رامي زهدي يكتب: المعادن الحيوية في إفريقيا.. محط أنظار واشنطن

«هل تسعي الولايات المتحدة الأمريكية لعقد شراكة بديلة مع الكونغو الديمقراطية بديلاََ عن معادن جنوب إفريقيا..؟»
تشهد القارة الإفريقية تنافسًا متزايدًا بين القوى الكبرى على الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها المعادن الحيوية التي تُعد أساسية للصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة، ومن هذا المنطلق، تأتي المحادثات الاستكشافية بين الولايات المتحدة وجمهورية الكونغو الديمقراطية حول صفقة معدنية، لتكشف عن أبعادا أوسع تتجاوز المصالح الاقتصادية إلى اعتبارات جيوسياسية واستراتيجية كبرى في وقت تواجه فيه الكونغو الديمقراطية ضغوطا سياسية وميدانية بسبب الحرب مع حركة M23 وأيضا مع بعض دول الجوار الداعمة للحركة سواء رواندا أو أوغندا او غيرهم، فيما قد يشير إلي احتمالية أن هذه الضغوط مصطنعة أو موجهة ضد الكنغو الديمقراطية ربما لجعلها في وضع الجاهزية لتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن التواجد الروسي في هذه المنطقة مؤثر وواضح في السنوات الأخيرة.، وبالتالي يمكن تناول الأمر من عدة أبعاد؛
الأبعاد الاقتصادية وتتمثل في تأمين سلاسل التوريد والسيطرة على المعادن الاستراتيجية
حيث تسعى واشنطن، من خلال هذه المحادثات، إلى تحقيق عدة أهداف اقتصادية رئيسية:
1. تقليل الاعتماد على الصين حيث تهيمن الصين على سلاسل التوريد العالمية للمعادن النادرة، حيث تسيطر على أكثر من 60% من عمليات التكرير والمعالجة لهذه المعادن، وبما أن الكونغو الديمقراطية تنتج أكثر من 70% من الكوبالت العالمي، فإن أي اتفاق أمريكي مع كينشاسا قد يساعد في تقليل النفوذ الصيني على هذه المواد الحيوية.
2. ضمان إمدادات مستقرة للصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة حيث أن المعادن الحيوية مثل الكوبالت، والليثيوم، والنيكل تُعد ضرورية لتصنيع البطاريات الكهربائية وأشباه الموصلات، وهما قطاعان أساسيان في التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر. امتلاك النفوذ على هذه المعادن يتيح للولايات المتحدة ميزة تنافسية كبيرة في صناعة التكنولوجيا المستقبلية.
3. تشجيع الاستثمار الأمريكي في التعدين الإفريقي حيث تهدف واشنطن إلى دفع شركاتها نحو الاستثمار المباشر في قطاع التعدين الإفريقي، ما يعزز التواجد الاقتصادي الأمريكي في القارة ويفتح فرصًا جديدة للشركات الأمريكية بعيدًا عن سيطرة المنافسين الآسيويين والأوروبيين.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية وتتمثل في مواجهة النفوذ الصيني والروسي في إفريقيا
1. احتواء النفوذ الصيني حيث تعزز بكين حضورها الاقتصادي في إفريقيا منذ عقود، وخاصة عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية، لذلك فإن المساعي الأمريكية للتقارب مع الكونغو تأتي ضمن استراتيجية “إعادة التوازن” لمواجهة الهيمنة الصينية على المعادن الإفريقية.
2. منافسة النفوذ الروسي، فالمنافسة لا تقتصر في إفريقيا على الصين، بل تمتد إلى روسيا، التي تستخدم شركاتها الأمنية الخاصة (مثل فاجنر سابقا و الآن الفيلق الروسي الإفريقي) لعقد صفقات التعدين مع بعض الدول الإفريقية، بيننا تريد الولايات المتحدة وتسعي لتقليل مساحة النفوذ الروسي في القارة عبر شراكات اقتصادية استراتيجية.
3. تعزيز الشراكات الغربية، حيث تأتي هذه التحركات ضمن جهود أوسع لتشكيل تحالفات مع أوروبا ودول أخرى لضمان عدم وقوع المعادن الحيوية تحت سيطرة خصوم واشنطن الجيوسياسيين.
