سوريا الى الجامعة العربية” ، لتستعيد على الأرجح دمشق مقعدها الذي ظل شاغرا منذ اثني عشرة عاما منذ بداية الأزمة في هذا البلد وتوجه اغلب الدول العربية إلى قطع العلاقات مع سوريا بعد تعليق الجامعة عضويتها في نوفمبر 2011 في أعقاب مؤتمر أصدقاء سوريا بتونس بحضور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون آنذاك.
المثير في خضم تطورات الأحداث المتلاحقة أن الجامعة العربية التي كانت صاحب القرار في تعليق عضوية سوريا تقف اليوم خارج الأحداث وتغيب عن كل الجهود واللقاءات الديبلوماسية تماما كما غابت عن كل الأزمات في العالم العربي طوال السنوات الماضية .
وقد حافظت بعض الدول بينها سلطنة عمان والجزائر عل علاقاتهما مع سوريا وحاولت الجزائر التي احتضنت القمة الأخيرة، في نوفمبر الماضي أن تستعيد سوريا موقعها انطلاقا من الجزائر وسبق للرئيس تبون أن أعلن ذلك ولكن الجزائر وجدت صدا من بعض الدول التي اعتبرت أن المسألة لم تنضج بعد.
مجلس التعاون الخليجي يحسم اليوم بشأن إنهاء عزلة سوريا
والأرجح أن العناوين الكبرى ستتضح أكثر مع اختتام أشغال مجلس التعاون الخليجي اليوم لحسم هذه المسألة وتقريب المواقف المترددة إزاء هذه العودة. وحتى لا نستبق الأحداث فقد وجبت الإشارة إلى أن مجلس التعاون الخليجي عقد اجتماعا في مدينة جدة بمشاركة كل من مصر والعراق والأردن.
الاجتماع يأتي على خلفية حراك ديبلوماسي على أكثر من جبهة تمهيدا لهذه العودة لا سيما وأن لقاءات مكوكية سجلت منذ إعلان عودة العلاقات المبتورة بدورها بين إيران والسعودية كان للصين فيها دور الوسيط في تقريب المواقف بين القوتين المتنافستين في المنطقة.
والأرجح أن رياح التغيير التي بدأت تهب على المنطقة لن تتوقف عند حدود عودة الجسور بين طهران والرياض ولكنها ستمتد الى العلاقات الخليجية الخليجية بعد إعلان قطر والبحرين أمس عودة العلاقات بينهما بعد انقطاع دام سنتين والعلاقات الخليجية العربية .
كثيرة إذن كانت اللقاءات الديبلوماسية والمواعيد التي من شأنها أن تحول الأنظار باتجاه السعودية التي بات واضحا أنها بصدد إرساء ديبلوماسية جديدة خليجيا وعربيا وحتى دوليا في محاولة للاستثمار في التحولات المتسارعة في العالم والاستفادة من دروس وتداعيات جائحة الكوفيد ولكن الاستفادة بشكل خاص من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيراتها على مختلف شعوب العالم بدأت باحتضانها القمة العربية الصينية والتوجه شرقا وبحث عن آفاق شراكات اقتصادية جديدة دون أن تتخلى عن شركائها وحلفائها في أمريكا وأوروبا.
ولاشك أن في تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد زيارته الى الصين ثم الى هولندا وتأكيده على أهمية استقلالية أوروبا عن القرار الأمريكي ما يؤشر الى أن لعبة المصالح لا يمكن أن تكون ثابتة وان دائرة الحلفاء ترفض الجمود ومعاداة التجديد .
ديبلوماسية الكوارث تأتي أكلها
لا خلاف أيضا أن الكارثة التي هزت سوريا وتركيا في السادس من فيفري الماضي بعد الزلزال المدمر الذي خلف عشرات آلاف من القتلى والجرحى والمشردين قد ساعد في دفع عجلة التطبيع وإحياء ديبلوماسية التضامن الإنساني ومواجهة تداعيات الكارثة التي ما كان لأي بلد بمفرده التعاطي معها فكانت للمساعدات الإنسانية والجسور الجوية التي فتحت لإغاثة سوريا المنكوبة في محنتها التي فاقمت معاناة حرب العقد الأخير وأعادت الوعي العربي المفقود بان هناك شعبا سوريا وهو جزء من العالم العربي يموت تحت الأنقاض ويحتاج الى يد المساعدة والأكيد أن للمنظمات الإنسانية الدولية وفرق الإغاثة والإعلام العربي والدولي قد ساهم في تسليط الضوء على محنة سوريا والتخفيف من آلام السوريين .
مقداد في الرياض
لعله من المهم الإشارة إلى دور فيصل مقداد وزير الخارجية السوري الذي خلف الراحل وليد المعلم في هذا المنصب بعد وفاته وهو من الديبلوماسيين السوريين الذين رافقوا الأسد الأب ثم الأسد الابن ولعل من سبق وحاوره يعرف طبيعة الرجل الهادئة وعدم ميله للثرثرة ورصانته أيضا في التصريح بمواقفه وهو يقود اليوم الديبلوماسية السورية وقد تزامنت زيارة وزير الخارجية السوري الى السعودية وهي الأولى لمسؤول سوري منذ 2011 تزامنت مع زيارة وفد من الجمهورية الإسلامية للرياض.
