بلومبرج .. تفاقم أزمة السكن في العاصمة الرواندية كيجالي
أكدت وكالة بلومبرج أن التوسع الجامح للعاصمة الرواندية كيجالي يجعلها واحدة من أسرع المدن نمواً على مستوى العالم ، الأمر الذي يخلق طلباً هائلاً على السكن اللائق في واحده من أصغر وأفقر بلدان العالم، على الرغم من معدل النمو السنوي المتوسط البالغ 7% منذ عام 2009، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم.
وأشارت شبكة بلومبرج في تقرير لها إلي أن عدد سكان رواندا يبلغ 13 مليون نسمة ويتوزعون على مساحة تبلغ نحو 10 آلاف ميل مربع – أي بحجم ولاية ميريلاند الأمريكية – مما يجعلها الدولة الأفريقية الأكثر كثافة سكانية بعد موريشيوس , مشيره إلي أن هذا الوضع خلق تحدياً للمطورين وسلطات التخطيط، الذين يقومون – من أجل تعظيم المساحة – ببناء عمارات سكنيه في كتل من طابقين وثلاثة طوابق للمشترين في بلد ثقافة شعبه تقدر المنازل المستقلة ولكن لديهم وسائل محدودة لشرائها.
ويقول ألفونس روكابورانديكوي، المدير العام لهيئة الإسكان في رواندا لـ ” بلومبرج ” : ” إنه مدى السنوات العشر الماضية، شهدنا نموًا هائلاً في جميع المناطق الحضرية: فالناس يبنون، لكن مدننا تنمو أفقيًا”، مضيفا “نحن نحاول تنظيم استخدام أراضينا بشكل أفضل لأننا لا نملك الكثير من الأراضي. يجب تغيير ثقافتنا لفهم أنه يمكنك العيش في مجتمع متكامل”.
تضاعف سكان كيجالي
وأشارت بلومبرج في تقريرها إلي أنه من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان مدينة كيجالي الرواندية بأكثر من الضعف خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة , وبحسب هيئة الإسكان الحضري، فإن أكثر من 35% من السكان سيعيشون في المناطق الحضرية بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 16% في عام 2010 , وهذا يعني أن نحو 4.5 مليون شخص سيتجهون إلى المدن والبلدات في السنوات الست المقبلة، وسوف يتجهون في الغالب إلى كيغالي، التي تعد أكبر مدينة في البلاد، حيث يبلغ عدد سكانها الآن نحو 1.7 مليون نسمة.
وأوضحت بلومبرج في مسعى لمواكبة الطلب، فإن السلطات والمطورين في كيغالي غير قادرين على توفير السكن المناسب للجميع، وهو ما يعني أن حوالي 79% من السكان يعيشون في مناطق عشوائية مع وصول محدود إلى وسائل النقل والمياه والطاقة والصرف الصحي، وذلك وفقا للبنك الدولي.
وأشار التقرير إلي أن العديد من هذه المستوطنات مخفية عن الأنظار، وتقع في أعماق وديان البلاد المعروفة بأرض الألف تل , ويستأجر أغلب العمال في وظائف مثل البناء غرفاً فردية في هياكل من الطوب اللبن مع حمامات مشتركة ومراحيض في هذه المستوطنات.
ولفت التقرير إلي تقديرات هيئة الإسكان الرواندي أن كيجالي وحدها تحتاج إلى نحو 25 ألف وحدة سكنية منخفضة التكلفة سنويا لاستيعاب الجميع , وعلى مدى العقد الماضي، أقامت الحكومة شراكة مع البنك الدولي والقطاع الخاص لبناء المساكن، ولكنها لم تتمكن سوى من بناء 2600 وحدة سكنية في المجمل، على الرغم من الحوافز مثل الإعفاءات الضريبية , ولا يزال موردو المنازل والمشترون المحتملون في حيرة من أمرهم بشأن كيفية التعامل مع عدم التوافق بين العرض والطلب، حيث تلعب القدرة على تحمل التكاليف دورًا كبيرًا.
وقالت بلمبرج في تقريرها ” إن ما يقرب من ثلث الأسر في كيجالي تكسب أقل من 200 دولار شهريا، في حين تباع أرخص وحدة سكنية مكونة من غرفة نوم واحدة مقابل 15 ألف دولار , وللتأهل للحصول على قرض عقاري لمدة 20 عاما بفائدة 11%، يتعين على الأسرة إثبات دخل لا يقل عن 700 دولار، وهو ما يحرم العديد من الناس من السكن بأسعار معقولة , ويتم شراء 8% فقط من المنازل في رواندا بالرهن العقاري.
وأشار التقرير إلي أن المطورين – الذين يستوردون الجزء الأكبر من مدخلاتهم مثل الصلب – التوصل إلى حلول وسط الفرنك الذي فقد 75٪ من قيمته مقابل الدولار منذ عام 2000 ويتداول حاليًا عند أدنى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي، مما يؤدي إلى تآكل الربحية.
