الإرهاب يطل برأسة من جديد في ” الساحل الأفريقي ” .. ما السر وراء زيادة العمليات الإرهابية في دول المنطقة ؟
سلط مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية وتقييم المخاطر في تقرير حديث له علي تزايد العمليات الإرهابية الأخيرة في منطقة الساحل الأفريقي خاصة في دولة مالي , مشيرا إلي أنه قبل أيام قتل ما لا يقل عن 15 جنديا ماليا ، في هجوم شنه مسلحون ينتمون لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة في وسط مالي , الأمر الذي يثير المخاوف من تصاعد جديد لوتيرة العمليات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء , خاصة وأن هذا الهجوم يأتي بعد أيام من الاشتباكات الأخيرة بين جيش مالي ومتمردي أزواد .
وتأتي تلك التطورات في وقت أكدت فيه بوركينا فاسو ومالي والنيجر في رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي عن إدانة حكوماتها لدعم السلطات الأوكرانية الصريح للإرهاب الدولي، ولا سيما في منطقة الساحل.
ووفقا لموقع ” روسيا اليوم ” جاء في الرسالة أن “وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي والنيجر يعارضون ويدينون بشدة الدعم الصريح والأكيد الذي تقدمه حكومة جمهورية أوكرانيا للإرهاب الدولي، ولا سيما في منطقة الساحل”.
كما طالبت الدول الإفريقية الثلاث مجلس الأمن الدولي “بتحمل مسؤولية مواجهة اختيار أوكرانيا المتعمد دعم الإرهاب لمنع هذه الأعمال التخريبية التي تهدد استقرار منطقة الساحل بل حتى القارة الأفريقية برمتها”.
ولفت مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى أن الهجمات الإرهابية الأخيرة يثير المخاوف من تفاقم النشاط الإرهابي بمنطقة ساحل غرب إفريقيا رغم المحاولات التي تبذلها حكومات بوركينا فاسو والنيجر ومالي لمواجهة التهديدات المتصاعدة بالمنطقة، في ظل مشهدَيْن للتنافس، كلاهما ينذر بعواقب وخيمة تنال من أمن المنطقة واستقرارها.
ويقول مرصد الأزهر في تقرير له ” أما المشهد الأول، فيتمثَّل في التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة، وما يتسبب فيه هذا التنافس من قتل للأبرياء وتنفيذ عمليات إرهابية؛ حيث يسعى كل تنظيم منهما لنسب أكبر عدد منها إلى نفسه؛ لإظهار نفوذه وسيطرته على المنطقة الإفريقية , مضيفا ” وأما المشهد الثاني -الذي لا يقل خطورة عن سابقه- فيتمثَّل في التنافس بين قوى غربية تحت دعاوى لا تسفر إلا عن مزيد من المعاناة للدول الإفريقية وشعوبها.
وإزاء هذه التطورات يطرح التساؤل لماذا عادت هجمات التنظيمات الإرهابية بشكل أشد ضراوة في المنطقة, وهل هناك رابط بين خروج القوات الأمريكية والفرنسية من المنطقة ,بتصاعد تلك الهجمات؟
الملاذ الآمن
ويقول الباحث المصري في شؤون الجماعات المتطرفة منير أديب لـ ” مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر “ : ” ربما تكون هناك أسباب أدت إلي أن بعض العواصم الأفريقية وتحديدا في منطقة الساحل والصحراء باتت الملاذ الآمن والأول والأكبر ربما علي امتداد القارة الأفريقية لجماعات العنف والتطرف .
وأضاف ” قد يكون من ضمن الأسباب ضعف الأنظمة السياسية في هذه الحكومات وربما يتبع ذلك أيضا ضعف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مواجهة التنظيمات المتطرفة التي بات اقتصادها أكبر بكثير من من اقتصاد الدول والحكومات التي تتواجد علي أراضيها تلك التنظيمات , مشيرا في هذا الصدد إلي أن هناك الكثير من هذه التنظيمات باتت تسيطر علي أجزاء كبيرة من الحدود وتفرض رسوما للدخول والخروج , كما أن بعض هذه التنظيمات تسيطر علي بعض مناجم الفحم وتسيطر علي بعض الثروات .
وذكر أديب أن بعض التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء تستخرج هذه الثروات وتقوم ببيعها بطرق غير شرعية , لافتا الي أن الأمم المتحدة فرضت قيودا علي بيع الفحم من بعض الدول الأفريقية وذلك بسبب أن هذه الأموال تذهب لتلك التنظيمات المتطرفة ومن ثم تساعد في نموها وتساعد في مزيد من العمليات الإرهابية التي تقوم بها , ومزيد من الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها ليس فقط داخل القارة الأفريقية ولكن أيضا خارجها حتي في قلب القارة الأوربية .
واستطرد قائلا ” وبالرغم من ذلك نفاجئ بأن بعض الدول تقوم بشراء تلك الثروات الطبيعية خاصة الفحم من هذه التنظيمات التي تقوم ببيعها بأسعار تبدو ذهيدة ورخيصة لأن البيع يتم بطرق غير شرعية , مشيرا إلي أن هذا الأمر حدث مع دول كثيرة حيث قامت بعض الدول بشراء البترول من تنظيم داعش عندما سيطر علي بعض الحقول في الشرق الأوسط تحديدا في الرقة والموصل , عندما اقام التنظيم دولته في العام 2014 واستمرت هذه الدولة مسيطرة حتي أعلن عن سقوطها علي لسان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مارس 2019 , وخلال هذه الخمس سنوات سيطر داعش علي آبار للبترول وكان يبيع البترول بأسعار زهيدة وهناك دول كثيرة كانت تشتري هذا البترول بطرق غير شرعية من أجل الحصول علي هذا المنتج الهام والاستراتيجي لكل دول العالم بأسعار أقل بكثير من أسعارة العالمية .
وأوضح الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي أن ما حدث من قبل هذه الدول والتي ربما تقع في المحيط الأوروبي أو في القارة العجوز من قبل تنظيم احتل مناطق في الشرق الأوسط أيضا يحدث الآن من قبل تنظيمات تتواجد في منطقة الساحل والصحراء , مشيرا الي أن هناك دول كثيرة أوروبية وغير أوروبية تقوم بالتعامل مع هذه التنظيمات المتطرفة ماديا أو غير ماديا بنفس طريقة الشراء هذه لأنها تقوم بشراء السلع بأقل من سعرها العالمي .
صعوبات اقتصادية
ونوه الباحث منير أديب الي أن كثير من دول القارة الأفريقية تواجه صعوبات اقتصادية وفي التنمية , وقال ” معروف أن هناك علاقة عكسية ما بين الاقتصاد والتنمية وانتشار العنف أو انتشار الأفكار المتطرفة , فكلما كان هناك تدني في مستويات التنمية كلما كانت هناك نسبة أعلي من الفقر وهو عامل أساسي في زيادة نشاط الجماعات المتطرفة وأنتشار أفكارها بصورة كبيرة .
وأضاف” نحن نتحدث عن ضعف أنظمة سياسية وضعف معدلات التنمية وقلة الوعي والتعليم , ويتزامن ذلك مع عدم قيام المجتمع الدولي والمنظمات الاقليمية مثل الاتحاد الأفريقي بدورة لمساندة تلك الدول في مواجهة تلك التنظيمات وأفكارها , معربا عن أسفه لعدم قيام الاتحاد الأفريقي بالدور المنوط به في دعم الدول الأفريقية التي تعاني من انتشار تلك الجماعات المتطرفة سواء من خلال التنسيق الأمني أو الاستخباراتي أو مساندتها عسكريا لمواجهة تلك التنظيمات .
وقال ” صحيح تكون هناك لقاءات واجتماعات كثيرة وممتدة لكن تلك الاجتماعات لا تحقق النتائج المرجوة منها خاصة وأن هناك نشاط كبير لتلك التنظيمات في الدول الأفريقية .
الاستغلال الأوروبي
وأشار الباحث المصري في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب إلي ما وصفة بـ ” الاستغلال الأوروبي ” لبعض الدول الأفريقية مثل الاستغلال الفرنسي سابقا لمالي وبوركينا فاسو علي سبيل المثال , وهو ما يعتبره بعض أو غالبية مواطني الدول الأفريقية غزوا فرنسيا , وهو ما أدي إلي حدوث إنقلابات عسكرية في بعض الدول الأفريقية من أجل التحرر من ما تم إطلاق عليه اسم ” استعمارا فرنسيا ” .
