مصطفى النجار عقب تكريمه كأفضل كاتب سياحي عربي: يتحدث عن..” أحلام السياحة المصرية”

ويشرح: الرئيس السيسي يروّج لمصر بصورة غير مسبوقة.. والإعلام السياحي سلاح لا يمكن تجاهله

محمد عبد الحكيممنذ 8 ساعات

ا مصطفي النجار تصوير فواد الجرنوسي32 scaled مصطفى النجار عقب تكريمه كأفضل كاتب سياحي عربي: يتحدث عن.." أحلام السياحة المصرية"

>> السياحة أضافت للعمران المصري أكثر من 1% في المناطق النائية

>> مصر أكثر دول العالم تنوعًا في أنماط السياحة من الثقافية إلى الترفيهية والعلاجية.. والكنز لا يزال في باطن الأرض

>> السياحة الثقافية عالميًا تتراجع الي 18% لكن في مصر بمقوماتها ومتاحفها يجب أن تحقق ضعف هذا الرقم

حوار سفيان العومي– afronews24

2-1

في صباحٍ مشمس من صباحات القاهرة، التقينا الكاتب الصحفي بالأهرام مصطفى النجار عقب تكريمه من الاتحاد العربي للإعلام السياحي عن مجمل أعماله خلال الـ 30 عامًا الماضية التي قضاها في الكتابة في مجالات السياحة والسفر بمصر وأيضا تكريمه عقب فوزه بجائرة أفضل برنامج سياحي في الوطن العربي وهو برنامج “المواجهة حق المعرفة” الذي يقدمه ويذاع على تليفزيونات ON TV والقاهرة والناس.
في البداية وجدناه رجلٌ لا يشبه أجواء المكاتب المغلقة، ولا يحب الجلوس طويلًا على الكراسي الوثيرة، قالها لي مازحًا وهو يرفع فنجان القهوة: “أنا مش بتاع مكاتب.. أنا بتاع مواقع، بتاع ناس، بتاع قصص حقيقية.”
الحقيقة حين تتحدث السياحة والسفر بلسان مصري: فلن نجد غير مصطفى النجار.. 30 عامًا من الحكايات التي لم تُروَ بعد
فهو ليس مجرد كاتب صحفي، ولا مجرد خبير سياحي. بل رجلٌ مشى دروب المدن القديمة، وجلس في صالات الانتظار بالمطارات الكبرى، وتحدث مع البسطاء في واحات نائية كما تحدث مع وزراء السياحة في عواصم القرار.
مصطفى النجار، الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن السياحي، يقضي أكثر من ثلاثة عقود وهو يكتب، لا عن الأماكن فحسب، بل عن أرواحها.

امتازت كتاباته بتفردٍ واضح، لا يكرر السائد ولا يُعيد إنتاج الكليشيهات. عايش تطور السياحة المصرية لحظة بلحظة، من أيام كانت فيها فكرة “الترويج” مجرد منشور مطبوع، إلى زمن أصبحت فيه الصورة الذهنية لمصر تُصنع على شاشات الهواتف حول العالم.
يمتلك شبكة علاقات واسعة، محليًا ودوليًا، جعلته في قلب دوائر التأثير، لا ككاتب فقط، بل كصانع رؤية ومشارك فعلي في رسم ملامح المستقبل السياحي لمصر.
في هذا الحوار الخاص مع afronews24، يفتح لنا النجار خزائن الذاكرة، ويأخذنا في رحلة خلف كواليس صناعة السياحة، يحدثنا عن الفرص التي لم تُستغل بعد، والمقاصد التي تنتظر لحظة الانطلاق، والدور الذي يلعبه الإعلام في تحويل احلام السياحة المصرية إلى واقع.
جلسنا في مكتبه بجريدة الأهرام العريقة، بينما كان يتحدث بنبرة هادئة لكنها محمّلة بشيء يشبه الحلم. حلم اسمه “السياحة”، لكنه ليس الحلم الذي نعرفه.
قال السياحة ليست رفاهية، السياحة مستقبل بلد كامل، أقصر طريق نخلق ونولد منه فرص عمل ونجني منه عملة صعبة وكرامة اقتصادية للمواطنين.

وقال: “بص حوالينا.. العالم كله يركز الآن على الشواطئ والتسوق والأنشطة الترفيهية، وهذا جعل السياحة الثقافية تتراجع جدًا، فهي الآن لا تمثل غير 18% فقط من حجم السياحة العالمية،مقابل 75% للسياحة الشاطئية والترفيهية و5% لبقية الانماط، إلا أن مصر يجب أن تكون الارقام فيها مضاعفة لأنها تمتلك ما لم يمتلكه الآخرين من معابد والمتحف المصري الكبير ومتاحف أخري وآثار .
ففي الوقت الذي تُغلق فيه المتاحف أبوابها باكرًا في بعض العواصم، تظل معابد الكرنك تُشعل الخيال، وأبو الهول يواصل طرح الأسئلة، وكنوز الفراعنة تقف صامدة كأنها كُتبت لتُقرأ في كل العصور.
مضيفًا أن مصر لا تملك فقط “مواقع أثرية”، بل تمتلك “مخزونًا إنسانيًا” قادرًا على إعادة الروح لهذا النمط السياحي الذي بدأ العالم ينصرف عنه.
هنا، لا تُعرض الحضارة في vitrines زجاجية، بل تُعاش على أرضها، تُلمس حجارتها، وتُقرأ نقوشها، وتُحكى أساطيرها كما لو كانت لا تزال تنبض بالحياة.

سألنا: ماذا يمكن أن تضيفه السياحة المصرية للاقتصاد؟ لفرص العمل؟ ولمستقبل هذا البلد؟

لم يتردد كثيرًا، بل قالها وكأنه كان ينتظر هذا السؤال: السياحة ليست مجرد قطاع اقتصادي، دي أقصر طريق لمستقبل مختلف، قطاع واحد بس، يقدر يفتح أبواب رزق لعشرات الآلاف من الشباب، من أول الذين بيشتغلوا في الفنادق والمطارات، لحد الراجل اللي بيبيع خرز في سوق خان الخليلي للمزارع الذي يزرع أرضه ويورد منتجاته للفنادق، وللحمال الذي يحمل علي ظهر سيارته هذه المنتجات وينقلها الي المنتجعات، الي أصحاب الحرف اليدوية وغير اليدوية الداخلة في هذه الصناعة فالسياحة صناعة تشغل 70 صناعة أخري.”
“وأضاف السياحة هي المصدر الأسرع لدخول العملة الصعبة، وإحنا في لحظة محتاجين فيها أي فرصة حقيقية لتحسين الميزان التجاري، وتقليل الضغط على العملة، يعني ببساطة، السائح الذي يأتي لمصر “بييجي هنا مش بس بيتفسّح.. ده بيدفع، وبيشتري، وبيحرّك السوق.”
“ولو نتكلم عن المستقبل، لازم نعرف إن السياحة هي المورد اللي ما بيخلصش، لو اشتغلنا عليه صح، ممكن يفضل يدي البلد لسنين طويلة، فهي ليست مثل البترول الذي بينضب، ولا مثل الزراعة التي تحتاج الي عناصر انتاج كثيرة، السياحة محتاجة حضارة.. وإحنا عندنا منها ما يكفي لأجيال قادمة.”

سألناه عن تأثير السياحة المصرية على الاقتصاد المصري، وخاصة في المناطق النائية. وكيف أضافت السياحة إلى المعمور من مساحة مصر؟

