السفير الدكتور صلاح حليمة يكتب : فرص و آفاق تسوية الأزمة السودانية
فى اليقين ، يتمحور جوهر الصراع الدائر حاليا بين طرفى المكون العسكرى ، حول الصراع على السلطة والسيطرة والنفوذ ، فى معادلة صفرية، وينال بالقطع حال إستمراره على هذا النحو ، من الحياة والوجود لشعب السودان ومؤسساته الوطنية ، ويهدد وحدته واستقلاله وسلامة أراضيه ، وقد يطال دول الجوار بمخاطر جسيمه أمنية وإقتصادية وإجتماعية .
فى اليقين ، أيضا أن أى من طرفى المكون العسكرى المتحاربين ، لن يجنى حتى لو كان منتصرا أى ” مكسب سياسي أو سلطة أو نفوذ يرنو اليه ” ، على خلفية ما توافق علية الشعب السودانى منذ ثورته وحتى الآن بصدد وضعية المؤسسة العسكرية فى إطار الحكم المدنى الديمقراطى المنشود ، سواء فى المرحلة الانتقالية أو بعدها ، حيث أن الصراع الحالى يتسم بطبيعه مزدوجه إحداها صراع شخصى لحد ما بين قيادتى المكونين ، والآخر صراع ” البقاء منفردا كمؤسسة عسكرية وطنية ” للقوات المسلحة ، أو لقوات الدعم السريع كمكون عسكرى مستحدث فى هياكل الدولة ومؤسساتها الوطنية .
فى ظل طبيعة الصراع الدائر حاليا فى السودان ، من جوانبه العسكرية والسياسية المعقدة ، وحجم وطبيعة وقوة طرفى المكون العسكرى وتوازن القوى بينهما ، خاصة وأن الصراع اقرب لحرب المدن ، يتعذر التوصل الى إتفاق لوقف اطلاق النار بمراحل متتالية ، بعد صعوبة الالتزام الكامل بما تضمنه اعلان جدة كمرحلة أولى تتعلق بمعالجة الاوضاع الانسانية المتدهورة . تواصل الصراع على هذا النحو يدفع السودان نحو حرب أهلية ، وحالة من الفوضى ، تطال وحدة السودان وسلامته الاقليمية ، خاصة وأن فى ولايات الاطراف السودانية تخوفات من توجهات إنفصالية تطالب بتقرير المصير ، وربما بتأثير قوى خارجية ، فضلا عما يصيب دول الاقليم وخاصة دول الجوار من مخاطر أمنية وسياسية واقتصادية جسيمه.
قد يكون من المناسب أن تتم معالجة الأزمة السودانية فى إطار رؤية شاملة لها قوة الإلزام على الأطراف السودانية وتعالج الأزمة من كافة جوانبها وليس على مراحل ، بأن تتم معالجة الاوضاع الانسانية فى ” تواز مع إستئناف العملية السياسية “على خلفية الأخذ ” بمبدأ الشمولية ” ، بأن يمتلك السودانيون العملية السياسية بأنفسهم ، وتكتسب قرارتهم بالتوافق قوة الإلزام إستنادا إلى الشرعية الثورية للشعب السودانى.
تقتضى الشمولية أن يكون المجتمع السودانى بكافة مكوناته ـ وليس جزءا منه ، صاحب القرارات ومصدرها لتكتسب صفة الإلزام والتنفيذ بدعم إقليمى ودولى، وأن تكون الآليات الميسرة الإقليمية والدولية شاملة للدول والمنظمات المعنية بالشأن السودانى بحكم حجم المصالح ، ولدرء المخاطر .
وفى هذا الصدد أولا ، تفعيل دور دول الجوار وخاصة مصر وجنوب السودان وتشاد بالإنضمام الى ” آلآلية الرباعية للدول “السعودية والامارات وبريطانيا والولايات المتحدة ” أو إحكام عملية التنسيق والتشاور بينهم ، وثانيا ، تفعيل دور الآلية العربية وهى مجموعة الاتصال الوزارية المنبثقة عن القمة العربية وتضم مصر والسعودية والأمين العام للجامعة العربية بالانضمام لآلية المنظمات الثلاثية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى والإيجاد أو إحكام التنسيق والتشاور معهم .
وقد تقتضى متطلبات تنفيذ القرارات الملزمة ، قرارات أو توصيات أممية أو مواقف دولية ، وهو أمر يجب أن يتم ـ فى جميع الاحوال ـ عبر الأمم المتحدة حال الاحتياج اليه، أو عند المقتضى، ربطا بقرارات الأمم المتحدة بإيفاد بعثة دعم عملية التحول الديمقراطى فى السودان ، ومبادراتها بتعيين مبعوث أممى لاجراء حوار سودانى / سودانى شامل .
غنى عن البيان ، أن مسار العملية السياسية فى ظل الاتفاق الاطارى / المجلس المركزى ـ قد جانبها الصواب بل وتسببت مخرجاته فى هذا الصراع الدامى الذى أصاب السودان بأضرار جسيمه طالت الشعب السودانى ودولته من حيث الحياه والوجود ، بل وقد تطال وحدته وسلامته الاقليمية .
لقد تمحورت مثالب وعيوب مسار الإتفاق الإطاري ، فى أنه يفتقر الى تمثيله بشمولية لمكونات الشعب السودانى وإنما نسبة ضئيله منه ، وأنه إحتكر قرار تكوين هياكل السلطة الإنتقالية وقصره على الموقعين على الإتفاق ، وأنه جعل من الدعم السريع الحاضنة العسكرية للمجلس المركزى وللاتفاق الإطاري ، وجعل بالمقابل الأخير الحاضنة السياسية للدعم السريع بما يعكس انحيازا للأخير ، خاصة وأنه أقر بازدواجية لكيانين عسكريين فى الدولة حيث وضع الاول ـ قوات الدعم السريع ـ فى مكانة ومرتبه وتبعية أعلى .
وهى أمور فى المجمل دعت قطاعات من الشعب السودانى إلى توجيه إنتقادات شديدة للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ،خاصة وأن تقاريره إلى مجلس الامن بشأن مسار العملية السياسية ـ مسار الاتفاق الإطاري ـ تعكس صورة وردية لا تتفق والواقع على الارض حتى جاء الإنفجار مغايرا لتقديراته ، وربما كانت هذه الاسباب ـ وغيرها ـ التى دفعت البرهان الى طلب تغيير المبعوث الأممى .
لقد توافق الشعب السودانى بما فى ذلك المكون العسكرى على إقامة نظام حكم مدنى ديمقراطى ، وعلى نأى المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسى ، وعلى دمج قوات الدعم السريع فى المؤسسة العسكرية ، مع إصلاح تلك المؤسسة وتطويرها ،وهى أمور فى المجمل تيسر العملية السياسية ، حيث تشجع الاطراف المعارضة والمتحفظة من قبل على المسار السياسى للاتفاق الاطارى على الانضمام للعملية السياسية المستأنفه ، بتصحيح المسار ، مع التأكيد على وحدة السودان واستقلالة وسلامته الإقليمية ، وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، وتناول القضايا الخمس العالقة فى هذا الإطار .
إقرأ المزيد
السعودية والولايات المتحدة تدعوان الجيش السوداني و الدعم السريع المباحثات لتمديد وقف إطلاق النار