الهروب إلى مصر… الأفريقيون يلوذون ببلاد النيل وتاريخها حول العالم
متحف متروبوليتان يقيم معرضًا يؤكد على مصرية الحضارة المصرية القديمة بشكل خالص
تزايد اهتمام الأميركيين السود بالحضارة المصرية القديمة منذ أواخر القرن التاسع عشر، مدفوعين بممارسات عنصرية طويلة جردت الأفارقة من أي مساهمة حضارية.
تعامل أبناء القارة السمراء في الشتات مع الحضارة المصرية كمنجز حضاري مهم لقارتهم التي ينتمون إليها، ولإضفاء الأصالة على هويتهم.
وعارض هذا الاهتمام والأفكار الدافعة له التعريف السائد لعلم المصريات في القرن التاسع عشر، الذي ميز مصر القديمة عن أفريقيا السوداء.
وتجسّد هذا التوجه في العديد من أشكال المحتوى الثقافي، من الفنون البصرية والغناء والكتابة الإبداعية وحتى الدين والسياسة.
من أجل تسليط الضوء على أثر هذا الارتباط العميق للأميركيين السود بالحضارة المصرية القديمة، يستضيف متحف متروبوليتان في نيويورك معرضاً تحت عنوان “الهروب إلى مصر: الفنانون السود ومصر القديمة من عام 1876 حتى الآن”. يسلط هذا المعرض الضوء على أثر هذا الارتباط والأساليب المختلفة التي لجأ إليها الفنانون من أصل أفريقي للاستلهام من الحضارة المصرية القديمة. لا يقتصر المعرض على الفنانين داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط، بل يمتد إلى مجتمعات السود في منطقة البحر الكاريبي وأوروبا، وحتى في أفريقيا نفسها، ما يشير إلى المكانة التي احتلتها الحضارة المصرية القديمة في ثقافة الشتات الأفريقي. يقدم المعرض أعمالاً لفنانين شهيرين وفنانين ناشئين، كما يعيد تقديم أعمال فنية نادرة.
يستمد المعرض عنوانه من لوحة “الهروب إلى مصر” التي رسمها هنري أوساوا تانر عام 1923، وهو أول رسام أميركي أسود يُحقق نجاحاً دولياً. يسلط المعرض الضوء أيضاً على واحدة من الفنانات الأميركيات البارزات، وهي إدمونيا لويس، وهي أول امرأة من أصول أفريقية تحترف مجال النحت. يضم المعرض عمل لويس النحتي الشهير “موت كليوباترا” الذي أنجزته عام 1867، وهو العام الذي يؤرخ له المعرض.
يغطي المعرض ما يقرب من 150 عاماً من الإنتاج الفني والثقافي، بداية من القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، مروراً بسنوات الستينيات والسبعينيات التي تنامى خلالها الاهتمام بالفنون الأفريقية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم. يضم المعرض ما يقرب من 200 عمل من مجموعة المتحف والمجموعات الخاصة، إلى جانب عدد آخر من الأعمال الفنية التي جلبت من مؤسسات ومتاحف أخرى خارج الولايات المتحدة الأميركية.
ينقسم المعرض إلى عشرة أقسام، من بينها “علم المصريات وخط اللون” الذي يُسلط الضوء على الدراسات والروايات المضادة للسردية الأوروبية التي طالما تعاملت مع الحضارة المصرية القديمة من منظور غربي، ونفت عنها انتماءها الأفريقي. وفي قسم “الصحوة والصعود”، يُحتفى بميلاد الفن البصري الأفريقي في بداية القرن العشرين، أو ما يطلق عليه عصر النهضة في هارلم. يُسلط هذا القسم الضوء على الزخارف الفرعونية التي مثلت جانباً محورياً من أعمال الفنانين السود في تلك الفترة.
يُتيح المعرض أيضاً الاطلاع على عشرات الإصدارات للمجلات التي أسسها ناشطون من أصل أفريقي. تُبرز هذه المنشورات جوانب رئيسية من الحداثة السوداء في القرن العشرين، وتعكس جانباً من الأفكار والاهتمام المتزايد والمستمر بمصر القديمة. أما قسم “دراسات التراث”، فهو مُخصص لإسهامات الفنانين المصريين الحديثين والمعاصرين. يضم هذا القسم أعمالاً لعدد من الفنانين المصريين البارزين، مثل النحات محمود مختار والرسام محمود سعيد اللذين سعيا إلى إحياء التقاليد الفنية القديمة في مجالي النحت والتصوير خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومن الفنانين المصريين المُعاصرين، تبرز الفنانات إيمان عيسى ومها مأمون وغادة عامر، والفنان آرميا ملاك خليل.
قسم الملوك والملكات
يُبرز قسم “الملوك والملكات” التأثير الهائل للتماثيل الفرعونية والزخارف الجدارية على لوحات الفنانين السود من أربعينيات القرن العشرين حتى اليوم. بين هذه الأعمال المعروضة في هذا القسم، تبرز منحوتة الفنان الأميركي فريد ويلسون التي يعرضها تحت عنوان “المنطقة الرمادية”؛ عمل مكون من خمس نسخ لتمثال نفرتيتي الشهير. تحمل التماثيل الخمسة درجات لون تتراوح من الرمادي إلى البني الداكن، وتسلط الضوء على السجالات المُستمرة حول الهوية العرقية لملوك وملكات مصر القديمة.
قسم الحج والزمالة
بينما يستكشف قسم “الحج والزمالة” كيف سعى أفراد الشتات الأفريقي إلى سد الفجوة بينهم وبين القارة السمراء من خلال السفر. توثق الصور ومقاطع الفيديو التي يضمها هذا القسم بعض الرحلات المهمة التي قامت بها شخصيات أميركية سوداء إلى مصر، مثل محمد علي كلاي والزعيم الديني والسياسي مالكوم إكس. زار إكس مصر ثلاث مرات، ودوّن ملاحظاته حول هذه الزيارات في كتاباته، التي تعكس قناعته بأن مصر القديمة كانت دليلاً على حضارة سوداء عريقة.
ومن الفنون البصرية إلى الموسيقى والسينما، إذ يضم المعرض عشرات الصور لأغلفة الألبومات الغنائية التي صدرت في الولايات المتحدة منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى الآن لموسيقيين ومغنين سود، وحملت تصاميمها عناصر من الفنون المصرية القديمة. كما يشمل المعرض عرضاً للفيلم الملحمي “الفضاء هو المكان” (1974) الذي يمزج بين الأساطير المصرية القديمة والخيال العلمي. في هذا الفيلم، يلعب الفنان والموسيقي المعروف صن رع دور كائن فضائي يجند الأميركيين السود للانضمام إلى مجتمع مثالي مستوحى من جماليات مصر القديمة.
“نقلاً عن صحيفة العربي الجديد”
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.