الكاتبة التونسية اسيا العتروس تكتب : إذا نطق شيخ الأسرى الفلسطينيين فأنصتوا له !
” سجنت منذ 1985 و كان لي دوما أمل أني سأتحرر من قبضة الاحتلال .. أنا خريج جامعة السجون تجربة نضالية كبيرة لأجل الوطن ..ثمن حريتنا باهظ جدا ولو خيرونا بأن ثمن الحرية سيكون جرح أو إصابة طفل فلسطيني لما قبلنا هذا الخيار”..كلمات رددها شيخ الأسرى و عميدهم محمد طوباس منذ اللحظات الأولى لمعانقته الحرية بعد أربع عقود من الاسر في سجون الاحتلال ..دخلها شاب وهو مقبل على الحياة وغادرها وهو شيخ لم ينل الاحتلال من ارادته وحقه في البقاء على أرضه واستعادة حريته وحقه في تقريرالمصير ..
أنا فلسطيني وفتحاوي ولكن أكبر من أي فصيل.. فتح و حماس أبناء شعب واحد ..الوحدة الوطنية صمام أمان و دون وحدة لن يتحقق لنا شيئ ..
علم بطوفان الاقصى من التلفازقبل أن يمنع الاحتلال تواتر المعلومات و لكن كان هناك دوما سرى مناضلون جدد يفدون على السجون و يزودون الاسرى بالاخبار…
بالشطرنج والكتب حافظ على قوة الذاكرة و إرادة الحياة ..واصل الدراسة داخل السجن كل ما يدور في العالم يؤثر على القضية الفلسطينية ..وصية حكيم الأسرى للجميع في وحدة صفوف الشعب الفلسطيني حينها يكون الجميع رابح و في الفرقة الجميع خاسر . على القائد أن يستشرف ثمن و تداعيات ما سيقوم به و لا بد من الاستفادة من قراءة التاريخ وما أثاروه من فتنة بين عائلة الحسيني و النشاشيبي في أربعينات القرن الماضي .
بن غفير زعيم عصابة و ليس وزيرا لا يعرف للإنسانية معنى لا ينفث إلا السم أكثر من 850 أسير قتلوا نتيجة التعذيب باوامر بن غفير يتعاملون مع الأسرى كجنود في الحلبة و ليس أسرى ..ليس بإمكانه أن يرى أكثر من مسافة متر ولكنه كان يرى الناس بقلبه..
أربعون عاما لم تسلبه المشاعر الإنسانية أربعون عاما غيرت العالم اسقطت امبراطوريات و لكنها لم تسلبه ارادته و ايمانه بقضيته ,,
يقول محمد الطوس “بعد أربعين عاما في الأسر منعوا عودتي إلى بلدي وقالوا أنت إرهابي ستبقى مبعد ثلاث سنوات ثم نرى “.
بمشاعر مختلطة يتزاحم فيها الألم بالأمل وتهتز فيها الصور مع كل شهادة يقدمها شيخ الأسرى و عميدهم محمد طوس أبو شادي المحرر قبل أيام ضمن صفقة تبادل الأسرى لا يمكن إلا أن تستعيد في آن واحد صور بقية الاسرى القابعين في السجون الاسرائيلية ممن ينتظرون معانقة الحرية و لكن أيضا أن تدرك أن ثمن الحرية باهظ و لم يكن يوما بلا أشواك عندما يتعلق الامر بكيان ينكر على الإنسان إنسانيته و حقه في الحياة .
استمعت لكل الحوارات والشهادات التي قدمها محمد طوس بعد أن استعاد حريته سواء لقنوات مصرية أو عربية فكانت شهادات تعكس ملحمة الشعب الفلسطيني المتوراثة بين الأجيال من أجل الحرية و لكن أيضا و هذا الاهم شهادة تحمل من المواعظ و الحكم ما يتعين على كل الفلسطينيين و كل الفصائل المتناحرة من فتح والجهاد إلى حماس وغيرها أن تنصت بإمعان لحكمته وأن تعي معنى التضحيات الجسام والخيالية التي قدمها أهالي غزة طوال أربع مائة وواحد و سبعون يوما من الإبادة و تدرك معها أيضا معنى التضحيات التي قدمها و يقدمها الأسرى الفلسطينيون في سجون ومعتقلات الإحتلال و ما يتعرضون له من تنكيل نفسي وجسدي لاذلالهم و كسر إرادتهم و فرض سياسة الأمر الواقع التي لا تخدم غير الإحتلال .
محمد الطوس الذي بات يعرف بأنه أقدم الاسرى الفلسطينيين أسطورة تستحق أن تدون وتنقل في مختلف المنابر الاعلامية و لم لا المنابر الدولية لفضح ممارسات السلطات الاستعمارية الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني .
الطوس الذي دخل السجن شابا وغادره شيخا لا يكاد يبصر على بعد أكثر من متر واحد لم تكن اتفاقات أوسلو ومسار مدريد بدأ عندما حرم من الحرية ، يقول الطوس أنها أربعة عقود شهد فيها العالم حروب كثيرة و انهارت امبراطوريات و سقطت جدران و ارتفعت أخرى .
بعد أربعة عقود بأيامها ولياليها قضاها خلف القضبان يغالب الظلم و القهر بالقراءة و الكتابة و لعبة الشطرنج للحفاظ على الذاكرة ..أربعة عقود قادته الى السجن و هو شاب في الثلاثين تاركا وراءه زوجة و طفلين شادي و فداء لا يتذكران ملامحه أما ثالثهم ثائر فقد كان لا يزال جنينا لم يولد بعد .
يصر محمد طوباس على الدوس على ألمه و جروحه و يردد أنه فتحاوي اعتقل في 1985، وقد حُكم عليه بالسجن مدى الحياة مع 21 معتقلاً، بعد ارتقاء الشهيد وليد دقة العام الماضي الذي يعد أحد أهم مفكري الحركة الأسيرة الذي لا يزال زواجه أسطورة تؤثث مسار النضال الفلسطيني في سجن عسقلان كما أن ميلاد طفلته عبر نطفة محررة حكاية أخرى في معركة الاسرى الفلسطينيين مع الاحتلال .
نجا الطوس من الموت بأعجوبة عند اعتقاله عندما أطلق جيش الاحتلال الرصاص على السيارة التي تقله وفيما لقي أربعة من رفاقه حتفهم فيما كتب له عمر جديد .
إلى جانب مسلسل التحقيقات اليومي هدم الجيش الإسرائيلي منزل عائلته ثلاث مرات، كما رفض الإحتلال الإفراج عنه في جميع صفقات التبادل التي تمت على مدار سنوات اعتقاله وآخرها في 2014، حينما رفض الجيش الإسرائيلي الإفراج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين القدامى في حينه وهو من بينهم الأمر الذي صدم زوجته التي دخلت في غيبوبة لمدة عام كامل، إلى أن توفيت عام 2015 دون أن يتمكن من وداعها.
اعتقل الطوس بعد مطاردته وهو داخل مركبة مع خلية لحركة فتح نفذت عدة هجمات ضد أهداف إسرائيلية في عدة مواقع في منطقة بيت لحم.
وحسب ما أكدت مؤسسة شؤون الأسرى الفلسطينية، فإن الطوس أصيب حينها بعدة طلقات نارية بعد استشهاد أفراد الخلية المسلحة الأربعة الذين كانوا برفقته، وأطلق عليه حينها لقب “الشهيد الحي”.
ويتحدر الطوس الذي يطلق عليه لقب عميد الأسرى الفلسطينيين، من قرية الجبعة في بيت لحم جنوب الضفة..
انتهت مرحلة و بدأت مرحلة أخرى في حياة الأسير المحرر أبو شادي شيخ الأسرى الفلسطينيين الذي قضى ضعف ما قضاه الزعيم الجنوب أفريقي مانديلا في سجون نظام الابرتييد .
نعم استعاد أبو شادي عميد الأسرى الفلسطينيين حريته وخرج من ظلام السجون بعد أربعين عامًا من القيد و لكن الاحتلال أبى أن يسمح به .
اقرأ المزيد