« الطوارق » .. الشعب الأزرق ملثمو الصحراء من هم وأين يعيشون ؟
في الأحداث الكبري التي تحدث في منطقة الصحراء الأفريقية الكبري الممتدة من شمال مالي وجنوب الجزائر والنيجر وبوركينا فاسو يترد دائما اسم « الطوارق » .. أفرو نيوز 24 يجيب في التقرير التالي عن التساؤل الخاص بمن هم الطوارق وأين يتواجدون ؟ .
« الطوارق » هي مجموعة عرقية وثقافية تعيش بشكل رئيسي في مناطق الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، بما في ذلك مناطق في مالي والجزائر والنيجر وليبيا وبوركينا فاسو ، تتميز ثقافتهم بتقاليدهم العريقة ونمط حياتهم البدائي في الصحراء ، كما يشتهرون بمهاراتهم في التسلق وركوب الخيل والابل ،ويشتهر الطوارق بلقب “الشعب الأزرق” بسبب ارتباطهم التاريخي بممارسة عادة تسمى “التناقض” أو “الكوهول”، وهي عملية تعتمد على تزيين الوجه والجسم بالأزرق النيلي المشتق من “النيلو الباريسيني ” أو الأزرق الأفريقي، حيث يقومون بهذه العملية لحماية بشرتهم من حرارة الشمس القاسية والأتربة في الصحراء الصحراء الكبرى ،بالإضافة إلى أن البعض يعتبرها علامة عرقية وثقافية تميزهم عن غيرهم.
وقد أدى كثرة استخدام الطوارق للون الأزرق حتي اشتهروا بلقب “الشعب الأزرق” ، ومن الملاحظ أن هذا اللقب قد يختلف في التفسير والتفاصيل من ثقافة طوارقية إلى أخرى، لكنه يظل جزءًا من الهوية الثقافية المميزة لهذا الشعب.
سر ارتباط الطوارق باللون الأزرق
ارتداء الأزياء الملونة باللون الأزرق يُعتبر جزءًا من التقاليد الثقافية المتوارثة للطوارق، وله عدة أسباب ، علي رأسها التعبير عن الهوية الثقافية حيث يعتبر اللون الأزرق جزءًا من الهوية الثقافية للطوارق، وارتداء الأزياء الملونة باللون الأزرق يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن الانتماء إلى هذه الثقافة والتميز بها.
ومن ضمن الاسباب الأخري التكيف مع الظروف البيئية، حيث يعتبر الأزرق لونًا مناسبًا للبيئة الصحراوية، لأنه يساعد على التبريد والحماية من أشعة الشمس القوية، لذلك، يُعتقد أن ارتداء الأزياء الزرقاء يساعد على الحفاظ على الراحة في البيئة الصحراوية.
بشكل عام، فإن ارتداء الأزياء الملونة باللون الأزرق يعكس عمق التاريخ والثقافة الطوارقية ويعتبر جزءًا من هويتهم الثقافية والاجتماعية.
اللثام
يحرص الطوارق أيضا علي ارتداء اللثام أو ما يعرف بـ”الأغلال” هو جزء من التقاليد الثقافية والعادات لدى الطوارق، وله عدة أسباب منها الحماية من الظروف الصحراوية القاسية ، حيث يستخدم اللثام كوسيلة لحماية الوجه والعينين من أشعة الشمس الحارقة والرياح القوية والأتربة في الصحراء ، كما يعتبر اللثام جزءًا من الثقافة والتقاليد الطوارقية، وهو جزء من الزي التقليدي الذي يميز الطوارق عن غيرهم ، وقد يرتبط ارتداء اللثام ببعض المعتقدات الدينية والروحية لدى الطوارق، وقد يعتبرونه واجبًا دينيًا أو ممارسة تعبيرية عن التقوى والتواضع.
بشكل عام، يرتدي الطوارق اللثام لأسباب عملية تتعلق بالحماية والتقاليد والعادات الثقافية والدينية.
ويعد ارتداء اللثام في عرف الطوارق واجبا على كل رجل بلغ سن الرشد (تحدثت مصادر عن ارتدائه في سن الـ15، وأخرى تتحدث عن ارتدائه في سن الـ18)، ويظل هذا اللثام، الذي يبلغ طوله أحيانا 4 أو 5 أمتار، يلازم الرجل الطوارقي طيلة حياته أينما حل وارتحل، ولا يظهر من وجهه سوى العينان وفي بعض الأحيان الأنف والفم.
وعلى عكس الرجال فإن نساء الطوارق لا يضعن اللثام على وجوههن، بل يغطين شعر رؤوسهن بقماش صحراوي غالبا ما يكون لونه أسود.
وتختلف الروايات حول أصل عادة ارتداء رجال الطوارق للثام، فتقول مصادر إنه يوضع درءا لأشعة شمس الصحراء الحارقة وعواصفها الرملية الهائجة بين الفينة والأخرى، وتقول مصادر أخرى إن وضعه علامة على الحشمة والوقار والحياء أيضا من الأهل والأصهار.
