من حلم الدراجة إلى التحكم في الاقتصاد العالمي .. الوصفة « الصينية » للحاق بقطار التنمية
تونس اسيا العتروس
الصين تخلصت من وصم الفقر في الأرياف منذ 2020 وهي تتطلع إلى الذكرى الاولى لمئوية جمهورية الصين الشعبية بمزيد من الانجازات الاجتماعية والاقتصادية و المعرفية بركوب قطار التنمية الفائق السرعة على طريق الحرير العابر للقارات .
تعميق الاصلاح الشامل
“تعميق الاصلاح الشامل لدفع التنمية العالية الجودة” كان عنوان المحاضرة التي نظمتها السفارة الصينية بتونس والتي قدم خلالها الخبير الإقتصادي الصيني بالاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تساي فانغ قراءته لأبرز توصيات نتائج الدورة الكاملة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني لتعزيز الاصلاح و التحديث .. وسبق للخبير الصيني تساي فانغ نشر كتابين في مجال الاصلاح الاقتصادي بعنوان “أسرار التنمية الاقتصادية الصينية “و “الاقتصاد الصيني في القرن الجديد “.
و سيكون من المهم قبل التوقف عند أهم الاجراءات لتحديث الاقتصاد الصيني الاشارة إلى أن تطلعات الصين اليوم تتجاوز ما كانت عليه مع بداية مرحلة الانفتاح في تسعينات القرن الماضي إلى ما هو أشمل مع توسع الحلم الصيني من مكافحة و القضاء على الفقر في الصين إلى إحياء و تنشيط طريق الحرير ليربط الصين بمختلف شعوب العالم .
و يمكن القول أنه فيما كان الخبير الصيني تساي فانغ يستعرض الآفاق التي يتطلع إليها الصينيون خلال العقود القادمة فقد كان يعيد إلى الاذهان ما كانت عليه الصين قبل أكثر من ثلاثة عقود عندما كنا طلبة في جامعة بيكين للغات للفترة بين 1987 و 1989 و كان حلم المواطن الصيني في تلك الفترة الحصول على عجلتين أو دراجة تمكنه من التنقل في حياته اليومية وتيسر له اقتناء احتياجات عائلته حيث كانت الصين تعتمد سياسة الطفل الواحد للعائلة و هو ما يعني أن الدراجة كفيلة بتحقيق هذه الاحتياجات .
و ربما لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن حياة الصينيين في تلك المرحلة قبل اعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي كانت لا تتلخص في صحفة الأرز و كأس الشاي و البدلة الزرقاء الماوية التي يتدثر بها الصينيون نساء و رجالا ، و ليس من الغريب في شيئ ألا تسمع في الصباح و أنت تقطع حديقة المعهد في اتجاه القسم غير عبارة ىه Ni che fan le ma و هي تعني هل أكلت و قد دأب الصينيون على التحية بهذه الطريقة و الاطمئنان على بعضهم البعض لمعرفة إن كان مخاطبهم قد أكل و ذلك لكثرة المجاعات و الأزمات و الحروب التي مرت على الصينيين و جعلتهم في حالة صعبة للغاية .. و مقابل ذلك يمكن القول أن من عايش الصينيين و خبرهم و تعلم منهم أيضا يدرك جيدا أنهم شعب صبور و مجتهد و مكافح و هو ما جعله يغير وجه الصين خلال عقود قليلة من دولة فقيرة هدفها توفير ما يكفي من الطعام لأكثر من مليار نسمة إلى قوة اقتصادية تخشاها القوى الكبرى التي بدأت تحسب ألف حساب و حساب للتنين الاقتصادي و العسكري و التجاري والعلمي و الثقافي الذي يفرض سيطرته على العالم بتوخي سياسة القوة الناعمة لاكتساح الأسواق العالمية و إغراء و استقطاب الأسواق الافريقية بالمساعدات و الاستثمارات .
الجامعات الصينية
و الحديث عن الصين و ما تحقق لها من تطور على مختلف المستويات يظهر ايضا في عدد الجامعات الصينية المتضاعف ضمن افضل الجامعات في العالم و التي باتت قبلة الطلبة و الباحثين من مختلف أنحاء العالم في مجال الهندسة و التكنولوجيا الحديثة و الطب الصيني و الفضاء .
و حتى نفهم بعض أسرار هذا التحول الصيني فان الخبير الصيني تساي فانغ يأخذنا معه خلال المحاضرة التي واكبها عدد الصحفيين و الجامعيين و ممثلي الأحزاب و الجمعيات التونسية إلى المحاور السبعة الكبرى للدورة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني لتطوير النظام الاشتراكي ذو الخصوصيات الصينية و دفع عجلة التحديث , إلى جانب بناء نظام اقتصاد سوق اشتراكي رفيع المستوى وتطوير الديمقراطية الشعبية الكاملة وبناء دولة اشتراكية قوية ورفع جودة معيشة الشعب وبناء صين جميلة و آمنة ذات مستوى أعلى ، وأخيرا رفع مستوى الحزب في القيادة و الدفع نحو توليه زمام الحكم لمدة طويلة .و هي الاجراءات و الخطوات التي تضمن تحقيق أهداف التنمية لسنة 2035 أي خلال العقد القادم و ذلك من جانب العرض والطلب من خلال تحقيق معدل نمو جيد في نصيب الفرد وفقا لمعايير التحديث بالاعتماد على الابتكار وزيادة الإنتاجية وتوسيع الطلب المحلي، بالإضافة إلى إصلاح المنظومة الاقتصادية وتقديم الديناميكية الجديدة وزيادة إمكانيات استهلاك السكان.