ابتسم قليلًا وقال:
“مصر مش بس القاهرة والأهرامات، مصر أوسع وأعمق من كده بكتير. أتعرف إن السياحة المصرية أضافت بالفعل أكثر من 1% من المساحة الإجمالية لمصر في المناطق النائية؟ ده مش رقم صغير!”
ثم أضاف:
“لو اتكلمنا عن المناطق النائية، زي الواحات البحرية، أو مناطق جنوب الصعيد، أو حتى الأماكن الصحراوية اللي كانت مغلقة لسنوات طويلة، هنلاقي إن السياحة كانت السبب الرئيسي في إن هذه الأماكن تبدأ تفتح أبوابها للعالم، بفضل السياحة، اصبح فيه بنية تحتية، وفي شبكة طرق، وفي تطوير مستمر في هذه المناطق
وأضاف: مصر من أكثر الدول تنوعًا في الأنماط السياحية. عندنا كل حاجة: من السياحة الثقافية اللي بتستقطب الباحثين عن الآثار، للسياحة العلاجية، والتشويقية، والمغامرات الصحراوية، وحتى سياحة الغوص في البحر الأحمر. ده شيء ما يتوفرش في كتير من الدول.”
“وبالعكس، السياحة مش بس بتجذب الزوار، هي كمان بتخلق فرص عمل، بتعزز من تنمية القرى الصغيرة، وبتشجع الشباب على البقاء في مناطقهم بدلاً من الهجرة للمدن الكبرى.”
استطرد مصطفى بينما كان يرسم بأصابعه تفاصيل على الطاولة:
“السياحة لو اتخطط لها كويس، ممكن تتحول من مجرد نشاط اقتصادي لفرصة حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال توزيع الفرص على جميع أنحاء مصر.”

• سألنا النجار عن رأيه في كيفية الترويج للسياحة المصرية، وما إذا كان يتم بالطريقة الصحيحة، خصوصًا في ظل الدعاية التي يقودها الرئيس السيسي لتحسين الصورة الذهنية لمصر؟

أجاب بصراحة وواقعية:
“وقال: خليني أكون صريح معاك، من غير ترويج صحيح، مش هتوصل لنتيجة، الترويج مش بس صور حلوة على الإنترنت أو مقاطع فيديو عابرة، لازم تكون فيه استراتيجية شاملة، تقدر توصّل لكل حتة في العالم، وتعرض مصر كوجهة سياحية متنوعة وآمنة.”
ثم تابع قائلاً:
“بالنسبة للرئيس السيسي، الحقيقة إن القيادة السياسية في مصر أخذت على عاتقها تغيير الصورة الذهنية لمصر على الصعيد العالمي، وكان لها دور كبير في تسليط الضوء على الوجه الآخر لمصر، مش بس الوجه التاريخي. زي ما شفنا في الافتتاحات الكبرى، مثل طريق الكباش في الأقصر، وموكب المومياوات الملكية.”
“الرئيس السيسي ما اكتفاش بالكلام، بدأ بتنفيذ خطوات عملية، استكمل مشروعات سياحية ضخمة مثل المتحف المصري الكبير، بني مدن سياحية جديدة أقام بنية تحتية غير مشهودة خاصة شبكة الطرق التي تخدم المناطق السياحية وتطوير مطارات مصر وبناء مطارات جديدة، وأطلق فعاليات دولية، واهتم بالتسويق الإعلامي لهذه الفعاليات بشكل غير تقليدي.”
وهذا مهم جدًا لأن العالم عندما يري مصر تقيم احتفالية موكب المومياوات وطريق الكباش أو يشاهد المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل تزور الأهرامات، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خان الخليلي رفقة الرئيس السيسي في أكثر قطعة مزدحمة في مصر، هذا يخلق انطباعًا في الأذهان، وانطباعًا يعكس الأمان والتقدم والاهتمام في هذا البلد.”
“لكن برضو لازم نكون صريحين، لو هننجح في الترويج للسياحة، لازم تكون الحملة الإعلامية مستمرة، مش موسمية، مفيش حاجة اسمها حملة سياحية وتنتهي، لازم نخلق محتوى مستمر ونستفيد من جميع الوسائل الحديثة، سواء كان على السوشيال ميديا أو من خلال التعاون مع الشركات السياحية العالمية.”
سألناه: هل مصر بحاجة إلى خلق مقاصد سياحية جديدة، أم أن الأولوية الآن لتشبع المقاصد الحالية؟
ابتسم النجار قبل أن يجيب، وكأنه يستحضر خريطة مصر كاملة أمام عينيه:
“وقال: إحنا عندنا مخزون من المقاصد السياحية يكفينا لعقود، صدقني. مشكلتنا مش في قلة الأماكن، لكن في إدارة وترويج وتوزيع الحركة السياحية، قبل ما نفكر نخلق مقاصد جديدة، لازم نضمن إن المقاصد الحالية وصلت لأقصى طاقتها الاستيعابية، وتشبعت تمامًا.”
“ببساطة، المقاصد اللي عندنا دلوقتي زي القاهرة والجيزة، وشرم الشيخ، والغردقة، ومرسي علم، والأقصر، وأسوان والساحل الشمالي، لسه فيها طاقة جذب ضخمة لم تُستغل بالكامل، وعشان كده، أنا مؤمن إننا مش محتاجين نضيف مقاصد جديدة إلا كل خمس سنوات على الأقل.”
وكشف أن هناك مناطق بالفعل تم التخطيط لها، لكن لم ينفذ عليها الشغل الكافي، وقال: هذه أنا بسميها ميراث الأجيال القادمة، وعلينا أن نتذكر تجربة الدكتور ممدوح البلتاجي عند نقل الحركة السياحية لمصر الي الغردقة وشرم الشيخ بعد حادثة الأقصر 1997 وأضاف أنه مش لازم نستهلك كل كنوزنا دفعة واحدة. لا بد أن نترك مساحة لبكرة، نحتفظ بجاذبية التجديد للأجيال الجاية.”
وأضاف”لو اشتغلنا على تحسين البنية التحتية، والخدمة، والترويج للمقاصد الموجودة، هنلاقي إن مصر تقدر تستقبل أضعاف الملايين التي تستقبلها حاليًا، بس بشرط: لازم نضيف غرف فندقية جديدة، ونوسع القدرة الاستيعابية أولاً.”