الترحال
ويتميز الطوارق بالترحال بقوافل المكونة من قطعان الإبل في سائر مناطق الصحراء الأفريقية الكبرى ودول الساحل الأفريقي دون ، وتختلف المصادر التاريخية حول أصل وجذور مجتمع الطوارق، فهناك من ذكر أن جذورهم تعود لقبيلة حمير في اليمن، التي هاجروا منها إلى مصر بعد انهيار سد مأرب، وبعدها رحلوا إلى مناطق شمال أفريقيا والصحراء الكبرى بعدما دخلوا في صدامات مع الدولة الحاكمة آنذاك في مصر.
وهناك من يقول إن جذور الطوارق تعود إلى القبائل الأمازيغية التي كانت تقطن شمال أفريقيا والصحراء قبل الإسلام، على غرار قبائل صنهاجة وغيرها.
وتنوّعت الأطروحات التي تبيّن أصل الطوارق ومن أين بدأت نشأتهم، فقد ذكرهم ابن خلدون في كتابه تاريخ ابن خلدون وبيّن أن أصل الطوارق يرجع إلى صنهاجة وهي قبيلة أمازيغية كبرى، ويستثنيها من نسبتها إلى الأمازيغ ويرجِّح نسبة صنهاجة إلى اليمن. ويؤكد ذلك عدد من المؤرخين إذ يروي بعض كبار السن من الطوارق اليوم أن أجدادهم رحلوا إلى أفريقيا بعد خراب سد مأرب، وبعضهم الآخر يحتفظ بشجرة نسبه التي ترجع إلى قريش وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، وإلى أبو بكر الصدّيق، وعمر ابن الخطاب، وغيرهم. فهم من الأمازيغ وفي حياتهم الكثير من سمات حياة بدو العرب من تنقل وترحال موسمي، إلا أنهم يفضلون الانعزال في الصحراء الكبرى بالرغم من المصاهرات التي بينهم وبين العرب في الشمال الأفريقي وبين الأفارقة الزنوج في جنوب القارة، وبذلك أصبحت أعراقهم اليوم تجمع العرب والأفارقة في قبيلة الطوارق ولذلك تأثير على ألوان بشرتهم ولغاتهم المحكية. ويظل الطوارق يفضلون أن يطلق عليهم كلمة “إيماجغن” وتعني أمازيغ ومرادفها أيضاً كلمة “تماشق” التي تعني ذات المعنى أي الرجال الأحرار .
أصل تسمية الطوارق
تعددت واختلفت الآراء التي تثبت أصل سبب تسمية الطوارق بهذا الاسم، فهناك من يقول بأن اسمهم نسبة للقائد المسلم طارق بن زياد، وهناك من يرى أن اسمهم نسبة إلى إحدى القبائل التي قطنت الصحراء وكانت تُدعى قبيلة تارغا، وهناك من ينفي هذه الآراء ويرجّح أن تسميتهم تعود بسبب سكنهم بوادي الآجال في الجنوب الليبي وهو بلغة الطوارق يقال له وادي “تارقا” وبذلك تعارف الناس على تسميهم بالتوارق ونسبتهم لهذا الوادي، حيث لا تزال توجد فيه مجموعات من قبيلة الطوارق.
دور الطوارق تاريخيا
تاريخيًا، لعبت بعض الفصائل الطوارقية دورًا سياسيًا في بعض الدول التي يعيشون فيها، خاصة في مناطق الصحراء الكبرى في دول مثل مالي والنيجر والجزائر. كانت هناك حركات ومنظمات طوارقية تسعى للحصول على حقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية. وقد شهدت بعض هذه الدول صراعات داخلية وتمردات من جانب بعض الفصائل الطوارقية، والتي كانت تتطلب تدخلاً سياسيًا وتسوية للصراعات.
بعض الفصائل الطوارقية قد سعت في الماضي إلى إقامة دولة خاصة بهم أو إقامة إقليم ذات حكم ذاتي في المناطق التي يعيشون فيها، وذلك كجزء من مطالبهم بالحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية. وقد شهدت بعض الدول مثل مالي والنيجر محاولات واتفاقيات لتسوية النزاعات ومعالجة مطالب الطوارق في تلك الدول، بما في ذلك توفير درجات من الحكم الذاتي أو الإقليمي.
أشهر مدن الطوارق
بعض المدن الرئيسية في أفريقيا التي تعتبر معقلًا للطوارق تشمل:
– آغاديز: تقع في منطقة الصحراء في شمال مالي، وتُعتبر آغاديز واحدة من أهم مدن الطوارق في المنطقة.
– تمبكتو: تقع في مالي وكانت مركزًا للتجارة والثقافة الطوارقية التقليدية.