وقبل ذلك كان للديبلوماسي السوري زيارة إلى مصر هي الأولى منذ عشر سنوات ويفترض أن يزور الوزير السوري الجزائر وتونس مطلع الأسبوع القادم علما وأن عودة العلاقات بين تونس وسوريا دخلت مراحلها الأخيرة مع إعلان العاصمتين التونسية والسورية تبادل السفراء بعد سنوات من القطيعة وكان الدكتور فيصل علوني آخر سفير سوري في تونس قبل القطيعة بين البلدين.
والأكيد أن عودة هذه العلاقات قد تساعد على فتح وكشف الكثير من الملفات المتداخلة والمتعلقة بقضايا التسفير وبالأطراف التي ساهمت ونظمت هذه العملية والأرجح أن سوريا لديها كل المعطيات والأرقام حول التونسيين الذين انضموا الى جماعات إرهابية وقتلوا في سوريا أو الذين مازالوا قيد الأسر والذين يمتلكون كنزا من المعلومات .
نتائج اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي ستكون حاسمة في إقرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها منذ 2012، وذلك قبل شهر من انعقاد القمة العربية.
طبعا ليس من المتوقع نشر كل ما يحدث خلف الكواليس من مشاورات أو مكاشفات في مثل هذه اللقاءات سيتم نشره ولكن من الواضح أن بيان الخارجية السعودية عن للقاء الذي جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله ونظيره السوري فيصل مقداد يوحي بأن العقبات التي كانت تمنع هذا التقارب تتجه إلى الزوال ونقصد بذلك الموقف القطري غير المتحمس لعودة سوريا إلى محيطها العربي.
والأرجح أن السعودية لن تغامر بطرح المسألة على دول مجلس لتعاون لولا وجود ضمانات بدعم الجهود السعودية في هذا الاتجاه.
ويبدو أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى سلطنة عمان والإمارات ساهمت قبل ذلك في تهيئة المناخ وتعديل المواقف في جزء من الدول الخليجية التي كانت تجاهر بدعم المعارضة السورية وتطالب بإسقاط نظام الأسد الذي تمكن من البقاء والصمود على عكس بقية زعامات ما سمي بدول الربيع العربية ومنها مصر وليبيا واليمن وتونس ومن لم يمت مقتولا كما هو حال الرئيس اليمني عبد الله صالح والزعيم الليبي القذافي فقد مات أسيرا ، كحال الرئيس المصري مبارك الذي أفرج عنه قبل فترة من وفاته ، أو منفيا كحال الرئيس زين العابدين بن علي الذي توفي ودفن في السعودية التي لجأ إليها ، وقد تمكن الأسد من البقاء والصمود بدعم من روسيا وإيران.
بعد الاتفاقات هل تأتي القرارات؟
في إطار هذه التحركات وما يمكن أن يؤول إليه المخاض الديبلوماسي الحاصل فإن الحديث عن تقارب سعودي – إيراني وتقارب سعودي سوري من شأنه أن يدفع للتساؤل عن مصير الحرب المستمرة في اليمن والتي لا نكشف سرا إذا اعتبرنا أن اليمن تحول بمقتضاها الى ساحة مفتوحة لحرب بالوكالة بين الرياض وطهران على خلفية النفوذ الإيراني في اليمن والدعم الإيراني للحوثيين الذين ظهروا في المشهد منذ 2014 وكانوا يد إيران الطويلة في اليمن البائس الذي دفع ثمن هذه الحرب المدمرة الذي يصنف اليوم كأكبر كارثة إنسانية في العالم، بما يعني أن إنهاء هذه الحرب العبثية مسألة مصيرية في تعافي اليمن وتعافي بقية دول المنطقة ، وكانت الإمارات بعد خسائرها البشرية والعسكرية فهمت الدرس وانسحبت مبكرا من الصراع اليمني أو هذا على الأقل ما يبدو من خلال تراجع التحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ 2016 .
وربما يكون لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المرتقبة الى الرياض ما يعزز هذا التوجه لإنهاء الحرب في اليمن والخروج من دائرة الصراعات الدموية والاستنزاف الذي خلف أجيالا لم تعرف غير الفقر والتخلف والمجاعات والضياع.
الى هنا تبقى كل الاتفاقات مجرد تطلعات معلقة إذا لم تتجسد على ارض الواقع لتغبي وإصلاح وتطوير ما يستوجب الإصلاح والتغيير والتطوير في عالم لا مكان ولا حظ ولا مستقبل للمستضعفين والمتخلفين عن التحولات الدولية الكبرى .
هل سيتجه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الى سوريا في الأيام القليلة القادمة؟
الأمر مرتبط بما ستؤول إليه اجتماعات مجلس التعاون اليوم وما إذا سيتم دعوة سوريا لحضور إشغال قمة الرياض المقرر عقدها في الـ19 من ماي المقبل ستكون محطة إضافية باتجاه تضييق الخلافات والصراعات والتوجه نحو التفكير جديا نحو إيقاف النزيف وطي صفحة مثقلة بالخسائر والكوارث والأزمات وهذا ليس نهاية المطاف في الحقيقة لان الأصعب والأعقد في ما ينتظر الجميع من اختبارات وتحديات تستوجب إصلاح العقليات وكسب معركة الفكر والعلم والتأسيس للمجتمعات الحرة وإعادة بناء ما فسد ولكن أيضا في استيعاب أسباب كل الزلازل التي هزت المنطقة العربية ودكتها دكا لتحولها الى أثر بعد عين .
* آسيا العتروس .. كاتبة تونسية