المعادن الحيوية في الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا
جمهورية الكونغو الديمقراطية:
1. الكوبالت: تُنتج الكونغو أكثر من 70% من إجمالي إنتاج الكوبالت العالمي، وهو معدن أساسي في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وتقنيات تخزين الطاقة.
2. النحاس: تُساهم الكونغو وزامبيا معًا بأكثر من 12% من إنتاج النحاس العالمي، وهو معدن أساسي في أنظمة الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء.
جنوب إفريقيا:
1. معادن مجموعة البلاتين (البلاتين، البلاديوم، الإيريديوم):تُنتج جنوب إفريقيا أكثر من 70% من البلاتين العالمي، وأكثر من 80% من الإيريديوم، وهي معادن ضرورية لعمليات التحليل الكهربائي وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
2. المنجنيز: تُعد جنوب إفريقيا أكبر منتج للمنجنيز عالميًا، ويُستخدم في تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية.
3. العناصر الأرضية النادرة: تحتوي جنوب إفريقيا على أحد أغنى المناجم في العالم لهذه العناصر، والتي تُستخدم في تصنيع الإلكترونيات المتقدمة وتقنيات الطاقة المتجددة، مثل معدن الروديوم.
التحديات أمام واشنطن في إفريقيا
– المنافسة الصينية والروسية الراسخة: رغم محاولات الولايات المتحدة، لا يزال للصين وروسيا نفوذ قوي في إفريقيا، خاصة أن الصين تستثمر في البنية التحتية التي تحتاجها الدول الإفريقية، بينما تقدم روسيا دعمًا أمنيًا وعسكريًا لحكومات عديدة.
– التحديات المحلية في الكونغو الديمقراطية: تواجه البلاد مشاكل في الاستقرار السياسي، وضعف البنية التحتية، والفساد، وهي عوامل قد تعرقل تنفيذ أي اتفاق أمريكي جديد.
– الموقف الإفريقي المتوازن: تحاول العديد من الدول الإفريقية تبني سياسة عدم الانحياز في التنافس الدولي على مواردها، وهو ما قد يحد من قدرة واشنطن على تحقيق نفوذ مطلق في هذا القطاع.
“السيناريوهات المحتملة”
أولاََ: نجاح الولايات المتحدة في توقيع اتفاق استراتيجي: إذا تمكنت واشنطن من تقديم حوافز اقتصادية مغرية لحكومة الكونغو، فقد يتم توقيع اتفاق يمنح الشركات الأمريكية حق الوصول إلى المعادن الاستراتيجية، مما يعزز الاستقلال الأمريكي عن سلاسل التوريد الصينية.
ثانياََ: تعثر المفاوضات نتيجة الضغوط الصينية: من المحتمل أن تواجه الكونغو ضغوطًا صينية كبيرة للحفاظ على عقودها الحالية مع الشركات الصينية، مما قد يؤدي إلى عرقلة أي اتفاق أمريكي.
ثالثا: توجه الكونغو إلى سياسة تنويع الشراكات: قد تحاول كينشاسا تحقيق أقصى استفادة من التنافس الدولي من خلال توقيع اتفاقيات متعددة مع كل من الصين والولايات المتحدة وأطراف أخرى، بدلاً من الانحياز لطرف واحد.
ختاماََ؛
قد تُعد المحادثات بين واشنطن والكونغو الديمقراطية بشأن صفقة المعادن جزءًا من صراع عالمي أوسع للسيطرة على الموارد الحيوية اللازمة للاقتصاد الرقمي والانتقال إلى الطاقة النظيفة، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول تقليل هيمنة الصين وروسيا على المعادن الإفريقية، فإن نجاحها في ذلك سيعتمد على مدى قدرتها على تقديم بدائل اقتصادية واستثمارية جذابة لشركائها الأفارقة، في ظل بيئة جيوسياسية معقدة ومتنافسة.
* رامي زهدي .. خبير الشؤون الإفريقية, السياسية والإقتصادية،وملفات الإستثمار والتجارة البينية بالقارة الإفريقية.
اقرأ المزيد
الدكتور محمود أحمد فراج يكتب: جمارك ترامب وأفريقيا .. نهاية حقبة التجارة الحرة؟