كل ذلك فيما تواجه الصين تحديات اقليمية و دولية متفاقمة في خضم الحرب التجارية و التهديدات الامريكية بمضاعفة الضرائب على المنتجات الصينية مع توجه الصين نحو شراكات اقتصادية جديدة من اسيا الى افريقيا ..و اعتبر الخبير الصيني انه بحلول 2035 سيبقى معدل النمو المحتمل الاجمالي في الصين مراوحا بين 4,5 بالمائة , و 4,8 بالمائة و هي نسبة اعلى بكثير من دول اخرى في نفس المرحلة .
وصمة الفقراء الريفيين
الصين التي تخلصت حسب الخبير من وصمة الفقراء الريفيين منذ 2020| لا تزال تواجه عديد التحديات على أنه من بين ابرز التحديات الاجتماعية التي توقف عندها الخبير الصيني تأكيده دخول الصين مرحلة الشيخوخة المبكر حيث لم تعد الصين القوة الديموغرافية الاولى في العالم بعد أن تجاوزتها الهند وأكّد أنّ الحكومة الصينية أصبحت تدعو إلى مجتمع صديق للانجاب مبتعدة عن سياسة الطفل الواحد المعتمدة في السابق كما اشار الى اهمية و ضرورة تأخير سن التقاعد لرغبة الصينيين في مزيد العمل رقم بلوغ سن التقاعد .
و ذكر بإنشاء أكبر نظام للضمان الإجتماعي من خلال التأمين الأساسي للشيخوخة الذي يغطي 1.7 مليار نسمة .مشيرا الى أن الصين تمتلك النسبة الاعلى للشيخوخة ب51 بالمائة و النسبة الادنى لمعدل استهلاك الاسرة الذي يبلغ 73 بالمائة .
فلسفة الصين لتاخير سن التقاعد تتنزل في اطار تمكين العائلات الصينية من الاستثمار في رفاهيتها و خلق ديناميكية جديدة للتنمية والقوى الإنتاجية الحديثة بدفع زيادة الإنتاجية والتركيز على التكنولوجيا المتقدمة ذات الجودة العالية و الاقتصاد الأخضر.و دعا الخبير الصيني الى ركوب قطار التنمية الصيني عالي الجودة مشددا على ان النمو الاقتصادي و التحضر سيخلق فرص للاستثمار و يعزز التعاون بين دول الجنوب ، و قال “ان الحزام و الطريق و التعاون الصيني الإفريقي ذو الجودة العالية سيخلق الفرص التنموية المبتكرة .
الوصفة الصينية
الوصفة الصينية التي اعتمدها الحزب الشيوعي الصيني لم تخرج عن إطار العقلية الصينية و ثقافة الكونفيسوش عنوان العلم و المعرفة حيث اعتبرت أن التعليم والعلوم والتكنولوجيا والأكفاء تشكل سندا أساسيا وإستراتيجيا للتحديث الصيني النمط ، ولا بد من التطبيق العميق لإستراتيجية إنهاض الوطن بالعلوم والتعليم وإستراتيجية تقوية الوطن بالاعتماد على الأكفاء وإستراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار، للارتقاء بالكفاءة الوطنية, و تعميق الإصلاح الشامل للتعليم، وتعميق إصلاح النظام الإداري للعلوم والتكنولوجيا، وتعميق إصلاح نظم وآليات تنمية الموهوبين. طبعا و هذا إلى جانب اعتبار الانفتاح علامة بارزة للتحديث الصيني بالالتزام بالسياسة الوطنية الأساسية للانفتاح على الخارج، والمثابرة على تعزيز الإصلاح من خلال الانفتاح، ورفع قدرة الانفتاح في عملية توسيع التعاون الدولي وتوسيع الانفتاح المؤسسي بخطوات راسخة، وتعميق إصلاح نظام التجارة الخارجية، وتعميق إصلاح نظام إدارة الاستثمار الأجنبي والاستثمار في الخارج، وتحسين تخطيط الانفتاح الإقليمي، وتكميل آلية دفع البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” بجودة عالية.
وصفة صينية صينية تجمع بين حسن الاستثمار في الفرص القائمة محليا و اقليميا و دوليا لبناء الواقع الصيني الجديد و ضمان الرفاهية التي يتطلع اليها الصينيون قبل حلول الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الصين الشعبية في 2047 وفق استراتيجية معلنة لمواصلة رهان مد جسور طريق الحرير الى مختلف الاقتصاديات الواعدة في العالم خطوة سعت اليها الصين بجدية منذ استعادة مقاطعتي مونغ كونغ من بريطانيا ماكاو من البرتغال و التوجه نحو الانفتاح الاقتصادي على العالم .
اقرأ المزيد
اجتماع وزراء خارجية الناتو و تساؤلات حول مشاركة ملك الأردن