أخبار عاجلةالرأي

عمر مختار الأنصاري يكتب : أي لغة محلية تستحق أن تخلف الفرنسية في النيجر؟

بعد انسحاب النيجر من منظمة الفرنكوفونية الدولية، أصبح النقاش حول ترسيم لغة محلية بديلة للغة الفرنسية قضية ملحة تجمع بين المثقفين والشعب في حوار وطني عميق، فهذا الانسحاب ليس مجرد قرار سياسي، بل دعوة لاستعادة الهوية الثقافية والسيادة الوطنية، مما يستوجب خطوة حاسمة تتجاوز التناقض بين الاستقلال السياسي وبقاء الفرنسية كلغة رسمية للبلاد.

وفي هذا السياق، نستعرض اللغات المحلية الـ11 المعترف بها دستوريًا في النيجر، والتي تُبث برامجها عبر الإذاعة والتلفزيون، وهي مرتبة حسب نسبة انتشارها التقريبية كالتالي:

الهوسا: اللغة الأكثر انتشارًا.

(التماشيق والتاساواق والأجدالية): تنتشر على مساحات واسعة لاتكاد تخلو منها منطقة ولو بنسبة يسيرة.

(الزرما وسونغاي) : تتركز في الجنوب الغربي (تيلابيري، دوسو، والعاصمة نيامي).

الفولفولدي (الفولانية).

الكانوري.

الغورمانتشيمة.

العربية.

التيبو (التوبو).

ورغم غنى هذا التنوع اللغوي، يتركز النقاش حول أربع لغات رئيسية لأسباب تتعلق بالشعبية والأصالة والامتداد الإقليمي والعالمي:

أولًا: لغة الهوسا

تتمتع الهوسا بشعبية ساحقة، إذ يتحدثها أكثر من 50% من سكان النيجر، وتُعتبر لغة تواصل مشتركة بين مختلف الأعراق، ويراهن أنصارها على انتشارها المحلي ومكانتها في دول الجوار كتشاد ونيجيريا، فضلاً عن حضورها العالمي كإحدى اللغات الأفريقية الرئيسية.

ثانيًا: اللغة العربية

تُعد العربية لغة محلية في النيجر، لكن قيمتها تتجاوز الحدود المحلية لكونها لغة دينية وعالمية تربط البلاد بالثقافة الإسلامية والعالم العربي. ويرى مؤيدوها، خاصة من المتعلمين، أنها تجمع بين الأصالة والانفتاح الدولي، مما يجعلها مرشحة قوية لخلافة الفرنسية.

ثالثًا: الزرما وسونغاي

تتميزان بشعبيتهما في العاصمة نيامي والجنوب الغربي، مع امتداد إقليمي في مالي وبوركينا فاسو. ويؤكد أنصارهما أن ترسيمهما يعزز الهوية المحلية في هذه المناطق الحيوية، ويحافظ على التواصل الثقافي مع دول الجوار.

رابعًا: التماشيق (الطارقية)

تُعتبر التماشيق رمزًا للأصالة والعمق التاريخي، فهي لغة منحوتة بحروف التيفيناغ على جبال آير منذ قرون، تحمل إرثًا ثقافيًا يمتد إلى جذور الأمازيغية المشتركة مع لغتي التيسوقت والأجدالية. ويراها كثيرون ليست مجرد لغة، بل تعبيرًا عن الهوية الوطنية الأصيلة التي تجمع بين الشعبية المحلية والتاريخ العريق. كما أن ترسيم الأمازيغية في الجزائر والمغرب يفتح الباب أمام إمكانية استلهام تجربة ناجحة لتطبيقها في النيجر، مع امتدادها الإقليمي الذي يعزز مكانتها.

أهمية ترسيم لغة محلية

اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي مرآة تعكس الثقافة والهوية. فلا يمكن للغة أجنبية أن تجسد روح شعب كما تفعل لغته الأم التي يعيش بها تفاصيل حياته اليومية. ترسيم لغة محلية هو تأكيد للسيادة الوطنية ثقافيًا، وخطوة تسهل تعليم الأجيال الناشئة بلغاتهم، بدلاً من إرهاقهم بتعلم لغة أجنبية ثم استخدامها كوسيط للمعرفة، وفي هذا السياق، تبرز التماشيق كرمز للأصالة، فهي ليست مجرد لغة منطوقة، بل شاهد حي على تاريخ النيجر وحضارتها.

تحديات تغيير اللغة الفرنسية

مع ذلك، يواجه استبدال الفرنسية تحديات جمة. فكل جماعة تدافع عن لغتها، وترى في اختيار لغة أخرى تهميشًا لها. لكن يجب أن ندرك أن الفرنسية، كلغة أجنبية، فُرضت علينا لعقود، فكيف نُفضلها على لغاتنا الوطنية؟ إذا كانت فرنسا، بكل تنوعها اللغوي، قد اتحدت حول الفرنسية لمصلحتها الوطنية، فلمَ لا نتحد نحن النيجريون حول لغة محلية تعبر عنا؟ وهنا تتألق التماشيق كخيار يعكس الوحدة والأصالة، بعيدًا عن الانقسامات القبلية أو الشعبية.

حل وسط: اللغة العربية أم التماشيق؟

قد تُطرح العربية كحل وسطي، لأنها لغة أقلية محلية لا تثير حساسيات الجماعات الكبرى، وتحمل مكانة دينية وعالمية، لكن البعض قد يعتبرها أجنبية بسبب محدودية انتشارها.

في المقابل، تقدم التماشيق نفسها كلغة محلية خالصة، متجذرة في تراب النيجر، تحمل أبجديتها الخاصة وتاريخها الممتد عبر القرون، مما يجعلها الأكثر رمزية للسيادة الوطنية والاستقلال الثقافي.

الخاتمة: التماشيق خطوة نحو السيادة الثقافية

على حكومة النيجر أن تتخذ قرارًا جريئًا بترسيم إحدى اللغات الأربع المذكورة، مع الإبقاء على الفرنسية مؤقتًا كمرحلة انتقالية، حتى نتحرر كليًا من إرثها الاستعماري .

ولعل التماشيق تبرز كخيار مثالي، ليس فقط لشعبيتها وامتدادها الإقليمي، بل لأنها تجسد الأصالة والكرامة الوطنية بأبهى صورها ، ومع ذلك، يمكن اعتماد أكثر من لغة رسمية تعكس تنوع النيجر الثقافي، مع التركيز على أن تكون الخطوة الأولى هي التخلص من هيمنة الفرنسية. فاللغة ليست مجرد وسيلة تعبير، بل راية سيادة وهوية، والتماشيق قد تكون تلك الراية التي نرفعها عاليًا لنعلن استقلالنا الثقافي الحقيقي.

* عمر مختار الأنصاري .. كاتب وسياسي نيجري .

اقرأ المزيد

الدكتور محمود أحمد فراج يكتب: جمارك ترامب وأفريقيا .. نهاية حقبة التجارة الحرة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »