أخبار عاجلةالرأي

الكاتب السوداني عمار العركي يكتب : أزمة إدارة الأزمة مع كينيا .. غياب الاستراتيجية يُفقد السودان أدوات التأثير

* لطالما اعتُبرت العقوبات الاقتصادية أداة ضغط في الأزمات الدولية، لكن المشكلة لا تكمن في جدواها الاقتصادية فقط، بل في مدى تحقيقها لأهدافها السياسية والسيادية , فمن غير المنطقي أن تُستخدم كإجراء منفصل دون أن تكون جزءًا من استراتيجية شاملة تضمن تأثيرًا حقيقيًا على الطرف المستهدف.
* في الأزمة مع “كينيا”، جاء قرار وقف الإستيراد كرد فعل متأخر، لكنه لم يكن جزءًا من تحرك متكامل يشمل إجراءات دبلوماسية و سياسية وإعلامية متوازية , وهذا يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن أن يحقق السودان مكاسب فعلية من هذه الخطوة ؟، أم أن غياب الاستراتيجية سيُبقيها مجرد قرار رمزي بلا تأثير حقيقي؟

ارتباك في إدارة الأزمة وغياب التنسيق

* منذ بداية الأزمة، لم يكن تعامل السُودان مع التعدي الكيني كقضية سيادية تستوجب إجراءات حاسمة ومدروسة ، بل تم الإعلان تحويل الملف إلى لجنة غير واضحة المعالم، بدلًا من بقائه ضمن إختصاص وزارة الخارجية ، مما أدى إلى ضياع فرص مؤثرة كان يمكن استغلالها وإستثمارها جيدا لتعطيل التحرك الكيني في عدة محاور مثل :
▪️الانقسامات السياسية داخل المكون الداعي لمشروع الحكومة الموازية المدعومة من نيروبي.
▪️الرفض والمعارضة الكينية الداخلية الواسعة لسياسات الرئيس “ًويليام روتو” ، مما يوفر بيئة خصبة للتأثير على القرار الكيني عبر أدوات دبلوماسية و إعلامية.
▪️التأجيلات المتكررة للإعلان عن الحكومة الموازية، والتي كشفت ضعف الزخم السياسي لهذا المشروع، وهو ما كان يستوجب تحركًا سودانيًا مدروساً يعمّق هذا الفشل بدلًا من الاكتفاء بردود الفعل البطيئة حتي اكملت كينيا مشروع الحكومة الموازية.

القرار الاقتصادي… خطوة ناقصة

* وقف إستيراد المنتجات الكينية قد يشكل ضغطًا اقتصاديًا ، لكنه يظل إجراءً غير مكتمل ما لم يُعزز بتحركات أخرى تعطيه ثقله الحقيقي. فلا يُعقل أن يتخذ السودان قرارًا اقتصاديًا بهذه الحدة دون أن يرافقه تصعيد دبلوماسي وسياسي مماثل، *مثل
▪️إستدعاء السفير الكيني أو طرده ردًا على التجاوزات الكينية.
▪️تحريك الملف دوليًا في المنظمات الإقليمية، خصوصًا الاتحاد الإفريقي والإيغاد .
▪️إستغلال الانقسام الكيني الداخلي وتوظيفه عبر حملات إعلامية ودبلوماسية فعالة. ولكن غياب هذه الخطوات يجعل القرار الاقتصادي يبدو معزولًا وغير كافٍ لإحداث التأثير المطلوب.

النتيجة: السودان يُضيع أدوات الضغط

* لو كان السودان يمتلك رؤية استراتيجية واضحة، لكانت تحركاتها منذ البداية متكاملة ومتزامنة، تجمع بين الضغط الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والإعلامي، مما يُكبّل نيروبي ويجبرها على التراجع. لكن الواقع يعكس استمرار نهج ردود الفعل المتأخرة، مما يضع السودان في موقف الدفاع بدلًا من المبادرة.

خلاصــة القــول ومنتهــاه :

* إن استمرار إدارة الملف الكيني بهذه الذهنية غير الاستراتيجية يعني أن الارتباك سيظل السمة الأبرز لتحركات السودان، ما يمنح كينيا مساحة للمناورة والمضي في مشروعها دون مقاومة حقيقية.
* لذلك، لا بد من إسناد هذا الملف لآلية استراتيجية متخصصة، تمتلك فهمًا دقيقًا لتعقيدات المشهد الإقليمي. ورؤية واضحة لكيفية توظيف أدوات الضغط المتاحة ، خطة شاملة تربط بين الاقتصاد، والدبلوماسية، والسياسة، والإعلام، والقانون الدولي لضرب المشروع الكيني في مراحله المبكرة وليس بعد اكتماله.
* بدون ذلك، سيظل السَودان يُلاحق الأحداث بدلًا من صناعتها، وستبقى كينيا قادرة على فرض أجندتها دون تكلفة تُذكر.

 

إقرأ المزيد :

الكاتب الصحفي السوداني عمار العركي يكتب : بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي حول السودان.. قراءة في الدلالات والأبعاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »