حور وست .. الحلقة الأولى
قصتنا هذه عبارة عن ملحمة أدبية أبطالها (معبودات)، وقد كانت عقيدة المصريين القدماء تؤمن بأن (المعبودات) قد حكمت الأرض وعاشت في الدنيا بمفردها قبل ظهور الإنسان.
وهي قصة توضح العلاقة بين الخير والشر، وبين صاحب الحق، ومن هو على باطل.
وأبطال قصتنا؛ هم:
حور، وهو المعبود حورس بن إيزيس وأوزوريس. (وسنذكره فيما بعد بـ (أوزير).
وست، وهو أخو أوزير وعم حورس، وقد تنازع مع أخيه أوزير على عرش مصر، وانتهى النزاع باغتيال ست لأخيه أوزير
لكن زوجته (إيزيس) استطاعت إعادته مرة أخرى
غير أن (أوزير) سئم الحياة الدنيا وغدرِها، فتنازل عن عرش مصر لابنه
(حورس) وهبط إلى العالم السفلي، وأصبح هناك (رب العالم السفلي).
لكن ما كان لـ (ست) وهو الذي قتل أخيه من أجل العرش، أن يترك ابن أخيه (حورس) يحكم مصر، فبدأ النزاع والتخاصم بينهما، وأرادا أن يحتكما إلى (المعبودات) الأخرى وهم التاسوع بكبيرهم (رع). والقصة تحكي لنا هذه المحاكمة وكيف دارت وإلى أي حكم انتهت.
وهذه القصة وُجدت ضمن أوراق بردي تعود لعصر الأسرة العشرين (أي منذ أكثر من 3000 عام) اشتراها رجل الأعمال الأمريكي (شستر بيتي) من مصر؛ بعد أن تم العثور عليها بدير المدينة بالأقصر عام 1928، وقد أهداها (بيتي) إلى المتحف البريطاني بلندن، ولا تزال هناك.
تقول القصة:
(لقد حدثت) المحاكمة بين (حور) و(ست) صاحبي الصورة الخفية، العظيمين، وأكبر أميرين وُجِدا.
جلس الطفل (أي حور لأنه كان ما يزال صغير) أمام المعبود رع، طالبًا بوظيفة والده أوزير (أي طالبا بولاية أبيه على عرش مصر) !
ثم تكلم شو (وهو أكبر أبناء رع) أمام (رع) الأمير العظيم في عين شمس وقال: إن العدالة هي رب القوة، فنفذها بقولك: أعطِ الوظيفة إلى حور.
عندئذ قال المعبود (تحوت) للتاسوع (وهو لم يكن منهم ولكنه حضر المحاكمة): حقا وألف ألف مرة حقا.
وهنا صاحت (إيزيس) عاليًا وفرحت جدًّا، وخرجت أمام رع وقالت: يا ريح الشمال هبِّي غربًا! وأنعشي قلب أوزير بهذا الخبر، وهو أن ابنه سيكون خلفه.
ثم قال شو بن رع: قرِّب العينَ (إلى حور) يا أبي، فإن في ذلك عدالة للتاسوع.
وعندئذٍ قال رع: ما معنى أنكم تتخذون تدابيركم وحدكم؟!
وهنا تكلم (التاسوع) وقال: ليته يأخذ خاتم الملك لحور، وليت التاج الأبيض يوضع على رأسه.
وهنا وجم رع (برهة طويلة) وغضب من التاسوع!!
وعندئذ تكلم (ست) وقال: دعه يخرج معي لأجعلك ترى أن يدي تقبض على يده في حضرة التاسوع؛ لأنه لا يعرف أحد طريقة التغلب عليه. (أي أراد ست أن يبين لهم أن حور ضعيف وليس قادرا على الحكم)
فقال له تحوت متعجبا: إذن سوف لا يمكننا أن نعرف من الكذَّاب منكما، فهل يحق لك أن تأخذ وظيفة (أوزير)؛ في حين أن ابنه موجود هنا؟!
وهنا غضب (رع) جدا، لأن رغبة رع كانت أن يُمنَح ست وظيفة حكم مصر.
وحينئذ صاح أنوريس (وهو معبود مصري كان يُعبد في أبيدوس حضر المحاكمة) عاليًا أمام التاسوع وقال: ماذا ينبغي إذن أن نفعله؟
وحينئذٍ تكلم (رع) ، وقال: فَلْيُناد على (با) رب منديس (وهو معبود على هيئة تيس كان يُعبد في منديس شرق الدلتا)، وكذلك أحضِروا معه (بتاح-تاتنن) وقال لهما: افصلا بين الشابَّيْنِ، واردعاهما عن أن يقفا متخاصمين كل يوم.
وهنا أجاب (با) رب (منديس)، قائلا: لا تدعنا نتخذ أية تدابير على غير علم تام، فَلْيُرسَل خطاب إلى (نيت) العظيمة أم المعبود العظيم (فقد كانت نيت أم رع)، وما تقوله سوف ننفذه.
وبعدئذ …..
نقلا عن الباحث في الآثار اليونانية والرومانية، د:حسين دقيل