ويقول حسن حسن، الرئيس التنفيذي لشركة أدهي رواندا المحدودة، التي تعاقدت معها الحكومة في ديسمبر 2020 لتسليم 2208 وحدة على مساحة 30 هكتارًا بحلول عام 2027: “بالنسبة لنا، فإن أكبر خطر نواجهه كمطورين هو التعرض لتقلبات أسعار الصرف ونقص التصنيع”.
وأشار إلي أن ” المرحلة التجريبية التي بدأت في يوليو 2022 تتكون من 247 منزلاً تتراوح من شقق دوبلكس بغرفة نوم واحدة إلى أربع غرف نوم تبدأ من 21 مليون فرنك، وترتفع إلى 106 ملايين فرنك. وأكملت شركة آدهي البناء في سبتمبر من العام الماضي، مع بيع أكثر من 70% من الوحدات.
مشكلة السيولة
ونوه التقرير إلي أنه لمعالجة تحدي السيولة في السوق، حصلت الحكومة الرواندية في عام 2019 على 150 مليون دولار من البنك الدولي لزيادة فرص الحصول على تمويل الإسكان للمطورين والمشترين المحتملين , لافتا إلي أن بنك التنمية في رواندا قدم قروضاً للمقاولين بفائدة 12%، وهو أقل من سعر السوق الذي يصل إلى 18% , وفي المقابل، يساعد هذا في خفض أسعار الرهن العقاري إلى 11%، حسب شريحة دخل الأسرة , كما تستغل البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التمويل، حيث تحصل على الأموال بفائدة 6%.
وذكر التقرير أن الثقافة ــ سواء في التعامل مع الأمور المالية أو في طريقة عيش الناس ــ تلعب دوراً كبيراً في نجاح المشاريع , فالروانديون لا يعتادون على شراء العقارات قبل اكتمالها، ومعظم الصفقات تنتهي بمجرد الانتهاء من البناء وتجهيز المنازل، وهو ما يزيد من تكاليف المطورين , ويفضل السكان المحليون أيضًا الوحدات المستقلة، في حين يتم تصميم الوحدات ذات الأسعار المعقولة على شكل شقق.
وأكدت بلومبرج في تقريرها أن نجاح رواندا في إعادة بناء اقتصادها بعد الإبادة الجماعية التي شهدتها عام 1994 والتي راح ضحيتها ما يصل إلى 660 ألف شخص أمر محط إعجاب الحكومات الأخرى إلى الحد الذي دفع البلاد إلى إنشاء هيئة استشارية شبه رسمية لتبادل النصائح حول كيفية تمكن الإدارات الأخرى من إعادة إنتاج النتائج.
واستطرد التقرير قائلا ” ولكنها لم تتوصل بعد إلى كيفية توسيع انتصاراتها في الانضباط المالي وكفاءة الحكومة لتشمل الإسكان بأسعار معقولة في بلد لا يزال ما يقرب من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر.
وأشار التقرير إلي أنه في العام الماضي، دفعت بريطانيا لرواندا 240 مليون جنيه إسترليني (321 مليون دولار) لاستقبال آلاف المهاجرين المحتجزين في مرافق بالمملكة المتحدة، رغم أنه لم يتم ترحيل أي شخص حتى الآن , ودفعت لندن 60 مليار فرنك رواندي (45 مليون دولار) لبناء 1500 وحدة على مساحة 12 هكتارًا في جاهانجا على مشارف كيجالي الجنوبية الشرقية لاستيعاب طالبي اللجوء ,وقالت دوريس أويسيزا بيكارد، التي تنسق المشروع، لوسائل الإعلام المحلية ” إن الوحدات على وشك الانتهاء.
وأشار التقرير الي مرور عقد من الزمان على جهودها لتوفير السكن للسكان المحليين وبقليل من النجاح، عادت كيجالي إلى لوحة الرسم، حيث وافق مجلس مدينتها على خطة رئيسية محدثة تسمى كيجالي ياكو، والتي تعني “كيجالي الخاصة بنا” باللغة الكينيارواندية المحلية.
وأوضح التقرير أنه تم تطوير الخطة بالتعاون مع شركة SMEC – وهي شركة استشارية عالمية للبنية التحتية مملوكة لوحدة من شركة Temasek Holdings المملوكة للدولة في سنغافورة – وتهدف الخطة إلى استيعاب المدينة لـ 3.8 مليون شخص وخلق 1.8 مليون فرصة عمل بحلول عام 2050.
وقال روكابورانديكوي “إننا نعمل على تطوير استراتيجية جديدة للإسكان. وبمجرد أن نتمكن من إنشاء هيكل منظم للغاية لهذه البرامج ذات الأسعار المعقولة، فإننا نعتقد أننا قادرون على تلبية الطلب”.
إقرأ المزيد :
تمديد اتفاق ( رواندا – ليبيا ) لإجلاء اللاجئين وطالبي اللجوء