– طرحنا عليه سؤالًا بسيطًا في شكله، لكنه معقّد في جوهره:
طالما أن مصر تملك كل هذه الإمكانيات السياحية الهائلة – من تنوع في الأنماط، وكنوز أثرية، وشواطئ نادرة، وتراث إنساني لا يُقدّر بثمن – لماذا لم تحقق حتى الآن ما تستحقه على خريطة السياحة العالمية؟ هل المشكلة في الجودة؟ أم في الطيران؟ أم أنها تعود لأسباب جيوسياسية خارجة عن الإرادة؟

– النجار لم يتردد في الإجابة، بل قالها بثقة الخبير الذي عاش التجربة:
“المشكلة ليست في عنصر واحد، لكنها منظومة مترابطة. زي ما بتقول بالضبط، إحنا عندنا المقومات، لكن اللي بيمنعنا من الوصول لقمة التصنيف العالمي في السياحة هو مزيج من العوامل.”
ثم بدأ يشرح:
“الجودة طبعًا عنصر مهم. السياحة دلوقتي بقت تجربة كاملة مش مجرد زيارة، السائح عايز خدمة راقية، من أول المطار لحد آخر ليلة في الفندق، وده بيتطلب تدريب كوادر، وتحسين الخدمات، ومتابعة مستمرة للمستوى.”
“أما الطيران، فهو عصب السياحة. لازم تكون فيه خطوط مباشرة ومنتظمة من الأسواق المستهدفة، بأسعار معقولة، الطيران عندنا محتاج يتوسع ويكون عنده رؤية متكاملة تخدم القطاع، مش يشتغل بمعزل عنه.”
“أما بالنسبة للعوامل الجيوسياسية، فدي طبعًا بتأثر، خصوصًا لما يكون فيه صراعات أو صورة ذهنية مغلوطة عن الاستقرار في المنطقة. لكن خليني أقولك حاجة: الصورة الذهنية بتتغير بالدعاية الذكية، والترويج الإيجابي، والمشاركة في الفعاليات العالمية.”
“مصر مش ناقصها حاجة، ناقصها تكامل بين كل عناصر المنظومة، وتخطيط بعيد المدى، واستثمار في العنصر البشري. لو اشتغلنا على ده، مفيش سبب يمنعنا من إننا نكون من أكبر خمس وجهات سياحية في العالم.”