وذكر أن هذا الأمر أدي الي ضعف الدور الأمريكي والفرنسي في مواجهة التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء , وقال” أن فرنسا كانت مستفيدة علي الأقل من اليورانيوم الذي كان يستخرج من النيجر علي سبيل المثال , وكانت تقوم بدورا في مساعدة مالي والنيجر وبوركينا فاسو في مواجهة تلك التنظيمات, ولكن بعد وقوع الانقلابات العسكرية في تلك الدول وكان عنوانها الرئيسي كما ذكرت سابقا التحرر من الاستعمار الفرنسي الحديث الذي كان ينهب ثروات تلك الدول الأفريقية , لذلك أصرت تلك الدول علي خروج القوات الفرنسية والأمريكية من أراضيها .
وتابع ” هذا أثر علي الدور الذي كانت تقوم به فرنسا والولايات المتحدة الامريكية في مواجهة التنظيمات المتطرفة .
داعش قد يعود وبقوة عبر بوابة أفريقيا
وأكد الباحث منير أديب أن كل هذه الأسباب مجتمعة ومتشابكة أدت إلي تنامي هذه الجماعات المتطرفة , محذرا من أنه قد يكون تنظيم داعش انتهي وانتهت دولتة ولم يعد موجودا في الشرق الأوسط, لكنه قد يعود وبقوة عبر بوابة أفريقيا .. أفريقيا التي يبدو أن حرية التنقل عبر حدودها كبيرا وغير مراقب وهذا أدي إلي نشاط متزايد لجماعات العنف والتطرف وأدي إلي انفتاح شديد بين الجماعات المتطرفة المحلية والإقليمية مع الجماعات المتطرفة العابرة للحدود والقارات , فباتت هذه التنظيمات أكثر تماسكا وأكثر قوة وأكثر فاعلية وبات نشاطها الإرهابي أكثر صعودا وظهورا .
الفراغ الأمني
ويقول الدكتور محمد تورشين الخبير في الشؤون الأفريقية لـ ” مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية وتقييم المخاطر ” : ” إن عودة الهجمات الارهابية في الساحل الافريقي يمكن قراءتها من عدة جوانب , علي رأسها أنها تعود بشكل مباشر للفراغ الامني الذي تركته القوات التي كانت تتواجد في منطقة الساحل الافريقي وعلى رأسها قوات عملية ” برخان الفرنسية” و هي عملية كان الهدف منها مكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي، بدأت في 1 أغسطس 2014 , وكذلك الوجود الامريكي في النيجر فضلا عن القوات الاوروبية ايضا في النيجر.
وأضاف ” فبالتالي الحركات الجهادية تعلم تماما الآن أن دول الساحل الافريقي وكونفدرالية الساحل الأفريقي ممثلة في مالي وبوركينا فاسو النيجر , تتفاوض حول شراكات عسكرية ربما تعيد التوازن العسكري عقب انسحاب تلك البلدان والقوات . ونوه في هذا الصدد الي المفاوضات التي تجريها دول الساحل الافريقي تفاوض مع روسيا وكذلك مع تركيا , والحركات الجهادية تدرك تماما بأن دخول هذه الشراكات حيز التنفيذ بمعنى تعني بشكل أو بآخر أن الأمور ستكون معقدة كما كانت.
وأشار الدكتور محمد تورشين الخبير في الشؤون الأفريقية إلي أن الحركات الجهادية استغلت توقيت هذه المواجهات باعتبار انه في الوقت الراهن الجيوش الوطنية في تلك البلدان ضعيفة والشراكات الأمنية لم تنضج مع القوى الجديدة سواء كانت هذه القوى إقليمية أو دولية.
واعتبر الهجمات الأخيرة تهدف التنظيمات الجهادية من ورائها بشكل أو بأخر إرسال رسائل بإنها حاضرة و موجودة , و استغلت أيضا الفراغ أو الإنشغال إن صح التعبير المالي وكذلك النيجيري والبوركيني فاسو , بالمواجهات التي تحدث بين الأزواد والحكومة المالية.
وقال الدكتور محمد تورشين ” إن كل هذه العوامل المجتمعة دفعت التنظيمات الجهادية سواء كان القاعدة أو داعش لإرسال رسائل بأنها حاضرة وأنها موجودة وأنشطتها فاعلة لا يمكن تجاهلها وتغافلها بأي حال من الأحوال.
وأضاف ” لذا أعتقد أن هذا الأمر سيجعل الوضع أكثر تعقيدا وأكثر ضراوة في مقبل الأيام.. ولذا أعتقد بأن المواجهات العسكرية ربما تكون حاضرة من وقت لآخر , و ربما تتراجع أيضا إن دخلت تلك الشراكات الأمنية الجديدة مع روسيا وتركيا إلي حيز التنفيذ.
للإطلاع علي التقرير إضغط هنا
إقرأ المزيد :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.