الكاتب والباحث الغيني محمد قطرب باري يكتب : اليَـقَـظة الأفريقية الصاعدة ضدّ الامبريالية الجديدة
إنَّ الوَعْـيَ الأفريقي الجديد لهذا الجِيل الأفريقي الوَعِيّ لا ينحني لكلّ رئيس من الرؤساء ، ولا يُخدَع بالشعارات الانتهازية والسطحيّة ، ولا تقبل كلّ بند من بنود العلاقات الإمبريالية ، بل يعارض هذا الجيل – بشدّة – كلّ أنواع التعاون الخارجي الذي لا يجلب الاستقرار والخير للبلدان الأفريقية عامة ، والبلدان الفرانكوفونية بصفة خاصّة ، وهذا ما يشير إلى أنّ هذا التغيير هو التغيير الراديكاليّ للوعي الأفريقي الجديد بعد معاناة ومعارك طويلة منذ في الستينيات.
– بدأتْ العلاقات الدبلوماسية والتعاون العسكري بين فرنسا و بلدان الفرنكوفونية منذ عقود طويلة،ودامتْ هذه العلاقات أكثر مِن 60 عامًا ، ولكنّ التاريخ والأرقام الإحصائية تؤكّد أنّ وجود القوّات العسكرية الفرنسية- باسم التعاون الأمني- في بعض بلدان الفرنكوفونية لم يجلب الخير للبلدان ، بل زاد الفساد والزعزعة الأمني في منطقة جنوب الصحراء.
العلاقة الفرنسية والتعاون الأمني والعسكري مع بلدان الفرنكوفونية في مأزقٍ :
– لا تزال سلسلة انسحاب القوات العسكرية الفرنسية من بلدان الفرنكوفونية مستمّرة ، وهذا الانسحاب ليس تراجُعا استراتيجيّاً أو انسحاباً تكتيكيًّا ، بل هو انسحابٌ إجباريٌّ بعد فشل تامٍّ …
– في 28 من شهر نوفمبر الماضي 2024م أصدرَتْ وزارة الخارجية التشاديّة قراراً ومفاده :” أوقفنا العمل باتفاقيات الدفاعي والأمني مع فرنسا ” .
قلتُ: هذا القرار الشجاع قد أفرح الشعب التشادي الذي طالما يقول في المظاهرات ” تشاد حرّة وفرنسا برّة” . إنّ هذا الإعلان عبارة عن بداية كتابة صفحة وتاريخ جديد لوطن عان من ويلات الإرهاب والحروب.
– وفي لقاءٍ صحفيٍّ مع الرئيس السنغالي السيد بشير جوماي فاي قال كما تمّ نقله مباشرةً يوم الخميس 28 من شهر نوفمبر الماضي 2024م : ( إن فرنسا ستضطر إلى إغلاق قواعدها العسكرية في السنغال ، مشدداً على أن وجودها يتعارض مع سيادة واستقلال بلاده.
وأكّد الرئيس فاي رغبته في تنويع شركاء بلاده، وأوضح أنّ السنغال تربطها علاقات وطيدة مع دول عدة مثل تركيا والصين والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أن “كلّ هذه الدول ليس لها قواعد عسكرية في السنغال”.
وكشف الرئيس السنغالي عن تحديث مرتقَب لعقيدة التعاون العسكري، يقضي بـ”عدم وجود أي قواعد عسكرية في السنغال لأي بلد كان”.
ورحّب فاي باعتراف نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة الخميس، بمسؤولية باريس عن “مجزرة” ارتكبتها قوات فرنسا الاستعمارية في ثياروي قرب داكار في الأول من ديسمبر/كانون الأول 1944).
– والجدير بالذكر ، أنه في 15 أغسطس عام 2022 انسحبت القوات العسكرية الفرنسية من أرض جمهورية مالي ، البالغ عددهم نحو 2400 جندي فرنسي ، بعد تواجدهم في مالي خلال تسع سنوات متتالية لمواجهة الإرهاب كما يدّعون، ولكنّ فيما يبدو أن هم بأنفسهم كانوا يتآمرون على مالي مع الإرهابيين وهذا سبب طردهم أو بلغة دبلوماسية”سبب انسحابهم”.
– بوركينا فاسو في يناير 2023، طلبت مغادرة القوات الفرنسية المنتشرة على أراضيها خلال شهر، متخليةً عن اتفاق يعود لديسمبر 2018 بشأن “وضع القوات المسلحة الفرنسية المتدخلة ” في البلاد.
– النيجر في سبتمبر 2023، أعلن رئيس الفرنسي فرنسا ماكرون , أنّ 1500 جندي فرنسي سينسحبون من البلاد بحلول أواخر العام ، وذلك بعدما انقلب جنرال عبد الرحمان تشياني في 26 يوليو على محمد بازوم الذي كان يعتبر أحد عميل من علماء فرنسا .
هذه من الخطوة التي كنا ننتظرها من زمان بعيد، كلّ ذلك بفضل جهود نشطاء البنافريقيين الذين ينشدون الرسائل التوعَوِيّة والرُّؤى المستقبلية الناهضة ، وبفضل الشعوب الواعية التي لا تزال تكافح وتنافح من أجل التحرر والاستقلال الحقيقي لبلدان الفرنكوفونية ، ومن بين نتيجة مكافحة الشعوب إيقاف التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا ، وهذا المسار الجديد قد يقفز قفزة نوعية لتمكين استقرار الأمن والأمان في منطقة جنوب الصحراء ، وتحريك عجلة النهضة والتعمير في بلداننا ، لأنّ قبل أن نتحدّث عن التطوير والتقدّم والتعليم من الأولى والأجدر أن يتوفّر الأمن والسلام في المناطق والأقاليم والمُدن والقُرى، ولا معنى للنهضة إن لم يتوفّر الأمن في أنحاء البلاد، وكان وجود القوات المسلحة الفرنسية في أراضينا لم تزد بلداننا إلاًّ تدهورا وتقهقرى، وانسحابهم خطوة ممتازة ، والتي تدل على بداية استقلال حقيقي لدولنا، والشعب المُحرّر لا يعتمد – كُـلِـياًّ – على أجندات خارجية .
* محمد قطرب باري .. باحث وكاتب غيني في القضايا الأفريقية
اقرأ المزيد