– كيدال: تقع في شمال مالي وتعتبر معقلاً للطوارق في المنطقة.
– غاو: تقع في مالي وتشتهر بواحاتها وتجارتها التقليدية، وتعتبر مركزًا ثقافيًا للطوارق.
وتشكل هذه المدن مراكز حيوية للثقافة والتجارة والتواصل الاجتماعي بين الطوارق في مناطق الصحراء الكبرى في أفريقيا.
حضارة الطوارق
للطوارق حضارة قديمة وتاريخ غني يمتد لقرون طويلة ، وكان الطوارق يعيشون في منطقة الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا منذ العصور القديمة، وكان لهم تأثير كبير على التجارة والثقافة في المنطقة ، تطورت لديهم تقاليد فريدة ونمط حياة ملتزم بالبيئة الصحراوية القاسية.
وقد ازدهرت حضارة الطوارق خلال فترات مختلفة من التاريخ، وقد شكلت مركزًا للتجارة عبر الصحراء، حيث كانوا يقومون بتبادل السلع مع القبائل الأخرى والقوافل التجارية. كما اشتهروا بمهاراتهم في الرعي والبقاء في بيئة الصحراء.
بفضل هذه الحضارة القديمة، توارث الطوارق تقاليدهم وثقافتهم عبر الأجيال، ولا يزالون يحافظون على تراثهم الثقافي والتقاليدي حتى اليوم.
أشهر حضارات الطوارق
للطوارق تاريخ حضاري طويل ومتنوع، ومن بين أهم حضاراتهم:
1. **حضارة توندغار**: كانت تزدهر في المنطقة التي تشمل الجزء الشمالي من مالي والجزء الجنوبي من الجزائر والنيجر ، وكانت توندغار تشتهر بالزراعة والتجارة وكانت تتمتع بقوة عسكرية.
2. **حضارة تينكريت**: كانت تزدهر في منطقة تمبكتو في مالي، كانت تينكريت مركزًا ثقافيًا وتجاريًا مهمًا على طول طريق العقبة التجاري.
3. **حضارة تاهاجاوت**: كانت تتركز في المناطق الشمالية من مالي والنيجر، كانت تاهاجاوت تعتمد بشكل كبير على الزراعة وتربية الإبل والثروة الحيوانية.
هذه الحضارات وغيرها ساهمت في بناء الهوية والثقافة الطوارقية وتشكيلها على مر العصور.
شخصيات تاريخية
هناك عدة شخصيات تاريخية معروفة تنتمي للطوارق حيث قدموا إسهامات مهمة في تاريخ المنطقة، من بينهم:
1. **أجيلال أغي ريدان**: كان زعيماً ومقاتلاً طوارقياً في القرن السابع عشر، وقاد مقاومة شرسة ضد الاستعمار الفرنسي في منطقة الصحراء.
2. **موسى أغ أمباكاي**: كان زعيماً لقبيلة أغ امباكاي في مالي، وقاد تمرداً ضد الحكومة المالية في النصف الثاني من القرن العشرين.
3. **تينيكاجوين**: كانت قائدة طوارقية شهيرة، وهي امرأة قوية شاركت في مقاومة القوات الفرنسية في منطقة الصحراء.
4. **إلي أغ محمد**: كان زعيماً ومقاتلاً طوارقياً في النيجر في النصف الأول من القرن العشرين، وكان له دور بارز في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.
هؤلاء الشخصيات يُعتبرون أبطالًا ورموزًا للمقاومة والصمود ضد الاستعمار، وقد تركوا بصماتهم في تاريخ الطوارق وتاريخ المنطقة بشكل عام.
دور الطوارق في التحرر من الاستعمار
لعبت بعض فصائل الطوارق دورًا في محاربة الاستعمار الأوروبي خاصة الاستعمار الفرنسي في مناطقهم ، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، شهدت مناطق الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا احتلالًا واستعمارًا من جانب القوى الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
كانت بعض الفصائل الطوارقية، مثل فصائل توارق من منطقة النيجر ومالي، تقاوم الاحتلال الفرنسي وتعتمد استراتيجيات المقاومة المسلحة، وخاضت فصائل المقاومة التي تنتمي للطوارق حروبا ضد الاستعمار الفرنسي في المنطقة .
المرأة في مجتمع الطوارق
تحظى المرأة في مجتمع الطوارق بمكانة متميزة وتعامل باحترام كبير، وكلمتها مسموعة في كل ما يتعلق بشؤون الأسرة والمجتمع ككل.
وغالبا ما يفوق مستواها التعليمي مستوى الرجل الطوارقي، ويعود ذلك إلى كون الأم أو المرأة بشكل عام هي التي تعلم الأبناء، خاصة الفتيات، فتعلمهم الكتابة وتحفظهم القرآن.
اقرأ المزيد
“الهوسا ” أكبر القبائل الأفريقية انتشارا .. من هم وأين يعيشون ؟
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.